صفحة جزء
[ ص: 314 ] فصل : الثالث : استواؤهما في الصحة ، والكمال فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كالة الأصابع بناقصة ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس . ولا ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين ، ويحتمل أن يؤخذ بهما إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأخشم و بالمخروم والمستحشف ، وأذن السميع بأذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين ، ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف ولا يجب له مع القصاص أرش في أحد الوجهين ، وفي الآخر له دية الأصابع الناقصة ولا شيء له من أجل الشلل واختار أبو الخطاب أن له أرشه . وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله ؛ فيه وجهان .


فصل

( الثالث : استواؤهما في الصحة ، والكمال ) لأن القصاص يعتمد المماثلة ( فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ) بغير خلاف نعلمه إلا ما حكي عن داود لاشتراكهما في الاسم كالآدميين ، وجوابه : أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال ، فلا تؤخذ بما فيه نفع ، وإذا لم يؤخذ القود في العينين لأجل تفاوتهما في الصحة ، والعمى فلأن لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى ( ولا كالة الأصابع بناقصة ) لأنها جناية زائدة على ما جني عليه ، فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أقل من ذلك لم يجز القصاص ; لأنها فوق حقه ، وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه ؛ فيه وجهان ، وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها ، وفي القود من الأصابع الصحاح وجهان ، فإن قلنا : له القود ، فله الحكومة في الشلاء ، وأرش ما تحتها من الكف ، وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحيحة في قصاصها ، أو تجب فيه حكومة ؛ على وجهين ، فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة لم يمنع القود عند ابن حامد ; لأنها عيب ونقص في المعنى كالسلعة ، واختار القاضي أنها تمنع كالأصلية ، ولا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها ( ولا عين صحيحة بقائمة ) وهي صحيحة في موضعها ، وإنما ذهب نورها وإبصارها ; لانتفاء استوائهما في الصحة وتؤخذ القائمة بالصحيحة ; لأنها دون حقه ، ولا أرش له معها ; لأن التفاوت في الصفة ( ولا لسان ناطق بأخرس ) لأنه ليس بمماثل له ، ولأنه يأخذ أكثر من حقه ، [ ص: 315 ] أشبهت اليد الصحيحة بالشلاء ( ولا ذكر فحل بذكر خصي ، ولا عنين ) على المذهب ; لأنه لا منفعة فيهما ; لأن الخصي لا يولد له ، ولا ينزل ، ولا يكاد العنين أن يقدر على الوطء فهما كالأشل ( ويحتمل أن يؤخذ بهما ) هذا رواية عن أحمد ، واختارها أبو بكر ، وأبو الخطاب ; لأنهما عضوان ينقبضان وينبسطان فيؤخذ بهما كذكر الفحل ، وعنه : يؤخذ بذكر العنين ، لا الخصي . اختارها ابن حامد لتحقق نقصه والإياس من برئه ، بخلاف العنين ، فإن العنة علة في الظهر ، فلم يمنع القصاص كأذن الأصم ، ومارن الأخشم ، وقال القاضي : لا يؤخذ بخصي ، وفي أخذه بعنين وجهان : أحدهما : يؤخذ به الصحيح ; لأنه غير مأيوس من زوال عنته ، ولذلك يؤجل سنة وصحح في " المغني " ، و " الشرح " الأول ; لأنه إذا تردد الحال بين كونه مساويا للآخر وعدمه لم يجب قصاص ; لأن الأصل عدمه ( إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأخشم ) وهو الذي لا يجد رائحة شيء ، وهذا استثناء من استوائهما في الصحة ، والكمال ، وليس هو عائدا إلى الاحتمال ، وإن قرب منه إذ الاستثناء من الإثبات نفي ، فقوله يؤخذ بهما إثبات ، والمستثنى نفي ، فيكون المعنى : استواؤهما شرط إلا في أشياء لأن عدم الشم علة في الدماغ ، ونفس الأنف صحيح فوجب أخذ الأخشم به ; لأنه مثله ، وإذا كان كذلك ، فلا يحتاج إلى الاستثناء ، قيل : هو بالنظر إلى فوات الشم غيره ، والثاني : لا يؤخذ به ; لأن منفعة الشم قد زالت ، فهو بالنسبة إلى الاسم كاليد الصحيحة مع الشلاء ( و ) يؤخذ الصحيح ( بالمخروم ) وهو المقطوع وتر أنفه ( والمستحشف ) وهو الرديء ; لأن ذلك مرض ، ولأنه يقوم مقام الصحيح ، والثاني : لا يؤخذ بذلك ; لأنه معيب ، ذكره في " الكافي " [ ص: 316 ] واقتصر عليه في " الشرح " ( وأذن السميع بأذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين ) وكذا أطلقهما في " المحرر " ، و " الفروع " أحدهما : وجزم به في " الوجيز " ، وهو ظاهر نقل المؤلف - يؤخذ به ; لأن العضو صحيح ومقصوده الجمال لا السمع ، وذهاب السمع لنقص في الرأس ; لأنه محله ، وليس بنقص في الأذن . والثاني : لا يؤخذ به ; لأنه عضو ذهب نفعه ، فهو كاليد الشلاء وتؤخذ الأذن الصحيحة بالمثقوبة ( ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح ) لأنه رضي بدون حقه كما لو رضي المسلم بالقود من الذمي ، والحر من العبد ( وبمثله ) لأن المانع من القصاص عدم الاستواء ، وهو منتف هنا بشرط ، وهو ( إذا أمن من قطع الشلاء التلف ) وحاصله أن القاطع إذا كان أشل ، والمقطوعة سالمة ، فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله ذلك بغير خلاف نعلمه لعجزه عن استيفاء حقه على الكمال ، وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة ، فإن قالوا : إنه إذا قطع لم تفسد العروق ، ولم يدخل الهواء ، أجيب إلى ذلك ، وإن قالوا يدخل الهواء في البدن فيفسده ، سقط القصاص ( ولا يجب له مع القصاص أرش في أحد الوجهين ) قدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة ، وإنما نقصت في الصفة ، ولأن الفعل الواحد لا يوجب مالا ، وقودا ( وفي الآخر له دية الأصابع الناقصة ) قاله القاضي وشيخه ( ولا شيء له من أجل الشلل ) لأن الجمال ينقص بنقصان الأصابع ، بخلاف الشلاء ، فإنها كاملة صورة ، وعليه مبنى القصاص ; لأن المماثلة في المعاني لا تعتبر ; لأنه كان يفضي إلى سقوط القصاص ( واختار أبو الخطاب أن له أرشه ) لأن له دية [ ص: 317 ] الأصابع وأرش الشلل على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت ، وإنما كان كذلك تكميلا لحقه ; لأنه استوفى بالقصاص بعض حقه فيأخذ دية باقيه كما لو قطع الأقطع يد الصحيح ، فإنه يأخذ دية اليد لفوات حقه منها ، وهذا أشبه بكلام أحمد ، وقيل : الشلل موت ، وذكر في " الفنون " أنه سمعه من جماعة من البله المدعين للفقه ، قال : وهو بعيد وإلا لأنتن واستحال كالحيوان ، وفي " الواضح " إن ثبت فلا قود في ميت ( وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله ؛ فيه وجهان ) أي : إذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل ، أو غيره فأنكره ولي الجناية قبل قوله . نص عليه ، واختاره الخلال ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الظاهر السلامة ، والثاني : واختاره ابن حامد ، يقبل قول الجاني ; لأن الأصل براءة ذمته من دية عضو سالم ، ولأنه لو كان سالما لم يخف ; لأنه يظهر فيراه الناس ، واختار في " الترغيب " عكسه في أعضاء باطنة لتعذر البينة ، وقبل قول الولي على سابقة السلامة وإلا فقول الجاني .

مسألة : إذا قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفره ، فلا قود له حتى يتبين ; لأنا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي . وإن طلب الدية ، وكان يرجى انكشاف حاله - أعطي اليقين ، وهو دية شفري امرأة ، وحكومة في الذكر ، والأنثيين ، وإن كان مأيوسا من انكشاف حاله أعطي نصف دية ذلك كله ، وحكومة في نصفه الباقي ، وعلى قول ابن حامد ، لا حكومة فيه ; لأنه نقص .

التالي السابق


الخدمات العلمية