صفحة جزء
فصل ولا تحمل العاقلة عمدا ، ولا عبدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا ، ولا ما دون ثلث الدية ، ويكون ذلك في مال الجاني حالا ، إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه ، فإن العاقلة تحملها مع دية أمه ، وإن ماتا منفردين لم تحملها العاقلة ، لنقصها عن الثلث ، وتحمل جناية الخطأ على الحر إذا بلغت الثلث .


فصل

: ( ولا تحمل العاقلة عمدا ) سواء كان مما يجب فيه القصاص أو لا ، لما روى ابن عباس مرفوعا ، قال : لا تحمل العاقلة : عمدا ، ولا عبدا ، ولا صلحا ، ولا اعترافا . وروي عن ابن عباس موقوفا ، ولم يعرف له في الصحابة مخالف ، [ ص: 21 ] فيكون كالإجماع ، وعن عمر ، قال : العمد ، والعبد ، والصلح ، والاعتراف لا تعقله العاقلة . رواه الدارقطني . وحكى أحمد عن ابن عباس نحوه ، قال الزهري : مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا . رواه مالك . ولأن حمل العاقلة إنما ثبت في الخطأ لكون الجاني معذورا ، تخفيفا عنه ومواساة له ، والعامد غير معذور ، ثم يبطل بقتل الأب ابنه ، فإنه لا قصاص فيه ، ولا تحمله العاقلة ، فلو قتله بحديدة مسمومة ، فسرى إلى النفس ، فوجهان : أحدهما : تحمله العاقلة ، لأنه ليس بعمد ، والثاني : لا ، لأنه قتل بما لم يقتل مثلها غالبا ، أشبه من له القصاص ( ولا عبدا ) وهو قول ابن عباس وجماعة من التابعين ، ومعناه : إذا قتل العبد قاتل وجبت قيمته في مال القاتل ، ولا شيء على عاقلته ، خطأ كان أو عمدا ( ولا صلحا ) لأنه لو حملته العاقلة أدى إلى أن يصالح بمال غيره ، ويوجب عليه حقا بقوله ، ومعناه : أن يدعى عليه القتل فينكره ، ويصالح المدعي على مال فلا تحمله العاقلة ، لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره كالذي ثبت باعترافه ، وفسره القاضي وغيره بأن يصالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية ، والأول أولى ، قاله في المغني والشرح ، لأن هذا يستغنى عنه بذكر العمد ، بل معناه صالح عنه صلح إنكار وجزم به في الروضة ( ولا اعترافا ) أي : لم تصدقه به بغير خلاف نعلمه ، لأنه متهم في أن يواطئ من يقر له بذلك ليأخذ الدية من عاقلته فيقاسمه إياها ، ولأنه لا يقبل إقرار شخص على غيره ، وحينئذ يلزمه ما اعترف ، ومعناه بأن يقر على نفسه بجناية خطأ أو شبه عمد فوجب ثلث الدية فأكثر إن لم تصدقه العاقلة ( ولا ما دون ثلث [ ص: 22 ] الدية ) كأرش الموضحة ، نص على ذلك لقضاء عمر أنها لا تحمل شيئا حتى يبلغ عقل المأمومة ، ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني ، لأنه هو المتلف ، فكان عليه كسائر المتلفات ، لكن خولف في الثلث لإجحافه بالجاني لكثرته ، فما عداه يبقى على الأصل ، والثلث حد الكثير للخبر ( ويكون ذلك ) أي : دية العمد وما بعده ( في مال الجاني ) لما ذكرنا أن مقتضى الأصل وجوب الجناية على الجاني ( حالا ) لأنه بدل متلف ، فكان حالا كقيمة المتلف من المتاع ( إلا غرة الجنين إذا مات مع أمه ، فإن العاقلة تحملها مع دية أمه ) نص عليه ، لأن ديتهما وجبت في حال واحدة بجناية واحدة ، مع زيادتها على الثلث ، وظاهره سواء سبقته بالزهوق أو سبقها به ، لأن الجناية واحدة ، وإنما تأخر بعض أثرها عن بعض ، وذلك لا يضر ، وقال أحمد : هذا من قبل أنها نفس واحدة ، وقال : الجناية عليهما واحدة ، فقيل له : النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في كل منهما دية ، فقد فصل بينهما ، فلم يجب بشيء ، وفي عيون المسائل خبر المرأة التي قتلت المرأة وجنينها ، قال : فوجه الدليل أنه قضى بدية الجنين على الجانية حيث لم تبلغ الثلث ، ونقل ابن منصور : إذا شربت دواء عمدا فأسقطت جنينا فالدية على العاقلة ، قال في الفروع : فيتوجه منه احتمال تحمل القليل ، وقد يقال : هذا مختص بالجنين ، لكون ديته دية نفس ، فيكون منزلا منزلة الدية الكاملة ، وإن كان دون الثلث لكونه دية نفس ( وإن ماتا منفردين ) بجنايتين صرح به في الوجيز ( لم تحملها العاقلة ) نص عليه ( لنقصها عن الثلث ) لأن الواجب في ذلك غرة قيمتها خمس من الإبل ، وهي دون ثلث الدية ( وتحمل جناية الخطأ على الحر إذا بلغت [ ص: 23 ] الثلث ) لحديث أبي هريرة ، وفي تقييده بالخطأ والحر وبلوغ الثلث احتراز عن : العمد ، والعبد ، وما دون الثلث .

التالي السابق


الخدمات العلمية