صفحة جزء
فصل وفي الضلع بعير ، وفي الترقوتين بعيران ، وفي كل واحد من : الذراع ، والزند ، والعضد ، والفخذ ، والساق بعيران . وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام ، مثل خرزة الصلب والعصعص ، ففيه حكومة ، والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ، ثم يقوم وهي به قد برئت ، فما نقص فله مثله من الدية ، فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين ، وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ، ففيه نصف عشر ديته ، إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر ، فلا يبلغ بها أرش المقدر . وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة ، لم يبلغ بها أرش الموضحة ، وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع ، وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها ، وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال جريان الدم ، فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا ، فلا شيء فيها ، والله أعلم .


فصل

( وفي الضلع ) قال في المحرر والوجيز والنظم والحاوي والفروع وغيرهم : إن جبر مستقيما ( بعير ) وإلا فحكومة ( وفي الترقوتين ) [ ص: 12 ] واحدهما ترقوة ، وهو العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف ( بعيران ) وفي كل واحدة منهما بعير ، نص عليه في رواية أبي طالب ، لما روى سعيد ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن سالم بن جندب ، عن أسلم مولى عمر ، قال عمر : في الضلع جمل والترقوة جمل . وظاهر الخرقي ، وجزم به في الإرشاد : أن في الواحدة بعيرين ، فيكون فيهما أربعة أبعرة ، وروي عن زيد ، لكن قال القاضي : المراد بقول الخرقي الترقوتان معا ، وإنما اكتفى بلفظ الواحد لإدخال الألف واللام المقتضية للاستغراق ، فيكون في كل ترقوة بعير ( وفي كل واحد من : الذراع ، والزند ، والعضد ، والفخذ ، والساق بعيران ) في رواية نقلها أبو طالب ، لما روى سعيد ، ثنا هشيم ، أنا يحيى بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب : أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في أحد الزندين إذا كسر ، فكتب إليه عمر : أن فيه بعيرين ، وإذا كسر الزندان ففيهما أربعة أبعرة ، ولم يظهر له مخالف في الصحابة ، فكان كالإجماع . والثانية ، وقدمها في المحرر وجزم بها في الوجيز ، أن الواجب بعير ، نص عليها في رواية صالح ، ورواه عن عمر وعن أحمد ، في الزند الواحد أربعة أبعرة ، لأنهما عظمان ، وفيما سواه بعيران ، وزاد أبو الخطاب فجعل في عظم القدم بعيرين ، قال في المستوعب : والزند هو الذراع ، ويسمى الساعد أيضا ، قال في الرعاية : وهو بعيد ، قال المؤلف : والصحيح أنه لا تقدير في غير الضلع والترقوتين والزندين ، ومقتضى الدليل وجوب الحكومة في هذه الأعضاء الباطنة كلها ، وإنما خالفناه في هذه العظام لقضاء عمر ، ففيما عداها يبقى على مقتضى الدليل ، وذكر ابن عقيل فيها : [ ص: 13 ] وفي ضلع حكومة ، ونقل حنبل فيمن كسرت يده أو رجله : فيها حكومة وإن انجبرت ( وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ) والعانة ( ففيه حكومة ) لأن الجناية على ذلك لا توقيت فيها ، أشبه الجراح التي لا توقيت فيها ، ولا نعلم فيه خلافا وإن خالف فيه أحد فهو قول شاذ لا يصار إليه .

فائدة : خرزة الصلب فقاره ، إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية ، وقال القاضي : فيه حكومة . والعصعص بضم العين عجب الذنب ، وهو العظم الذي في أسفل الصلب ( والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ، ثم يقوم وهي به قد برئت ، فما نقص ) من القيمة ( فله مثله من الدية ) هذا هو قول الجمهور ، لأن جملته مضمونة بالدية ، فأجزاؤه مضمونة منها ، كما أن المبيع لما كان مضمونا على البائع بالثمن ، كان أرش عيبه مقدرا من الثمن ، ولا يقبل الحكومة إلا من عدلين خبيرين بالقيمة ، ولا تقويم إلا بعد البرء ، لأن أرش الجرح المقدر لا يستقر إلا بعد برئه ( فإن كان قيمته وهو صحيح عشرين ، وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ، ففيه نصف عشر ديته ) لأن الناقص بالتقويم درهم من عشرين ، وهو نصف عشرها ، فيكون فيه هنا نصف عشر الدية ضرورة أن الواجب مثل ذلك من الدية ( إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر ، فلا يبلغ بها أرش المقدر ) هذا استثناء مما تقدم ، وحاصله : أن الحكومة إنما تجب فيه على نوعين : أحدهما : أن يكون في شيء مقدر ، وحكمه سبق ، الثاني : أن [ ص: 14 ] يكون في شيء هو بعض المقدر ، فهذا لا بد أن يلحظ فيه عدم مجاوزة أرش المؤقت ، مثل أن يشجه سمحاقا ، وهو دون الموضحة ، فإن بلغ بالتقويم أرشها أكثر من موضحة مثل أن تنقص الجناية أكثر من نصف عشر قيمته ، لم يجب الزائد ، لأنه لو وجب ذلك لكان قد وجب في شيء لا يبلغ موضحة أكثر من أرش الموضحة ، وهو غير جائز ، لأن الموضحة أكثر من ذلك ، والشين بها أعظم ، والمحل واحد ( وإذا كانت في الشجاج التي دون الموضحة ، لم يبلغ بها أرش الموضحة ) وهل يبلغ بها أرش المؤقت ؛ على روايتين : ظاهر المذهب أنه لا يبلغ به أرش المؤقت ، قاله ابن هبيرة ، والنقص على حسب اجتهاد الحاكم ، ولا يزاد بحكومة في مقدر على ديته ، وفي جواز مساواته وجهان ، وعلى المنع ينقص الحاكم ما شاء ، لا يقال : قد وجب في بعض البدن أكثر مما وجب في جميعه ، ووجب في منافع الإنسان أكثر من الواجب فيه لأنه إنما وجب دية النفس دية عن الروح ، وليست الأطراف بعضها بخلاف مسألتنا ، ذكره القاضي ( وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع ) لأنه إذا جرح أصبعا فبلغ أرشه أكثر من عشر الدية لا يجب أكثر من عشرها ( وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها ) أي : إذا كانت الجراح في أنملة فبلغ أرشه أكثر من ثلاثة وثلث من الأول ، لا يجب أكثر من ثلاثة وثلث ، لأنه دية الأنملة ( وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال ، قومت حال جريان الدم ) لأنه لا بد من نقص لأجل الجناية ، فإذا كان التقويم بعد الاندمال يبقى ذلك ، وجب أن يقوم في حال اندمال جريان الدم [ ص: 15 ] ليحصل النقص ( فإن لم تنقص شيئا بحال أو زادته حسنا ، فلا شيء فيها ، والله أعلم ) إذا لم يحصل بالجناية نقص في جمال ولا نفع ، كقطع أصبع زائدة ، أو قلع سن زائدة ، ولحية امرأة ، فاندمل الموضع من غير نقص ، أو زاد جمالا أو قيمة فوجهان ، أصحهما : لا يجب فيه شيء ، لأنه لم يحصل بفعله نقص ، فلم يجب شيء ، كما لو لكمه فلم يؤثر ، والثاني : يجب ضمانه ، لأنه جزء من مضمون ، فوجب ضمانه كغيره ، وقال أبو الخطاب : إذا قطع لحية امرأة ، فإنها تقوم كأنها رجل له لحية ، ثم يقوم رجل قد ذهبت ، فما نقص وجب بقسطه ، وفيه نظر ، لأن لحية الرجل زين له وعيب في المرأة ، وتقدير العيب بالزين لا يصح .

فرع : إذا جنى عليه جناية لها أرش ثم قتله قبل اندمال الجرح دخل أرشه في دية النفس ، كما لو مات من سراية الجرح ، وإن قتله غيره وجب أرش الجرح كما لو اندمل ، وإن لطمه على وجهه فلم يؤثر فيه فلا ضمان ، كما لو شتمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية