صفحة جزء
فصل : ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة ، قيمتها خمس من الإبل موروثة عنه كأنه سقط حيا ذكرا كان ، أو أنثى ، ولا يقبل في الغرة خنثى ، ولا معيب ولا من له دون سبع سنين . وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أم أنثى ، وإن ضرب بطن أمه فعتقت ، ثم أسقطت الجنين ففيه غرة . وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية أمه ، وإن كان أحد أبويه كتابيا ، والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما ، وإن سقط الجنين حيا ، ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا . أو قيمته إن كان عبدا إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا وإلا فحكمه حكم الميت ، وإن اختلفا في حياته ولا بينة ، ففي أيهما يقدم قوله وجهان .


فصل

( ودية الجنين ) وهو اسم للولد في البطن مأخوذ من الإجنان ، وهو الستر ; لأنه أجنه بطن أمه ، أي : ستره لقوله تعالى : وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم [ النجم : 32 ] ( الحر المسلم إذا سقط ) فلو ظهر بعضه ، ولم يخرج باقيه ففيه الغرة كما لو سقط جميعه ( ميتا ) في قول أكثر العلماء لما روي أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة ، فقال المغيرة بن شعبة : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة ، قال : لتأتيني بمن شهد معك فشهد له محمد بن مسلمة . متفق عليه ، ولما روى أبو هريرة قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة ، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها . رواه البخاري ، ومسلم ، وزاد : وورثها ولدها ومن معهم ، فقام حمل بن النابغة الهذلي ، فقال : [ ص: 357 ] يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهل ، فمثل ذلك يطل ؛ ! ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما هو من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع . فإذا ألقته ميتا فقد تحقق أنه من الضربة فوجب ضمانه ، سواء ألقته في حياتها ، أو بعد موتها ; لأنه تلف بالجناية عليه ، أشبه ما لو سقط في حياتها ، وظاهره بجناية عمدا ، أو خطأ ( غرة عبد ، أو أمة ) الأحسن تنوين غرة ، وعبد بدل منه ، وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع ، وسميا بذلك ; لأنهما من أنفس الأموال ، والأصل في الغرة الخيار ، وأصلها البياض في وجه الفرس ، وقال أبو عمرو بن العلاء : الغرة : عبد أبيض ، أو أمة بيضاء ، قلت : وليس البياض شرطا عند الفقهاء ، وإنما تجب إذا سقط من الضربة ، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضربة ، أو تبقى متألمة منها إلى أن يسقط ، أو يكون منها كشرب دواء ، ونحوه ، فلو قتل حاملا ، ولم يسقط جنينها فلا ; لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه ، فلا يجب الضمان بالشك ، والغرة هي عبد ، أو أمة في قول الأكثر ، وما روي عن عروة ، ومجاهد ، وطاوس : أو فرس . فجوابه أنه وهم انفرد به عيسى بن موسى عن الرواة ، وهو متروك في النقل وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة لما روى أبو داود أنه - عليه السلام - جعل في ولدها مائة شاة ، وظاهره : أنه لا تجب في مضغة ، ولا علقة ، وقال قتادة : إذا كان علقة فثلث غرة ، وإن كان مضغة فثلثي غرة ، فإن ألقت مضغة فشهد ثقات من النساء القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة ، وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي ، ولو بقي تصور فوجهان : أصحهما : لا شيء فيه كالعلقة ، والثاني : [ ص: 358 ] وقدمه في " الرعاية " فيه غرة ، أشبه ما لو تصور ، فلو ألقت رأسين فغرة ; لأنه يجوز أن يكون من جنين وأكثر ، فلم تجب بالشك ( قيمتها خمس من الإبل ) وذلك نصف عشر الدية ، روي عن عمر ، وزيد ، وهو قول الجماعة ; لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجناية ، وهو أرش الموضحة ، فرددناه إليه ، لا يقال : قد وجب في الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث ، وهو دون ذلك ; لأن الشارع أوجبها في أرش الموضحة ، والسن ، وأما الأنملة فيجب فيها ما ذكر بالحساب من دية الأصبع .

فرع : إذا اختلف قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها فظاهر الخرقي أنها تقوم بالإبل ; لأنها الأصل ، وقال غيره : تقوم بالذهب أو الورق ، فتجعل قيمتها خمسين دينارا ، أو ستمائة درهم ، ويتفرع عليهما إذا لم يجد غيره ، وذكر في " الكافي " : وإن أعوزت وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية ( موروثة عنه كأنه سقط حيا ) لأنها دية له وبدل عنه فورثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة ، وقال الليث : هي لأمه ، وجوابه : أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ، ثم مات ( ذكرا كان ) الولد ( أو أنثى ) لأنه - عليه السلام - قضى في الجنين بغرة ، وهو يطلق على الذكر والأنثى ، ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث ( ولا يقبل في الغرة خنثى ، ولا معيب ) يرد به في البيع ، ولا خصي ، ولا هرمة ، وإن كثرت قيمته ; لأنه حيوان يجب بالشرع ، فلم يقبل فيه ذلك ، بخلاف الكفارة ، فإن الغرة بدل فاعتبرت فيها السلامة كإبل الصدقة ، وهي خيار ( ولا من له دون سبع سنين ) في الأشهر ، فإنه محتاج إلى من يكفله ، وليس من الخيار ، وقيل : أو أقل لإطلاق الخبر ، [ ص: 359 ] وظاهره : أن من جاوز السبع أنه مقبول ، وهو كذلك ، وقال ابن حمدان : الغرة من له سبع سنين إلى عشر ، وظاهر الخرقي : أن سنها غير مقدر ، وبالجملة : البالغ أكمل من الصغير وأقدر على التصرف وأنفع في الخدمة . ( وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ) هذا هو المذهب ; لأنه جنين آدمية فوجب فيه عشر دية أمه كجنين الحرة ، ولأنه جزء منها فقدر بدله من قيمتها كسائر أعضائها ، ونقل حرب : الواجب فيه نصف عشر قيمة أمه ، ولا يحمل عليه الواجب هنا ; لأن الرقيق الواجب قيمته بخلاف الحر ، وتعتبر القيمة نقدا يوم الجناية كموضحتها إذا ساوتها حرية ورقا ، وإلا فبالحساب إلا أن يكون دين أبيه ، أو هو أغلى منها دية فيجب عشر ديتها لو كانت على ذلك الدين ( ذكرا كان أو أنثى ) لأن حكمه كذلك إذا كان حرا ، فكذا إذا كان رقيقا ، ونص المؤلف على ذلك إشارة منه إلى خلاف أبي حنيفة ، فإنه قال : يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا ، أو عشر قيمته إن كان أنثى ; لأنه متلف ، فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه ، وجوابه : أنه جنين خالف سائر المتلفات في عدم اعتبار قيمة جميعه ، فوجب اعتباره بأمه ، ولأنه مات من الجناية في بطن أمه ، فلم يختلف ضمانه بهما كجنين الحرة .

فرع : جنين المعتق بعضها يجب بالحساب ، فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر ، فيه نصف غرة لورثته ، وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده .

( وإن ضرب بطن أمة فعتقت ) أو أعتق جنينها قبل الجناية ، أو بعدها ( ثم أسقطت الجنين ففيه غرة ) قدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " [ ص: 360 ] لأنه سقط حرا ، والعبرة بحال السقوط ; لأن قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء ، وعنه : بضمان جنين مملوك ، نقلها حرب ، ، وابن منصور ، وعنه : إن سبق العتق الجناية ضمن بالغرة ، وإلا فبضمان الرقيق ، ونقل حرب : التوقف ، وحكى في " الفروع " الخلاف ، ولم يرجح شيئا ، فإن ألقته حيا فالدية كاملة مع سبق العتق الجناية ، وإلا ففيه الروايتان في الرقيق يجرح ، ثم يعتق ( وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه ) غرة قيمتها ( عشر دية أمه ) لأن جنين الحرة المسلمة مضمون بعشر دية أمه ، فكذا جنين الكافرة ( وإن كان أحد أبويه كتابيا ، والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما ) أي : أكثر الأمرين من عشر دية أمه ، أو نصف عشر دية أبيه ; لأن ذلك ضمان متلف ، فغلب فيه الأكثر تغليظا على الجاني ، ولأنه لو اجتمع في المتلف ما يجب وعكسه ، غلب الوجوب كالمحرم إذا قتل متولدا بين وحشي وأهلي ، والحاصل : أنها تؤخذ غرة قيمتها عشر الدية ، ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى ; لأن السنة لم تفرق بينهما ، فلو كان بين كتابيين فأسلم أحدهما بعد الضرب قبل الوضع ، ففيه غرة في ظاهر كلامه ، وقاله ابن حامد والقاضي اعتبارا بحال استقرار الجناية ، وقال أبو بكر ، وأبو الخطاب : فيه عشر دية كتابية اعتبارا بحال الجناية ( وإن سقط الجنين حيا ، ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا ) لأنه حر مات بجناية ، أشبه ما لو باشره بالقتل ، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا ، وعن أحمد : لا يثبت هذا الحكم إلا إذا استهل ، روي عن عمر ، ، وابن عباس ، ، والحسن بن علي ، والأول نصره في " المغني " ، و " الشرح " ; لأن الارتضاع ونحوه أدل على الحياة من الاستهلال ، فأما بمجرد الحركة ، فلا [ ص: 361 ] ( أو قيمته إن كان عبدا ) لأن القيمة في العبد بمنزلة الدية في الحر ( إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله ) لأنه إذا لم يكن كذلك لا يعلم فيه حياة يجوز بقاؤها ، فلم تجب فيه دية ، ولا قيمة كما لو سقط ميتا ( وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا ) لأن من ولد قبل ذلك لم تجز العادة ببقائه ، وفيه شيء ، فإن من ولد لثمانية أشهر لم يعش ، إلا ما كان من مريم وابنها عليهما السلام ( إلا فحكمه حكم الميت ) قال في " الروضة " وغيرها : كحياة مذبوح ، فإنه لا حكم لها وحينئذ تجب فيه غرة ; لأنه لم تعلم حياته ( وإن اختلفا في حياته ، ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان ) كذا أطلقهما في " المحرر " ، و " الفروع " أحدهما - وقدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " - : يقدم قول الجاني ; لأن الأصل براءة ذمته ، والثاني : يقدم قول الولي ; لأن الأصل حياته كحياته في بطن أمه ، والأصل بقاؤه ، ومقتضاه : أنه إذا كان ثم بينة عمل بها ; لأنها تظهر الحق وتثبته .

أصل : الغرة والدية يرثهما من يرثه كأنه سقط حيا ، ولا يرث قاتل ولا رقيق ، فترث عصبة سيد قاتل جنين أمته ، وفي " الروضة " هنا إن شرط زوج الأمة حرية الولد كان حرا وإلا عبدا ، وعلى المذهب لو شربت الحامل دواء فألقت جنينا ميتا فعليها غرة ، هو لورثتها دونها ; لأنها قاتلة ، وعليها عتق رقبة .

فرع : يجب في جنين دابة ما نقص . نص عليه ، وهو قول عامة العلماء ، وقال أبو بكر : كجنين أمة ، أي : عشر قيمة أمه ، وجوابه : أن البهيمة إنما يجب بالجناية عليها قدر نقصها ، فكذا في جنينها .

التالي السابق


الخدمات العلمية