صفحة جزء
قال أصحابنا : ولا يؤخر الحد للمرض ، فإن كان جلدا وخشي من السوط ، أقيم بأطراف الثياب والعثكول ، ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله ، وإذا مات المحدود في الجلد فالحق قتله ، وإن زاد سوطا أو أكثر فتلف ، ضمنه ، وهل يضمن جميعه ، أو نصف الدية ؛ على وجهين . وإذا كان الحد رجما لم يحفر له ، رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين وفي الآخر : إن ثبت على المرأة بإقرارها ، لم يحفر لها ، وإن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر ، ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم ، وإن ثبت بإقرار ، استحب أن يبدأ الإمام به .


( قال أصحابنا : ولا يؤخر الحد للمرض ) وقاله في الوجيز وزاد : والضعف ، لأنه لا فائدة فيه إذا كان قتله متحتما ، وكذا إن كان جلدا عند أكثر الأصحاب ، وقاله إسحاق وأبو ثور ، لأن عمر أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يؤخره ، وانتشر ذلك في الصحابة ولم ينكر ، فكان كالإجماع ، ولأن الحد واجب على الفور ، ولا يؤخر ما أوجبه الله بغير حجة ، وقال القاضي : ظاهر قول الخرقي له تأخيره ، وهو قول الأكثر ، لحديث علي في التي هي حديثة عهد بنفاس ، ولأن في تأخيره إقامة الحد على الكمال من غير إتلاف ، فكان أولى ، ومرض قدامة يحتمل أنه كان خفيفا لا يمنع من إقامة الحد على الكمال ، ثم إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على فعل عمر مع أنه اختيار علي وفعله ، وكذا الحكم في تأخيره لحر أو برد [ ص: 50 ] مفرط ( فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط ) لم يتعين على الأصح ( أقيم بأطراف الثياب والعثكول ) لما روى أبو أمامة بن سهل ، عن سعد بن عبادة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يأخذوا شمراخا فيضربوه بها ضربة رواه أحمد وابن ماجه ورواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن أبي أمامة عن بعض الصحابة من الأنصار ، ورواه سعيد ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، ويحيى بن سعيد سمعا أبا أمامة مرسلا ، قال ابن المنذر : في إسناده مقال ، ولأنه لا يجوز تركه بالكلية ، لأنه يخالف الكتاب والسنة ، ولا جلده تاما لأنه يفضي إلى إتلافه ، فتعين ما ذكرنا ( ويحتمل أن يؤخر في المرض المرجو زواله ) لأن في تأخيره استيفاء الحد على وجه الكمال من غير خوف فواته ، وبه فارق المريض الذي لا يرجى زواله ، لأنه يخاف فوات الحد .

فرع : ذكر الخرقي أن العبد يضرب بدون سوط الحر ، لأن حده أقل عددا فيكون أخف سوطا ، والظاهر التسوية بينهما فيه ، لقوله تعالى : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] ولا يتحقق التنصيف إذا نصفنا العدد إلا مع تساوي الشريطين ( وإذا مات المحدود في الجلد ) ولو حد خمر ، نص عليه ، أو تأديب أو تعزير ، ولم يلزم تأخيره ( فالحق قتله ) ولا ضمان على أحد ، جلدا كان أو غيره ، لأنه حد وجب لله تعالى ، فلم يجب فيه شيء كالقطع في السرقة ، وهذا إذا أتى به على الوجه المشروع من غير زيادة ، لأنه نائب عن الله تعالى ، فكان التلف منسوبا إليه ، وقيل : يضمن المؤدب ( وإن زاد سوطا ) أو في السوط ( أو أكثر فتلف ضمنه ) بغير خلاف نعلمه ، لأنه تلف بعدوانه ، أشبه [ ص: 51 ] ما لو ضربه في غير الحد ( وهل يضمن جميعه ، أو نصف الدية ؛ على وجهين ) أحدهما : وهو رواية ، أنه تجب الدية كلها ، ذكر القاضي في الخلاف أنه أشبه بالمذهب ، وقدمه في الرعاية والفروع ، وجزم به في الوجيز ، لأنه قتل حصل من جهة الله تعالى وعدوان الضارب ، فكان الضمان على العادي كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله ، وكما لو ضربه بسوط لا يحتمله ، والثاني : نصف الدية ، وقاله الأكثر ، لأنه تلف بفعل مضمون وغيره ، فوجب نصفها ، كما لو جرح نفسه ، أو جرحه غيره ، فمات وسواء زاد خطأ أو عمدا ، لأنه يضمن كالعمد ، وكذا إن قال له الإمام : اضرب ما شئت ، وقيل : ديته على الأسواط إن زاد على الأربعين ، وفي واضح ابن عقيل : إن وضع في سفينة كذا ، فلم تغرق ، ثم وضع قفيزا فغرقت ، فغرقها بهما في أقوى الوجهين . والثاني : بالقفيز ، وكذا الشبع والري ، والسير بالدابة فراسخ ، والسكر بالقدح أو الأقداح ، كما ينشأ الغضب بكلمة بعد أخرى ويمتلئ الإناء بقطرة بعد قطرة ، ويحصل العلم بواحد بعد واحد .

فرع : إذا أمر بزيادة فزاد جهلا ، ضمنه الآمر ، وإلا فوجهان ، وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد ، وتعمد الإمام الزيادة شبه عمد تحمله العاقلة ، وقيل : كخطأ ، فيه الروايتان ( وإذا كان الحد رجما لم يحفر له ، رجلا كان أو امرأة في أحد الوجهين ) نص عليه ، لأنه عليه السلام لم يحفر لماعز ، قال أبو سعيد : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع ، فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ، ولكن قام لنا . رواه أحمد [ ص: 52 ] ومسلم . والمرأة كذلك . نصره في المغني ، وقدمه في الرعاية ، وجزم به في الوجيز ، لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر ( وفي الآخر : إن ثبت على المرأة بإقرارها ، لم يحفر لها ، وإن ثبت ببينة حفر لها ) إلى الصدر اختاره في الهداية والفصول والتبصرة ، وصححه أبو الخطاب ، لما روى أبو بكر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الصدر . رواه أبو داود . ولأن الحفر أستر لها ، ولا حاجة إلى تمكينها من الهرب ، بخلاف من أقرت ، لأن رجوعها عن الإقرار مقبول ، والحفر يمنعها من الهرب الذي هو في معنى الرجوع قولا ، وأطلق في عيون المسائل وابن رزين : يحفر لها فهو ستر ، بخلاف الرجل ، وإذا ثبت ذلك شد عليها ثيابها لئلا تنكشف ، لأمره عليه السلام بذلك ، رواه أبو داود من حديث عمران بن حصين ( ويستحب أن يبدأ الشهود بالرجم ) أي : إذا ثبت بها ، ويجب حضور الإمام أو نائبه ، وقال أبو بكر عن قول ماعز : ردوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن قومي غروني ، يدل على أنه عليه السلام لم يحضر رجمه ، فبهذا أقول ، وحضور طائفة ولو واحدا ذكره أصحابنا ، وهو قول ابن عباس ، رواه ابن أبي طلحة ، وهو منقطع ، واختار في البلغة اثنان ، لأن الطائفة الجماعة ، وأقلها اثنان ، نقل أبو داود يجيء الناس صفوفا لا يختلطون ، ثم يمضون صفا صفا ، وذكر أبو المعالي أن الطائفة تطلق على الأربعة لقوله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة لأنه أول شهود الزنا ( وإن ثبت بإقرار استحب أن يبدأ الإمام به ) أو من يقيمه

التالي السابق


الخدمات العلمية