صفحة جزء
فصل في دية المنافع . وفي كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق . وكذلك تجب في الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح وتجب في الحدب ، والصعر ، وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب ، وفي تسويد الوجه إذا لم يزل ، وإذا لم يستمسك الغائط أو البول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة . وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوما ويفيق يوما ، أو ذهاب بصر إحدى العينين ، أو سمع إحدى الأذنين ، وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا ، ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء ، والفاء ، والميم . وإن لم يعلم قدره ، مثل أن صار مدهوشا ، أو نقص سمعه ، أو بصره ، أو شمه ، أو حصل في كلامه تمتمة ، أو عجلة ، أو نقص مشيه ، أو انحنى قليلا ، أو تقلست شفته بعض التقلس ، أو تحركت سنه ، أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ، ونحو ذلك ، ففيه حكومة .


فصل

في دية المنافع

لما تمم الكلام على ديات الأعضاء كالعينين ، ونحوهما - شرع يتكلم في دية المنافع ، وهي السمع والبصر ونحوهما ( وفي كل حاسة دية كاملة ) كذا عبارة الأصحاب ، يقال : حس وأحس ، أي : علم وأيقن ، وبألف أفصح ، وبها جاء القرآن ، وإنما يصح قولهم : الحاسة ، والحواس الخمس على اللغة القليلة ، والأشهر في حس بلا ألف بمعنى قتل ، وقال الجوهري : الحواس المشاعر الخمس : السمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس . ( وهي السمع ) بغير خلاف ، وسنده قوله - عليه السلام - وفي السمع الدية وروي أن عمر قضى في رجل رمى آخر بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه بأربع ديات ، والرجل حي . رواه أبو المهلب ، ولأنها حاسة تختص بنفع ، فكان فيها الدية كالبصر ، فإن ذهب من أحدهما فقط وجب نصفها كالبصر ( والبصر ) من العينين المبصرتين من المسلم دية كاملة إجماعا ( والشم ) لأن ذلك في كتاب عمرو بن حزم ، قال القاضي : ولأنه حاسة تختص بمنفعة كسائر الحواس ( والذوق ) ذكره أبو الخطاب ، والمعظم ; لأن الذوق حاسة ، أشبه الشم ، وقياس المذهب [ ص: 380 ] أنه لا دية فيه ، وإنما تجب الحكومة . صححه المؤلف ; لأن لسان الأخرس لا دية فيه إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده ; لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته ، لا تكمل في منفعته كسائر الأعضاء ، قال في " الشرح " : ولا تفريع على هذا القول ( وكذلك تجب في الكلام ) لأن كل ما تعلقت الدية بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد ( والعقل ) بالإجماع وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم ; لأنه أكثر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا ، فإنه يتميز به عن البهيمة ، ويعرف به صحة حقائق المعلومات ، ويهتدي به إلى المصالح ، ويدخل به في التكليف ، وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات ، فكان أولى من بقية الحواس .

فرع : إذا نقص نقصا معلوما وجب بقدره ، وإن لم يعرف قدره فحكومة ، وإن كانت الجناية المذهبة للعقل - ولها أرش كالموضحة - - وجبت الدية وأرش الجرح ، ولا تدخل أرش الجناية المذهبة له في ديته . نص عليه كما لو أوضحه فذهب بصره ، وقيل : بلى ، ويدخل الأقل في الأكثر ( والمشي ) لأن منفعته مقصودة ، أشبه الكلام ( والأكل ) لأنه نفع مقصود كالشم ( والنكاح ) أي : إذا كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية ، روي عن علي ; لأنه مقصود ، أشبه ذهاب المشي ( وتجب في الحدب ) بفتح الحاء والدال مصدر حدب بكسر الدال إذا صار أحدب ; لأن بذلك تذهب المنفعة ، والجمال ; لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال ، وبه يشرف الآدمي على سائر الحيوانات ، وهذا الذي ذكره المؤلف في الكلام وما بعده هو رواية عن أحمد ، واختاره المجد ، وجزم به [ ص: 381 ] في " الوجيز " وخالف فيه القاضي وغيره ، وهو ظاهر المذهب ، قاله ابن الجوزي ( والصعر ، وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب ) نص عليه ، وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه ، قال الله تعالى ولا تصعر خدك للناس [ لقمان : 18 ] أي : لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا ، وهو قول زيد ، رواه مكحول ، ولم نعرف له مخالفا ، فكان كالإجماع ، ولأنه أذهب الجمال والمنفعة ، فوجب فيه ديته كسائر المنافع ، وقال في " المغني " ، و " الشرح " ، و " الترغيب " : أو لا يبلع ريقه ففيه الدية ; لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن ( وفي تسويد الوجه إذا لم يزل ) لأنه فوت الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم ، وظاهره : أنه إذا صفر وجهه ، أو حمره تجب حكومة ; لأنه لم يذهب الجمال على الكمال ، وفي " المبهج " ، و " الترغيب " إذا أزال لونه إلى غيره ففيه الدية ( وإذا لم يستمسك الغائط ، أو البول ) بأن ضرب بطنه ، فلم يستمسك الغائط ، أو المثانة فلم يستمسك البول ( ففي كل واحد من ذلك دية كاملة ) بغير خلاف نعلمه إلا أن أبا موسى ذكر في المثانة رواية ثلث الدية ، كإفضاء المرأة ، والصحيح الأول ; لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كثيرة ليس في البدن مثلها ، فإن نفع المثانة حبس البول ، وحبس البطن الغائط منفعة مثلها ، والضرر بفواتهما عظيم ، فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع ، والبصر ، فإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة وجب ديتان .

فرع : إذا جنى عليه ، فذهب عقله وسمعه وبصره ولسانه وجب أربع ديات لقضاء عمر ، ذكره أحمد في رواية ولده عبد الله كما لو جنى عليه جنايات ، [ ص: 382 ] فأذهبها ، ويجب مع ذلك أرش الجراح ، فإن من مات من الجناية لم تجب إلا دية واحدة ; لأن ديات المنافع تدخل في دية النفس كديات الأعضاء ( وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقدره ) لأن ما وجب في جميع الشيء وجب في بعضه بقدره كإتلاف المال ( مثل نقص العقل بأن يجن يوما ويفيق يوما ، أو ذهاب بصر إحدى العينين ، أو سمع إحدى الأذنين ) لما ذكرناه ، وهو أن ما وجبت فيه الدية وجب بعضها في بعضه كالأصابع ، واليدين .

مسألة : قال في " الترغيب " وغيره : ومنفعة الصوت ومنفعة البطش فلكل واحد الدية ، وفي " الفنون " لو سقاه ذرق حمام فذهب صوته لزمه حكومة ( وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا ) سوى " لا " فإن مخرجها مخرج اللام والألف ، فمهما نقص من الحروف نقص من الدية بقدره ; لأن الكلام يتم بجميعها ، فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ، ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية ، وفي الحرفين نصف سبعها ، ولا فرق بين ما خف على اللسان أو ثقل ; لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع ( ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء ، والفاء ، والميم ) والواو دون حروف الحلق الستة ، وهي : الهمزة ، والهاء ، والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين . فهذه عشرة ، بقي ثمانية عشر ، فاللسان تقسم ديته عليها ; لأن الدية تجب بقطع اللسان وذهاب هذه الحروف وحدها مع بقائه ، فإذا وجبت الدية فيها بمفردها وجبت في بعضها بقسطه منها ، وفي " الكافي " : إن اللسان لا عمل له فيها ، والأول [ ص: 383 ] أولى ; لأن هذه الحروف ينطق بها اللسان أيضا بدليل أن الأخرس لا ينطق بشيء منها ( وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا ) يفزع مما لا يفزع منه ويستوحش إذا خلا ( أو نقص سمعه ، أو بصره ) وذكر جماعة في نقص بصر ، نزنه بالمسافة ، فلو نظر الشخص على مائتي ذراع ، فنظره على مائة ، فنصف الدية ، وفي " الوسيلة " : لو لطمه فذهب بعض بصره ، فالدية في ظاهر كلامه ( أو شمه ، أو حصل في كلامه تمتمة ، أو عجلة ) أو صار ألثغ ( أو نقص مشيه ، أو انحنى قليلا ، أو تقلست شفته بعض التقلس ، أو تحركت سنه ، أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ، ونحو ذلك ، ففيه حكومة ) لما حصل من النقص ، والشين ، ولم تجب الدية ; لأن المنفعة باقية ، وقيل : إن ذهب اللبن فالدية ، وإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه ، فالدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ، ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها .

فرع : إذا أذهب كلام الألثغ ، فإن كان مأيوسا من ذهاب لثغته ، ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وغير المأيوس كصغير فيه الدية ، وكذا كبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم .

أصل : إذا نقص ذوقه نقصا غير مقدر بأن يحسن المذاق الخمس ، وهي الحلاوة ، والحموضة ، والمرارة ، والملوحة ، والعذوبة إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كنقص بصره نقصا لا يتقدر ، وإن لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية ، وفي اثنين خمساها ، وفي ثلاثة ثلاثة أخماسها ، وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إن قلنا بوجوبها فيه وإلا فحكومة .

التالي السابق


الخدمات العلمية