صفحة جزء
باب كفارة القتل ومن قتل نفسا محرمة خطأ أو ما أجري مجراه ، أو شارك فيها ، أو ضرب بطن امرأة ، فألقت جنينا ميتا ، أو حيا ثم مات ، فعليه الكفارة ، مسلما كان المقتول أو كافرا ، حرا أو عبدا ، وسواء كان القاتل : كبيرا عاقلا ، أو صبيا ، أو مجنونا ، حرا أو عبدا . ويكفر العبد بالصيام ، وعنه : على المشتركين كفارة واحدة . فأما القتل المباح كالقصاص ، والحد ، وقتل الباغي ، والصائل ، فلا كفارة فيه .


باب كفارة القتل

الكفارة مأخوذة من الكفر ، وهو : الستر ، لأنها تغطي الذنب وتستره ، والأصل فيها الإجماع ، وسنده قوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] فذكر في الآية ثلاث كفارات ، إحداهن : يقتل المسلم في دار الإسلام خطأ ، الثاني : يقتل في دار الحرب وهو لا يعرف إيمانه ؛ بقوله : فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ، الثالث : يقتل المعاهد ، وهو : الذمي في دار الإسلام ، لقوله عز وجل : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة [ النساء : 92 ] فأوجب الكفارة بالقتل في الجملة ، وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا ، ومن قتل خطأ ومن قتل نفسا محرمة خطأ للآية الكريمة ، سواء قتلها بمباشرة أو بسبب بعد موته نص عليه بغير حق ، ولو مستأمنا ، وظاهره : ولو قتل نفسه ( أو ما أجري مجراه ) لأنه أجري مجراه في [ ص: 28 ] عدم القصاص ، فكذا يجب أن يجري مجراه في الكفارة ( أو شارك فيها ) أي : على كل واحد من المشتركين كفارة ، في قول الأكثر ، لأن الكفارة موجب قتل الآدمي ، فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء كالقصاص ( أو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا ، أو حيا ثم مات فعليه الكفارة ) لأنه قتل نفسا محرمة ، أشبه قتل الآدمي بالمباشرة ، وفي الإرشاد : إن جنى عليها فألقت جنينين فأكثر ، فقيل : كفارة ، وقيل : تتعدد . قال في الفروع : فيخرج مثله في جنين وأمه ، والمذهب : أنه لا بد من إلقاء جنين كامل ، لأنه قتل نفسا بغير حق ، فكان فيه الكفارة كالمولود ، وقيل : تجب ولو بإلقاء مضغة لم تتصور ( مسلما كان المقتول أو كافرا ) لأن الكافر آدمي مقتول ظلما ، فوجبت الكفارة بقتله كالمسلم ( حرا أو عبدا ) في قول أكثرهم ، لعموم قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ ولأنه يجب بقتله القصاص في الجملة ، فوجب بقتله الكفارة كالحر ، ولأنه مؤمن أشبه الحر ( وسواء كان القاتل : كبيرا عاقلا ، أو صبيا ، أو مجنونا ، حرا ، أو عبدا ) مسلما ، أو كافرا ، لأنه حق مالي يتعلق بالقتل ، فتعلقت بهم كالدية ، والصلاة والصوم عبادتان بدنيتان ، وهذه مالية أشبهت نفقة الأقارب وكفارة اليمين تتعلق بالقول ، ولا قول لهما ، وهذه تتعلق بالفعل ، وفعلهما متحقق ، ويتعلق بالفعل ما لا يتعلق بالقول ، بدليل إحبالهما ، وأما الكافر فتكون عقوبة له كالحدود ، وعنه : لا تجب عليه ، نقلها بكر بن محمد ، وزاد أبو حنيفة عليه الصبي والمجنون ، لأنها عبادة محضة تجب بالشرع ، فلم تجب عليهم كالصوم وكفارة [ ص: 29 ] اليمين ، وجوابه ما سبق ( ويكفر العبد بالصيام ) لأنه لا مال له ( وعنه : على المشتركين كفارة واحدة ) لعموم قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ الآية ، و " من " تتناول الواحد والجماعة ، ولأن الدية لا تتعدد ، فكذا الكفارة ، ولأنها كفارة قتل فلم تتعدد بتعدد القاتلين مع اتحاد المقتول ككفارة الصيد الحرمي ( فأما القتل المباح كالقصاص ، والحد ، وقتل الباغي ، والصائل ، فلا كفارة فيه ) لأنه قتل مأمور به ، والكفارة لا تجب لمحو المأمور به ، والخطأ لا يوصف بتحريم ولا إباحة ، لأنه كقتل المجنون ، لكن النفس الذاهبة به معصومة محرمة ، فلذلك وجبت الكفارة فيها ، وقال قوم : الخطأ محرم ولا إثم فيه ، وقيل : ليس بمحرم ، لأن المحرم ما أثم فاعله ، والاستثناء في الآية منقطع ، " وإلا " في موضع " لكن " ، وقيل : في موضع لا ، أي : ولا خطأ ، وهو بعيد لأن الخطأ لا يتوجه إليه النهي لعدم إمكان التحرز منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية