صفحة جزء
[ ص: 323 ] فصل : وإن اشترك جماعة في قطع طرف ، أو جرح وتساوت أفعالهم ، مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين ، فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين ، فإن تفرقت أفعالهم ، أو قطع كل إنسان من جانب ، فلا قصاص ، رواية واحدة . وسراية الجناية مضمونة بالقصاص ، أو الدية . فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل ، أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك ، وإن شل ففيه ديته دون القصاص وسراية القود غير مضمونة . فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس ، فلا شيء على القاطع ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه . فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه ، فإن سرى إلى نفسه كان هدرا ، وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا .


فصل

( وإن اشترك جماعة في قطع طرف ، أو جرح ) موجب للقصاص ( وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين ) أو يدفعوا حائطا ، ونحوه على شخص ، قاله في " الوجيز " ( فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين ) اختارها الخرقي ، وقدمها في " الكافي " ، و " الرعاية " ، و " الفروع " ، وجزم بها في " الوجيز " لقول علي للشاهدين : لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما . فأخبر أن القصاص على كل منهما لو تعمد ، ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ الجماعة بالواحد كالنفس ، وفي " الانتصار " لو حلف كل منهما لا يقطع حنث بذلك ، والثانية : لا قود عليهم ; لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها ، فإنه لا تؤخذ صحيحة بشلاء ، ولا كاملة الأصابع بناقصتها ، ولا تساوي بين الطرف ، والأطراف ، ولا يعتبر التساوي في النفس وكما لو تميزت أفعالهم ، وفي " الرعاية " بعد ذكر الخلاف : وعلى كل واحد دية الطرف والجرح ، كما لو قطع كل إنسان من جانب ، أو في وقت ، قال ابن حمدان : ويحتمل أن يشتركوا في ديته ( فإن تفرقت أفعالهم ، أو قطع كل إنسان من جانب ، فلا قصاص ، رواية واحدة ) لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ، ولم يشارك في قطع جميعها ( وسراية الجناية مضمونة ) بغير خلاف ; لأنها أثر الجناية ، والجناية مضمونة ، فكذا أثرها ( بالقصاص ، أو الدية ) وهو مبني على أن موجب العمد أحد أمرين ، ثم إن [ ص: 324 ] سرت إلى النفس وما لا تمكن مباشرته بالإتلاف مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه وجب القود فيه ، ولا خلاف في ذلك في النفس ، وفي ضوء العين خلاف ، وإن سرت إلى ما تمكن مباشرته بالإتلاف ، ونبه عليه بقوله ( فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل ، أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك ) في قول إمامنا ; لأن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس ، وقال أكثر الفقهاء : لا قود في الثانية وتجب ديتها ; لأن ما أمكن مباشرته بالجناية ، لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما إلى شخص فمرق منه إلى آخر ، وجوابه : ما سبق ، وبأنه أحد نوعي القصاص ، وفارق ما ذكروه ; لأن ذلك فعل ، وليس بسراية ، ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص ( وإن شل ) بفتح الشين ، وقيل : بضمها ( ففيه ديته دون القصاص ) إذا شل وجب القود في الأولى ، والأرش في الثانية ; لأن الشلل حصل بالسراية ، وحكمها حكم المباشرة ، ولأنها جناية موجبة للقود كما لو لم تسر وكما لو قطع يد حبلى فسرى إلى جنينها ، وقال ابن أبي موسى : لا قود بنقصه بعد برئه ويجب الأرش في ماله ، فلا تحمله العاقلة ; لأنه جناية عمد ، وإذا قطع له إصبعا فشلت أصابعه الباقية وكفه وجب له نصف الدية ، وإن اقتص من الإصبع فله في الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذى الكف ، وهو أربعة أخماس فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس منها للكف ، وفيه وجهان ( وسراية القود غير مضمونة ) في قول الجمهور ; لما روى سعيد أن عمر ، وعلي بن أبي طالب ، قالا : من مات من حد ، أو قصاص [ ص: 325 ] لا دية له ، الحق قتله ، ولأنه قطع مستحق مقدر ، فلا تضمن سرايته كقطع السارق ، ولا فرق بين سرايته إلى النفس ، أو إلى ما دونها ( فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس ، فلا شيء على القاطع ) لأنه مستحق له ، بخلاف قسم الخطأ ، واحتج الأصحاب بمسألة : اقتلني ، أو اجرحني ، مع تحريم الإذن والقطع ، فهنا أولى ، ويستثنى من ذلك ما إذا استوفاه قهرا مع الخوف منها كحر ، أو برد ، أو كلول آلة ، أو مسمومة ، فإنه يضمن بقية الدية ، وقال القاضي : يضمن نصفها ، وقال ابن عقيل : من له قود في نفس ، أو طرف فقطع طرفه فسرى إلى أوصال من عليه الدية فدفعه دفعا جائرا فقتله ، هل يكون مستوفيا لحقه كما يجزئ إطعام مضطر من كفارة قد وجب عليه بذله له ، وكذا من دخل مسجدا فصلى قضاء ونوى كفاه عن تحية المسجد ؛ فيه احتمالان ( ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه ) في قول الأكثر ، وهو الأصح لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أقدني ، فقال : حتى تبرأ ، ثم جاء إليه ، فقال : أقدني ، فأقاده ، ثم جاء إليه ، فقال : يا رسول الله عرجت ، فقال : قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك " ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ . رواه أحمد ، ، والدارقطني ، ولأن الجرح لا يدرى أيؤدي إلى القتل أم لا ؛ فيجب أن ينتظر ليعلم حكمه ، وفي ثانية وحكاها في " الشرح " تخريجا يجب قبل البرء بناء على قولنا : إنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما فعل ; لأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية ، فوجب أن يملكه في الحال ، كما لو برئ ، لكن الأولى تركه ، قاله في " المحرر " ، وفي [ ص: 326 ] " الروضة " : لو قطع كل منهما يدا فله أخذ دية كل منهما في الحال قبل الاندمال وبعده ، لا القود قبله ( فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه ) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ليس لك شيء إنك عجلت رواه سعيد مرسلا ، ولأنه استعجل حقه فبطل حقه كقتل مورثه ( فإن سرى إلى نفسه كان هدرا ) أي : سراية الجرح إلى نفس المجني عليه هدر ، إذا اقتص من الجاني قبل برء جرحه ; لأن حقه بطل باستعجاله ومع بطلانه يتعين كون السراية إلى نفسه هدرا ( وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا ) قال أحمد : قد دخله العفو بالقصاص ، واحتج الأصحاب بخبر رواه الدارقطني ، ولأن سراية القود غير مضمونة .

فرع : إذا اقتص بعد الاندمال ، ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القود به ; لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص ، فإن اختار الدية فله دية إلا دية الطرف المأخوذ في القصاص ، فإن كان دية الطرف كدية النفس فليس له العفو على مال كذلك ، فإن كان الجاني ذميا ، فقطع أنف مسلم ، فاقتص منه بعد البرء ، ثم سرى إلى نفس المسلم ، فلوليه قتل الذمي ، وهل له أن يعفو على نصف دية المسلم ؛ فيه وجهان : أحدهما : له ذلك ; لأن دية اليهودي نصف دية المسلم فيبقى له النصف ، والثاني : ليس له ذلك ; لأنه استوفى بدل أنفه ، أشبه ما لو كان الجاني مسلما .

التالي السابق


الخدمات العلمية