صفحة جزء
خطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال ، وعنه : على عاقلته ، وهل يتعاقل أهل الذمة ؛ على روايتين . ولا يعقل ذمي عن حربي ، ولا حربي عن ذمي . ومن لا عاقلة له ، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع ، فالدية ، أو باقيها عليه إن كان ذميا ، وإن كان مسلما أخذ من بيت المال ، فإن لم يمكن فلا شيء على القاتل ، ويحتمل أن تجب في مال القاتل ، وهو أولى ، كما قالوا في المرتد : يجب أرش خطئه في ماله ، ولو رمى وهو مسلم ، فلم يصب السهم حتى ارتد ، كان عليه في ماله ، ولو رمى الكافر سهما ، ثم أسلم ، ثم قتل السهم إنسانا ، فديته في ماله ، ولو جنى ابن المعتقة ، ثم انجر ولاؤه ، ثم سرت جنايته ، فأرش الجناية في ماله ، لتعذر حمل العاقلة ، فكذا هذا .


( وخطأ الإمام والحاكم في أحكامه في بيت المال ) قدمه في الرعاية والفروع ، لأن خطأه يكثر فيجحف بهم ، ولأنه نائب عن الله ، فكان أرش جنايته في مال الله ، وكخطأ وكيل ، وعليها للإمام عزل نفسه ، ذكره القاضي وغيره ( وعنه : على عاقلته ) أي : على عاقلتهما ، قدمه السامري لقول علي لعمر : ديته عليك ، لأنك أفزعتها ، ولأنه جان . فكان خطؤه على العاقلة كغيره ، وكخطئهما في غير حكم ، وكذا الخلاف إن زاد سوطا كخطأ في حد أو تعزير ، أو جهلا حملا ، أو بان من حكم بشهادته غير أهل ( وهل يتعاقل أهل الذمة ؛ على روايتين ) الأصح أنهم يتعاقلون ، لأن قرابتهم تقتضي التوريث فاقتضت التعاقل ، ولأنهم من أهل النصرة كالمسلمين ، والثانية : لا ، لأن حمل العاقلة يثبت على خلاف الأصل لحرمة قرابة المسلمين ، فلا يقاس عليهم غيرهم ، لعدم المساواة في الحرمة ، فإن اختلفت الملة كاليهود والنصارى فوجهان ، وفي الترغيب روايتان بناء على توريثهم وعدمه ( ولا يعقل ذمي عن حربي ولا حربي عن ذمي ) لعدم التوارث ، وكمسلم وكافر ، وقيل : بلى ، إن توارثا ، وقال ابن حمدان : يعقل المعاهد إن بقي عهده إلى أصل الواجب ، وإلا فلا .

تذنيب : المرتد لا يعقل عنه ، لأنه ليس بمسلم فيعقل عنه المسلمون ، ولا ذمي فيعقل عنه أهل الذمة ، فتكون جنايته في ماله ، وفيه وجه ( ومن لا عاقلة له [ ص: 19 ] أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع ، فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا ) جزم به في الوجيز ، لأن بيت المال لا يعقل عنه ، وكمن رمى سهما ثم أسلم أو كفر قبل إصابته في الأصح ، وقدم في المحرر أنه يكون في بيت المال كمسلم ، ولم يرجح في الفروع شيئا ( وإن كان مسلما أخذ من بيت المال ) على الأصح ، لأن المسلمين يرثون من لا وارث له ، فيعقلون عنه عند عدم عاقلته كعصباته ، والثانية : لا يحمل العقل بحال ، رجحها في المغني والشرح ، لأن بيت المال فيه حق للصبيان والنساء والمجانين ومن لا عقل عليه ، فلا يجوز صرفه فيما لا يجب عليهم ، فعلى الأول تكون حالة تؤخذ دفعة واحدة ، لأنه عليه السلام أدى دية الأنصاري دفعة واحدة ، وكذا عمر ، ولأن الدية بدل متلف ، وإنما أجل على العاقلة تخفيفا ، ولا حاجة إلى ذلك في بيت المال ، وقيل : تؤخذ في ثلاث سنين كالعاقلة ( فإن لم يمكن ) أي : إذا تعذر سقطت ، نقله الجماعة ، وهو المراد بقوله ( فلا شيء على القاتل ) لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء ، بدليل أنها لا يطالب بها غيرهم ، ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها ، فلا تجب على غير من وجبت عليه ، كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد ( ويحتمل أن تجب في مال القاتل ) لعموم قوله تعالى : ودية مسلمة إلى أهله [ النساء : 90 ] ولأن مقتضى الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته ، وإنما سقط عنه لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل ، فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ، ولأن الأمر تردد بين إبطال دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف ، ولا يجوز الأول لمخالفة الكتاب والسنة وأصول الشريعة ، فتعين الثاني ، ولأن إهدار الدم [ ص: 20 ] المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قاتل الخطأ له نظائر ( وهو أولى ) من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال ، فإنه لا تكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها ، ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال ، فتضيع الدماء ، والدية تجب على القاتل ثم تتحملها العاقلة ، وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم ( كما قالوا في المرتد يجب أرش خطئه في ماله ) لأنه لا عاقلة له تحملها ( ولو رمى وهو مسلم فلم يصب السهم حتى ارتد كان عليه في ماله ، ولو رمى الكافر سهما ثم أسلم ثم قتل السهم إنسانا ، فديته في ماله ) إذا تغير دين جارح حالتي جرح وزهوق ، فالمذهب تحمله العاقلة حال الجرح ، وقيل : أرش الجرح والزيادة بالسراية في ماله ، وقيل : الكل في ماله ، وهو المرجح هنا ، لأنه قتيل قتل في دار الإسلام معصوم ، فتعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قاتله ( ولو جنى ابن المعتقة ثم انجر ولاؤه ثم سرت جنايته ، فأرش الجناية في ماله ، لتعذر حمل العاقلة ، فكذا هذا ) وصورتها : إذا رمى من عليه ولاء لموالي أمه فانجر ولاؤه إلى موالي أبيه ، وقع سهمه في شخص فالدية في ماله ، ولهذا قال في المحرر والفروع : فهو كتغير دين .

التالي السابق


الخدمات العلمية