صفحة جزء
ويضرب الرجل في الحد قائما بسوط لا جديد ولا خلق ، ولا يمد ولا يربط ولا يجرد ، بل يكون عليه القميص والقميصان ، ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد ، ويفرق الضرب على أعضائه إلا الرأس والوجه والفرج وموضع المقتل ، والمرأة كذلك ، إلا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها ، وتمسك يداها لئلا تنكشف .


( ويضرب الرجل في الحد قائما ) في الأشهر ، وقاله علي ، ونصره المؤلف ، لأن قيامه وسيلة [ ص: 47 ] إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب ، ونقل حنبل قاعدا : لأنه أستر له ( بسوط ) قال في شرح المذهب للحنفية : السوط فوق القضيب ودون العصا ، وفي المختار لهم : بسوط لا ثمرة له ، فتعين أن يكون من غير الجلد ( لا جديد ولا خلق ) نص عليه بفتح اللام ، وهو البالي ، لخبر رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا ، وروي عن أبي هريرة مسندا ، وروي عن علي ، ولأن الغرض الإيلام دون الجرح ، إذ الجديد يجرح ، والبالي لا يؤلم ، فلو كان السوط مغصوبا أجزأ ، على خلاف مقتضى النهي ، للإجماع ، ذكره في التمهيد ( ولا يمد ) نص عليه ، لأنه محدث ( ولا يربط ولا يجرد ) لأنه لم ينقل ، قال ابن مسعود : ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد ( بل يكون عليه القميص والقميصان ) صيانة له عن التجريد ، مع أن ذلك لا يرد ألم الضرب ، ولا يضر بقاؤهما عليه ، نقل أبو الحارث والفضل : عليه ثيابه ، وعنه : يجوز تجريده ، لأنه أبلغ فلو كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت ، لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب ( ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد ) لأن الغرض تأديبه وزجره عن المعصية لا قتله ، والمبالغة تؤدي إلى ذلك ( ويفرق الضرب على أعضائه ) لأن توالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى القتل ، وأوجبه القاضي ، ولا يبدي إبطه في رفع يده ، نص عليه ( إلا الرأس والوجه ) لقول علي للجلاد : اضرب ، وأوجع ، واتق الرأس والوجه ، ولأنهما أجمل ما في الإنسان ، وفي إصابة الضرب لهما خطر ، لأنه ربما عمي ، أو ذهب عقله ، أو قتله ( والفرج وموضع المقتل ) لأن ضرب ذلك يؤدي إلى القتل ، وهو غير مأمور به ، بل مأمور بعدمه ، ويكثر منه في مواضع اللحم [ ص: 48 ] كالإليتين والفخذين ، ولا تعتبر الموالاة في الحد ، ذكره القاضي وغيره في موالاة العضو لزيادة العقوبة ولسقوطه بالشبهة ، قال الشيخ تقي الدين : فيه نظر ، ولم يعتبروا نية من يقيمه أنه حد ، مع أن ظاهر كلامهم يقيمه الإمام أو نائبه ، بدليل أن الإمام لو أمر عبدا عجميا يضرب لا علم له بالنية أجزأت نيته ، والعبد كالآلة ، ويحتمل أن تعتبر نيتهما ، كما نقول في غسل الميت تعتبر نية غاسله ، واحتج في منتهى الغاية في اعتبار نية الزكاة بأن الصرف إلى الفقير له جهات ، فلا بد من نية التمييز كالجلد في الحدود ( والمرأة كذلك ) أي : المرأة كالرجل فيما ذكرنا ، عملا بالأصل السالم عن المعارض ( إلا أنها تضرب جالسة وتشد عليها ثيابها ) نص عليهما ( وتمسك يداها لئلا تنكشف ) لقول علي : تضرب المرأة جالسة ، والرجل قائما ولأن المرأة عورة ، وهذا أستر لها ، وهو مطلوب في نظر الشرع ، بدليل أنه يشرع لها في الصلاة أن تجمع نفسها في الركوع والسجود

التالي السابق


الخدمات العلمية