صفحة جزء
فصل : الثاني : المماثلة في الموضع والاسم ، فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى ، والعليا ، والسفلى من الشفتين ، والأجفان بمثلها . والإصبع ، والسن ، والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ، ولو قطع أنملة رجل العليا ، وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ، ثم يقتص من الوسطى ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ، وإن تراضيا عليه لم يجز ، فإن فعلا ، أو قطعها تعديا ، أو قال : أخرج يمينك ، فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال وسقط القصاص ، وقال ابن حامد : إن أخرجها عمدا لم يجز ويستوفى من يمينه بعد اندمال اليسار . وإن أخرجها دهشة ، أو ظنا أنها تجزئ ، فعلى القاطع ديتها ، وإن كان من عليه القصاص مجنونا ، فعلى القاطع القصاص إن كان عالما بها وأنها لا تجزئ ، وإن جهل أحدهما فعليه الدية ، وإن كان المقتص مجنونا والآخر عاقلا ذهبت هدرا .


فصل

( الثاني : المماثلة في الموضع ، والاسم ) قياسا على النفس ( فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى ، والعليا ، والسفلى من الشفتين ، والأجفان بمثلها ) في قول أكثر أهل العلم ; لأن القصاص يعتمد المماثلة ، ولأنها جوارح مختلفة المنافع ، والأماكن [ ص: 311 ] فلم يؤخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف ، وكذا كل ما انقسم إلى يمين ويسار وأعلى وأسفل ( والإصبع ، والسن ، والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ) لأن الشرط المماثلة فتؤخذ الإبهام ، والسبابة ، والوسطى بمثلها ، وكذا البنصر ، والخنصر ، والثنية ، والضاحك ، والناب ، والأنملة العليا من الإصبع بمثله ; لأن المماثلة موجودة في ذلك كله ( ولو قطع أنملة رجل العليا ، وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ، ثم يقتص من الوسطى ) لأنه لا يمكن القصاص في الحال لما فيه من الحيف وأخذ الزيادة على الواجب ، ولا سبيل إلى تأخير حقه حتى يمكن من القصاص لما فيه من الضرر فوجب الخيرة بين الأمرين ، فإن قطع من ثالث السفلى فللأول أن يقتص من العليا ، ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ، ثم للثالث أن يقتص من السفلى ، سواء جاءوا جميعا ، أو واحدا بعد واحد ( ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه ) لأن المماثلة شرط ، ولم توجد ، فلا تؤخذ يمين بيسار ، ولا عكسه ، ولا العليا من الشفتين والأجفان بالأسفل ، ولا عكسه ، ولا الإبهام بالسبابة ، ولا الوسطى ، والخنصر ، والبنصر بغيرها ، وعلى هذا فقس ( ولا تؤخذ أصلية بزائدة ) لأن الزائدة دونها ( ولا زائدة بأصلية ) لأنها لا تماثلها ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة ، ولو تفاوتا قدرا ( وإن تراضيا عليه لم يجز ) لأن ما لا يجوز أخذه قصاصا ، لا يجوز بتراضيهما ; لأن الدماء لا تستباح بالإباحة ( فإن فعلا ) ذلك بلا تعد مثل أن يأخذ باختيار الجاني [ ص: 312 ] فيجزئ ويسقط القود ; لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها ، وفي الثانية بإذن صاحبها في قطعها ، وديتهما متساوية ، قاله أبو بكر ( أو قطعها تعديا ) لأنهما متساويان في الدية ، والألم ، والاسم ، فتساقطا ، ولأن إيجاب القود يفضي إلى قطع يد كل منهما وإذهاب منفعة الجنس وكل من القطعين مضمونة سرايته ; لأنه عدوان ، وقال ابن حامد : إن كان أخذها عدوانا فلكل منهما القود على صاحبه ، وإن كان بتراضيهما ، فلا قود في الثانية لرضا صاحبها ببدلها ، وفي وجوبه في الأول وجهان : إحداهما : لا يسقط ; لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت له كما لو باعه بخمر ، وقبضه إياه ، فعلى هذا له القود بعد اندمال الأخرى وللجاني دية يده ( أو قال : أخرج يمينك ، فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال وسقط القصاص ) سواء قطعها عالما بها ، أو جاهلا ، وكما لو قطع يسار السارق بدل يمينه ( وقال ابن حامد : إن أخرجها عمدا لم يجز ) لأنه تعمد ترك الواجب عليه من القطع ، فلم يعذر في استيفاء الواجب عليه ، ولا يصح القياس على السارق لوجوه ; لأن الحد مبني على الإسقاط ، ويساره تقطع إذا عدمت يمينه ، ولو سقطت يده بآكلة ، أو قصاص سقط القطع ، بخلاف القصاص ، فإنه لا يسقط ( ويستوفى من يمينه ) لأن قطع اليسار كلا قطع فيوجب ذلك قطع اليمين ضرورة استيفاء الواجب عليه ، وذلك مشروط ( بعد اندمال اليسار ) لأنه لو قطعها قبل ذلك أدى إلى هلاكه ، وهو منفي شرعا ، بخلاف ما إذا قطع يمين رجل ويسار آخر ، فإنه لا يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر ; لأن القطعين [ ص: 313 ] مستحقان قصاصا فلهذا جمع بينهما ، وفي هذه أحدهما غير مستحق .

تتمة : فإن أخرجها عمدا عالما أنها يساره وأنها لا تجزئ فهدر ويفارق هذا ما إذا قطع يد إنسان ، وهو ساكت ; لأنه لم يوجد منه البدل ، فإن سرى قطع يساره إلى نفسه فهدر ، وتجب في تركته دية اليمين لتعذر الاستيفاء ( وإن أخرجها دهشة ، أو ظنا أنها تجزئ ، فعلى القاطع ديتها ) إن علم أنها يسار وأنها لا تجزئ ، ويعزر ، وعليه الضمان بالدية ; لأنه لو كان عالما بها كانت مضمونة عليه ، وما وجب ضمانه في العمد وجب في الخطأ كإتلاف المال ، والقصاص باق في اليمين ، ولا يقتص حتى تندمل اليسار ، فإن عفا وجب بدلها ويتقاضان ، وإن سرت اليسار إلى نفسه ، فلورثة الجاني نصف الدية ; لأن اليسار مضمونة وتساقطا به ويقبل قول الجاني في العلم وعدم إباحتها ; لأنه أعلم بنيته ( وإن كان من عليه القصاص مجنونا ) مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه ( فعلى القاطع القصاص إن كان عالما بها وأنها لا تجزئ ) لأنه قطعها متعديا ( وإن جهل أحدهما : فعليه الدية ) لأن بذل المجنون ليس بشبهة ( وإن كان المقتص مجنونا ، والآخر عاقلا ذهبت هدرا ) لأنه لا يصح منه الاستيفاء ، ولا يجوز البذل له ، ولا ضمان عليه ; لأنه أتلفها ببذل صاحبها ، لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر استيفاء القود فيها لتلفها ، فيكون للمجنون ديتها ، وإن وثب المجنون فقطع يمينه قهرا سقط حقه كما لو اقتص ممن لا تحمله العاقلة ، وقيل : لا تسقط ، قال في " الرعاية " : وهو أظهر ، ودية يده على الجاني ، وعلى عاقلته دية الجاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية