صفحة جزء
فصل : ومن أدب ولده ، أو امرأته في النشوز ، أو المعلم صبيه ، أو السلطان رعيته ، ولم يسرف فأفضى إلى تلفه لم يضمنه ، ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها ، أو ماتت ، فعلى عاقلته الدية . وإن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق ، لم يضمنه ، ويحتمل أن تضمنه العاقلة ، وإن أمر عاقلا ينزل بئرا ، أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه إلا أن يكون الآمر السلطان ، فهل يضمنه ؛ على وجهين . وإن وضع جرة على سطحه فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه .


فصل

( ومن أدب ولده ، أو امرأته في النشوز ، أو المعلم صبيه ، أو السلطان رعيته ، ولم يسرف ) أي : فوق الضرب المعتاد ( فأفضى إلى تلفه لم يضمنه ) لأنه أدب مأذون فيه شرعا ، فلم يضمن ما تلف به كالحد ، فعلى هذا إن أسرف أو زاد على المقصود ، أو ضرب من لا عقل له من صبي وغيره - ضمن ( ويتخرج وجوب الضمان ) وهو قول في المذهب ، قال ابن حمدان : ولا يسقط بإذن أبيه ، وهل يسقط بإذن سيده ؛ على وجهين ، وقيل : إن أدب ولده فقلع عينه ففي ضمانها وجهان ( على ما قاله ) أي : الإمام أحمد ( فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت ) قال أهل اللغة : أجهضت الناقة : ألقت ولدها قبل تمامه ، ثم استعمل الإجهاض في غير الناقة ( جنينها ، أو ماتت ، فعلى عاقلته الدية ) أما ضمان الجنين فلما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها ، فقالت : يا ويلها ما لها ولعمر ؛ ! فبينا هي في الطريق إذ فزعت ، فضربها الطلق ، فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ، ثم مات ، فاستشار عمر الصحابة ، فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء ، إنما أنت وال ومؤدب ، وصمت علي ، فأقبل عليه عمر ، فقال : [ ص: 342 ] ما تقول يا أبا الحسن ؛ فقال : إن كانوا قالوا برأيهم ، فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هواك ، فلم ينصحوا لك ، إن ديته عليك ; لأنك أفزعتها فألقته ، فقال عمر : أقسمت عليك ألا تبرح حتى تقسمها على قومك ، وأما المرأة فلأنها نفس هلكت بإرسال السلطان إليها فضمنها كجنينها ، أو نفس هلكت بسببه فوجب أن تضمن كما لو ضربها فماتت ، وقيل : هدر ; لأنه ليس بسبب عادة ، وجوابه : بأنه سبب عادي ، بخلاف الضربة ، والضربتين ، فإنه ليس سببا للهلاك في العادة .

تنبيه : إذا أدب حاملا فأسقطت جنينا ضمن ، وكذا إن شربت الحامل دواء لمرض فأسقطته ، فأما إن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد ، أو تعزير ، أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى له فأسقطت ، ضمنه السلطان في الأولى ، والمستعدي في الثانية . نص عليهما كقطع لم يأذن سيد فيها ، وإن ماتت فزعا فوجهان ، وفي " المغني " ، و " الشرح " : إن استعدى إنسان على امرأة فألقت جنينها ، أو ماتت فزعا ، فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها ، وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي ألا يضمنها ، وإن زنى بامرأة مكرهة فأحبلها ، وماتت من الولادة ضمنها ; لأنها تلفت بسبب تعديه .

فائدة : قال في " الفنون " : إن شمت حامل ريح طبيخ فاضطرب جنينها فماتت ، أو مات ، فقال حنبلي وشافعيان : إن لم يعلموا بها ، فلا إثم ، ولا ضمان ، وإن علموا ، وكان عادة مستمرة الرائحة تقتل - احتمل الضمان ، أو الإضرار ، [ ص: 343 ] واحتمل : لا لعدم تضرر بعض النساء ، وكريح الدخان يتضرر بها صاحب السعال ، وضيق نفس ، قال في " الفروع " : والفرق واضح ( وإن سلم ولده إلى السابح ) الحاذق ( ليعلمه فغرق ، لم يضمنه ) في الأصح ، قال القاضي : هو قياس المذهب ; لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته ، كضرب المعلم الصبي الضرب المعتاد ، وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه ( ويحتمل أن تضمنه العاقلة ) قدمه في " الشرح " وغيره ; لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه ، فإذا غرق فقد نسب إلى التفريط في حفظه .

فرع : إذا قال له : سبح عبدي هذا ، فسبحه ، ثم رقاه ، ثم عاد وحده يسبح ، فغرق ، فهدر ، وإن استؤجر ليسبحه ويعلمه ، ومثله لا يغرق غالبا ، وإن استؤجر لحفظه ضمنه إن غفل عنه أو لم يشد ما يسبحه عليه شدا جيدا ، أو جعله في ماء كثير جار ، أو واقف لا يحمله ، أو عميق معروف بالغرق ، قاله في " الرعاية " ( وإن أمر عاقلا ينزل بئرا ، أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه ) لأنه لم يجن ، ولم يتعد ، أشبه ما لو أذن له ، ولم يأمره ، وكاستئجاره قبضه الأجرة أولا ( إلا أن يكون الآمر السلطان ، فهل يضمنه ؛ على وجهين ) أحدهما : لا ضمان ، جزم به في " الوجيز " ، وهو ظاهر ما قدموه كغيره ، والثاني : يضمنه ، واختاره القاضي في " المجرد " ، وهو من خطأ الإمام ، ولأنه يخاف منه إذا خالفه ، وهو مأمور بطاعته ، وظاهره : أنه إذا كان المأمور صغيرا لا يميز ، قاله في " المغني " ، و " الشرح " ، وذكر الأكثر منهم : صاحب " الترغيب " و " الرعاية " غير [ ص: 344 ] مكلف ضمنه ; لأنه تسبب إلى إتلافه ، قال في " الفروع " ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة ، كقرابة وصحبة وتعليم ، ونحوه ، فهذا متجه وإلا ضمنه ، وقد كان ابن عباس يلعب مع الصبيان فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية ، ورواه مسلم . قال في شرحه : لا يقال : هذا تصرف في منفعة الصبي ; لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة ، واطرد به العرف وعمل المسلمين ( وإن وضع جرة على سطحه ) أو حائط ، وعبارة " الفروع " : وإن وضع شيئا على علو فهي أجود ، وفيه شيء ( فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه ) على المذهب ; لأن ذلك بغير فعله ، ووضعه لذلك كان في ملكه ، وقيل : يضمن إذا وضعها متطرفة ، جزم به في " الوجيز " ; لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعها ، أشبه ما لو بنى حائطا مائلا ، ولو تدحرج فدفعه عن نفسه لم يضمن ، ذكره في " الانتصار " ، وفي " الترغيب " وجهان ، وأنهما في بهيمة حالت بين مضطر وطعامه لا تندفع إلا بقتلها مع أنه يجوز .

مسألة : من نزل بئرا في محل عدوانا ، أو سقط فيه فسقط فوقه آخر فماتا ضمنهما عاقلة الحافر ، وقيل : بل هو ، وقيل : على عاقلة الثاني نصف دية الأول ، ويرجع به على عاقلة الحافر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية