صفحة جزء
ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه إلا السيد ، فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن ، وهل له القتل في الردة ، والقطع في السرقة ؛ على روايتين . ولا يملك إقامته على مكاتبه ، ولا من بعضه حر ، ولا أمته المزوجة ، وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ، ويحتمل ألا يملكه ، ولا يملكه المكاتب ، ويحتمل أن يملكه ، وسواء ثبت ببينة أو إقرار ، وإن ثبت بعلمه ، فله إقامته ، نص عليه ، ويحتمل ألا يملكه كالإمام ، ولا يقيم الإمام الحد بعلمه .


( ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه ) لأنه حق لله تعالى ، ويفتقر إلى اجتهاد ، ولا يؤمن معه الحيف فوجب تفويضه إلى نائب الله في [ ص: 44 ] خلقه ، ولأنه عليه السلام كان يقيم الحدود في حياته ، وخلفاؤه من بعده ، واختار الشيخ تقي الدين : إلا لقرينة كتطلب الإمام له ليقتله ، وعلى الأول : لو أقامه غيره لم يضمنه نص عليه ، لكنه تعدى على الإمام ، وذلك لا يوجب ضمانا كالمرتد ، ولا يلزم الإمام حضور إقامته ، لقوله : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، ولغيره .

فرع : من أقام على نفسه ما لزمه من حد زنا أو قذف بإذن إمام أو نائبه لم يسقط عنه ، قاله ابن حمدان ( إلا السيد ) الحر المكلف العالم ( فإن له إقامة الحد بالجلد خاصة على رقيقه القن ) أي : الكامل رقه في قول عامتهم ، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها متفق عليه . وعن علي مرفوعا : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم رواه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني . ولأن للسيد تأديب أمته بتزويجها ، فملك إقامة الحد عليها كالسلطان ، وبهذا فارق الصبي ، وعنه : ليس له ذلك ، لأنه يفتقر إلى اجتهاد فلم يملكه ، كالقطع وحد الحر ، وعلى الأول : له سماع بينة والعمل بها إن عرف شروطها ، وإلا سمعها الحاكم أو سيده بإذنه ، وقيل : لا يسمعه غير حاكم ، قدمه في الكافي والشرح ( وهل له القتل في الردة ، والقطع في السرقة ؛ على روايتين ) إحداهما : لا يملكه ، قدمه في الكافي ، ونصره في الشرح ، وذكر أنه قول أكثر أهل العلم ، لأنه عليه السلام إنما أمر بالجلد فلا يثبت في غيره ، ولأن في الجلد سترا على رقيقه ، لئلا يفتضح بإقامة الإمام له فتنقص قيمته ، وذلك منتف فيهما ، والثانية : له ذلك لأن عمر قطع [ ص: 45 ] عبدا له سرق ، وحفصة قتلت أمة لها سحرتها ( ولا يملك إقامته على مكاتبه ) قطع به في : المغني ، والوجيز ، والآدمي ، وابن عبدوس ، وغيرهم ، لأنه معه كالأجنبي ، وفيه وجه وذكره بعضهم المذهب ، لأنه عبد ( ولا من بعضه حر ) لأنه ليس له ولاية على كله ، والحد تصرف في الكل ( ولا أمته المزوجة ) نص عليه لقول ابن عمر ، ولا مخالف له في الصحابة ، لأنه لم يكمل ، أشبه من بعضه حر ، وفيها وجه صححه الحلواني ، ونقل مهنا : إن كانت ثيبا ، ونقل ابن منصور : إن كانت محصنة فالسلطان ، وإنه لا يبيعها حتى تحد ، ويخرج في مرهونة ومستأجرة وجهان ، وجعل في الانتصار وغيره مرهونة ومكاتبة أصلا كمزوجة ( وإن كان السيد فاسقا أو امرأة فله إقامته في ظاهر كلامه ) لأنها ولاية ثبتت بالملك أشبهت ولاية التأديب ، والمرأة تامة الملك من أهل التصرفات ، أشبهت الرجل ، ولأن فاطمة جلدت أمة لها ، وعائشة قطعت أمة لها سرقت ( ويحتمل ألا يملكه ) لأنها ولاية ، وليسا من أهلها ، فعلى هذا يختص بالذكر العدل ، وقيل : يقيمه ولي امرأة ، وهل للوصي حد رقيق موليه ؛ فيه وجهان ( ولا يملكه المكاتب ) صححه في المستوعب وغيره ، لأنه ليس من أهل الولاية ، وملكه على عبده ناقص ، بدليل أنه لا تجب عليه الزكاة ( ويحتمل أن يملكه ) لأنه يستفاد بالملك أشبه تصرفاته ( وسواء ثبت ببينة أو إقرار ) إن كان يعلم شروطه ، لأن كل واحد منهما حجة في ثبوته ، فوجب ألا يختلف حال السيد فيه ، فعلى هذا للسيد أن يسمع إقراره ويقيم الحد عليه ، ويقدم سماع البينة ( وإن ثبت بعلمه فله [ ص: 46 ] إقامته ، نص عليه ) لأنه قد ثبت عنده ، فملك إقامته كما لو أقر به ، ولأنه يملك تأديبه بعلمه ، فكذا هنا ( ويحتمل ألا يملكه كالإمام ) هذا رواية ، واختارها القاضي ، لأن ولاية الإمام للحد أقوى من ولاية السيد ، لكونها متفقا عليها ، فإذا لم يثبت الحد بالعلم ، فهاهنا ، أولى ولأن الحاكم متهم ( ولا يقيم الإمام الحد بعلمه ) لقوله تعالى : فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ثم قال : فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون [ النور : 13 ] ولأنه متهم في حكمه بعلمه ، وذلك شبهة يدرأ بها الحد .

مسألة : نقل الميموني وجوب بيع رقيق زنى في رابعة ، قال الشيخ تقي الدين : إن عصى الرقيق علانية أقام السيد عليه الحد ، وإن عصى سرا فينبغي ألا تجب عليه إقامته ، بل يتخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك ، كما تخير الشهود على إقامة الحد عند الإمام وبين الستر على المشهود عليه واستتابته بحسب المصلحة ، فإن ترجح عنده أنه يتوب ستروه ، وإن كان في ترك إقامة الحد عليه ضرر للناس ، كان الراجح رفعه إلى الإمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية