صفحة جزء
باب استيفاء القصاص ويشترط له ثلاثة شروط : أحدها : أن يكون من يستحقه مكلفا ، فإن كان صبيا ، أو مجنونا لم يجز استيفاؤه . يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون إلا أن يكون لهما أب ، فهل له استيفاؤه لهما ؛ على روايتين ، فإن كانا محتاجين إلى النفقة ، فهل لوليهما العفو على الدية ؛ يحتمل وجهين . وإن قتلا قاتل أبيهما ، أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما ، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما ، وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة سقط حقهما وجها واحدا .


باب

استيفاء القصاص

وهو فعل مجني عليه ، أو وليه بجان مثل ما فعل ، أو شبهه
( ويشترط له ثلاثة شروط : أحدها : أن يكون من يستحقه مكلفا ) لأن غير المكلف ليس أهلا للاستيفاء لعدم تكليفه بدليل أنه لا يصح إقراره ، ولا تصرفه لأن غير المكلف إما صبي ، أو مجنون ، وكلاهما لا يؤمن منه الحيف على الجاني ، ولا يقوم وليه مقامه ؛ لأن القصاص شرع للتشفي ، فلم يقم غيره مقامه ( فإن كان صبيا ، أو مجنونا لم يجز استيفاؤه ) لما ذكرنا ، والقود ليس لأبيه ، ولا لغيره استيفاؤه ، وعنه : بلى ، حكاها أبو الخطاب ، وقالها الأكثر ; لأن القصاص أحد بدلي النفس ، فكان للأب استيفاؤه كالدية ، وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس ، والأول هو ظاهر المذهب ; لأنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته ، فلم يملك استيفاء القصاص كالوصي ، ولأن القصد التشفي وترك الغيظ ، ولا يحصل ذلك باستيفاء الأب ، بخلاف الدية فإن الغرض يحصل باستيفائه [ ص: 279 ] ولأن الدية إنما يحصل استيفاؤها إذا تعينت ، والقصاص لا يتعين ، فعلى هذا ( يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون ) ويقدم الغائب ; لأن فيه حظا للقاتل بتأخير قتله وحظا للمستحق بإيصاله إلى حقه ، ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته ، فإذا تعذر استيفاء النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالما عن المعارض ، وقد حبس معاوية ، هدبة بن خشرم في قود حتى يبلغ ابن القتيل ، فلم ينكر ذلك ، وبذل الحسن ، والحسين ، وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات ، فلم يقبلها ، لا يقال : يجب أن يخلي سبيله كالمعسر لما في تخليته من تضييع الحق ; لأنه لا يؤمن هربه ، والفرق بينهما من وجوه : أحدها : أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار ، فلا يحبس بما لا يجب ، والقصاص واجب ، وإنما تعذر لمانع . الثاني : أن المعسر لو حبس تعذر عليه الكسب لقضاء الدين . الثالث : أنه قد استحق قتله ، وفيه تفويت نفسه ونفعه ، فإذا تعذر تفويت النفس لمانع جاز تفويت نفعه لإمكانه ، ولو كان القود لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه ، فإن أقام كفيلا بنفسه ليخلي سبيله لم يجز ; لأن الكفالة لا تصح في القصاص كالحد ( إلا أن يكون لهما أب ، فهل له استيفاؤه لهما ؛ على روايتين ) الأصح أنه ليس له ذلك ; لأن مقصود شرعية القصاص مفقود في الأب وكوصي وحاكم ، والثانية : بلى ; لأن له ولاية كاملة بدليل أنه يملك أن يبيع من نفسه لنفسه ، بخلاف غيره ( فإن كانا محتاجين إلى النفقة ، فهل لوليهما العفو على الدية ؛ يحتمل وجهين ) وحكاهما في " الفروع " روايتان : أحدهما : يجوز ، صححه [ ص: 280 ] القاضي والمؤلف ، وقدمه في " الرعاية " ، والثاني : المنع ، لأنه لا يملك إسقاط قصاصه ، ونفقته في بيت المال وكما لو كانا موسرين ، والأول أصح ; لأن وجوب نفقته في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل ، ولا يجوز عفوه مجانا ولولي الفقير المجنون العفو على مال ; لأنه ليس له حالة معتادة ينتظر فيها إفاقته ورجوع عقله ، بخلاف الصبي ، وهذا هو المنصوص ، وجزم به في " الوجيز " ، وعنه : لأب ، وعنه : ووصي وحاكم استيفاؤه لهما في نفس ، أو دونها فيعفو إلى الدية . نص عليه ( وإن قتلا قاتل أبيهما ، أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما ) هذا وجه قدمه في " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه أتلف غير حقه فسقط الحق ، أشبه ما لو كانت لهما وديعة عند شخص فأخذاها منه قهرا وكما لو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته ( واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما ) جزم به في " الترغيب " و " عيون المسائل " ; لأنه ليس من أهل الاستيفاء ، فلا يكون مستوفيا لحقه فتجب لهما دية أبيهما في مال الجاني ; لأن عمد الصبي والمجنون خطأ ، وعلى عاقلتهما دية القاتل كما لو أتلف أجنبيا ، بخلاف الوديعة ، فإنها لو تلفت بغير تعد برئ منها المودع ، ولو هلك الجاني من غير فعل لم يبرأ من الجناية ، فلو مات قبل تكليفه فحقه من القود إرث ، وقيل : يسقط إلى الدية كما لو مات المستحق الغائب وجهل عفوه ، قاله في " الرعاية " ( وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة ) كالعبد ( سقط حقهما وجها واحدا ) لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة ، فلم يكن إلا سقوطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية