صفحة جزء
فصل ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين ، فيحلفون خمسين يمينا ، ويختص ذلك بالوارث ، فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم ، فإن كان الوارث واحدا حلفها ، وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم ، فإن كان فيها كسر جبر عليهم ، مثل زوج وابن ، يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا ، والابن ثمانية وثلاثين ، ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا ، وعنه : يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث ، خمسون رجلا ، كل واحد يمينا ، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا ، وبرئ وإن لم يحلف المدعون ، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه ، فداه الإمام من بيت المال ، وإن طلبوا أيمانهم فنكلوا لم يحبسوا ، وهل تلزمهم الدية ، أو تكون في بيت المال ؛ على روايتين .


فصل

( ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين ) أي : ذكور العصبة العدول أولا ، نص عليه لقوله عليه السلام : فيحلف خمسون منكم ( فيحلفون خمسين يمينا ) [ ص: 39 ] أيمان القسامة خمسون بالإجماع على المدعى عليه أنه قتله ، فإذا حلف ثبت الحق في قبله لحديث سهل ، ولما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا ، قال : البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر إلا في القسامة . رواه الدارقطني . من رواية مسلم بن خالد الزنجي ، وذكر أنه روي مرسلا ، وروي أيضا بإسناد فيه ضعف عن أبي هريرة مرفوعا كذلك ، وهذه الزيادة يتعين العمل بها ، لأن الزيادة من الثقة مقبولة ، ولأنها أيمان مكررة ، فيبدأ فيها بأيمان المدعين كاللعان ، وظاهره : أنه لا يشترط اتفاق المجلس من جميعهم ، وفيه قول حكاه في الرعاية ( ويختص ذلك بالوارث ) في ظاهر المذهب ، لأنها أيمان في دعوى ، فلم تشرع في حق غير الوارث كسائر الأيمان ( فتقسم الأيمان بين الرجال على قدر ميراثهم ) أي : تقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة ( فإن كان الوارث واحدا حلفها ) لأنه قائم مقام الجماعة في استحقاق الدية ، فكذا في الأيمان ، ونقل الميموني : لا أجترئ عليه ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يحلف منكم خمسون فمن احتج للأول يحتج بحديث معاوية ، فرددها على الثلاثة الذين ادعي عليهم ، فحلفوا خمسين يمينا ، وفي مختصر ابن رزين : يحلف ولي يمينا ( وإن كانوا جماعة قسمت عليهم على قدر ميراثهم ) لأن موجبها الدية ، وهي تقسم كذلك ، فكذا يجب أن تقسم هي ، فإن كانوا أكثر من خمسين حلف خمسون ، كل واحد يمينا ( فإن كان فيها كسر جبر عليهم ، مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا ، والابن ثمانية وثلاثين ) لأن تكميل الخمسين واجب ولا يمكن تبعيضها ، والخبر في كل واحد لعدم المزية ، فالزوج له الربع اثنا عشر ونصفا [ ص: 40 ] فيكمل ، والابن له الباقي ، وهو سبع وثلاثون ونصفا فيكمل ، فيصير كما ذكره فيهما ، فإن كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا ، والابن أربعا وثلاثين ( ولو خلف ثلاثة بنين حلف كل واحد سبع عشرة يمينا ) لأن لكل ابن ثلث الأيمان : ست عشرة يمينا وثلثين ، ثم تكمل ( وعنه : يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث ، خمسون رجلا ، كل واحد يمينا ) لقوله عليه السلام : يحلف خمسون منكم مع علمه أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا ، لأنه لا يرثه إلا أخوه أو من هو في درجته ، أو أقرب منه نسبا ، ولأنه خاطب ابني عمه وهما غير وارثين ، لكن يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه ، فإن لم يبلغوا يؤخذ الأقرب فالأقرب من قبيلته التي ينسب إليها ، ويعرف لنفسه نسبه من المقتول ، فأما من عرف أنه من القبيلة ولم يعرف وجه النسب لم يقسم ، ذكره جماعة ، وسأله الميموني : إن لم يكن له أولياء ؛ قال : فقبيلته التي هو فيها وأقربهم منه .

فرع : إذا مات المستحق فوارثه كهو ، ويستأنف وارثه الأيمان سواء حلف قبل موته شيئا أو لا ، لأنه لا يجوز أن يأخذ شيئا بيمين غيره ، ولو حلف المستحق بعض الأيمان ، ثم جن ، ثم أفاق ، أو عزل الحاكم ، فإنه يبني ( فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه خمسين يمينا ، وبرئ ) في ظاهر المذهب ، وهو قول الأكثر ، لقوله عليه السلام : فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم أي : يبرءون منكم ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغرم اليهود ، وأنه أداها من عنده ، ولأنها أيمان مشروعة في حق المدعى عليه ، فتبرأ بها كسائر الأيمان ، وعنه أنهم يحلفون [ ص: 41 ] ويغرمون الدية لقضاء عمر بالدية مع اليمين ، والأول أولى ، لأن عمر إنما قضى على أهل المحلة ، وليس ذلك مذهبا لأحمد ، ويعتبر حضور المدعى عليه وقت يمينه كالبينة وحضور المدعي ، ذكره المؤلف ( وإن لم يحلف المدعون ، ولم يرضوا بيمين المدعى عليه ، فداه الإمام من بيت المال ) أي : أدى ديته من بيت المال لقضية عبد الله بن سهل ، ولم يجب على المدعى عليهم شيء ( وإن طلبوا أيمانهم ) أي : أيمان المدعى عليهم ( فنكلوا لم يحبسوا ) في الأشهر ، لأنها يمين مشروعة في حق المدعى عليه فلم يحبس عليه كسائر الأيمان ، وعنه : يحبس حتى يقرأ أو يحلف ، لأنها دعوى فيحبس فيها بالنكول كالمال ، وعلى الأولى : لا يجب قود بنكول ، لأنه حجة ضعيفة كشاهد ويمين ، ذكره في المغني ( وهل تلزمهم الدية ، أو تكون في بيت المال ؛ على روايتين ) أظهرهما : تلزمه الدية ، اختارها أبو بكر وقدمها في الرعاية ، وهو الصحيح ، لأنه حكم ثبت بالنكول ، فيثبت في حقهم كسائر الدعاوى ، ولو لم يجب على المدعي عليه مال بنكوله ، ولم يجبر على اليمين لخلا من وجوب شيء عليه بالكلية . والثانية : في بيت المال ، لأنهم امتنعوا عن اليمين أشبه امتناع المدعيين ، إذا لم يرضوا بيمين المدعي عليه .

فائدة : يقول تالله ، وبالله ، ووالله بالجر ، فإن قاله مضموما أو منصوبا فقد لحن ، قال القاضي : ويجزئه إن تعمد ، أو لم يتعمد ، لأنه لحن لا يحيل المعنى ، ويستحب أن يستظهر في ألفاظ اليمين في القسامة تأكيدا .

فرع : سأله ابن منصور عن قتيل بين قريتين ، قال : هذا قسامة قال المروذي : احتج أحمد بأن عمر جعل الدية على أهل القرية ، ونقل حنبل : أذهب [ ص: 42 ] إلى حديث عمر : " قيسوا ما بين الحيين فإلى أيهما كان أقرب فخذهم به ، وعن أبي سعيد الخدري ، قال : " وجد قتيل بين قريتين ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فذرع ما بينهما ، فوجد إلى أحدهما أقرب ، فكأني أنظر إلى شبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فألقاه على أقربهما " رواه أحمد في مسنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية