صفحة جزء
وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، سواء كان فيها قتل أو لم يكن ، ويبدأ بغير القتل ، وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى بدئ بها . فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا ، قطعت يده أولا ، ثم حد للقذف ثم للشرب ثم للزنا ، ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله .


( وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، سواء كان فيها قتل أو لم يكن ) لأنها حقوق آدميين ، أمكن استيفاؤها ، فوجب كسائر حقوقهم ، لا يقال : يكتفى بالقتل في حقوق الله تعالى ، لأنها مبنية على السهولة ، بخلاف حق الآدمي ، فإنه مبني على الشح والضيق ( ويبدأ بغير القتل ) لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق ( وإن اجتمعت مع حدود الله تعالى ، بدئ بها ) أي : إذا اجتمعت حقوق الله وحقوق الآدميين ، فهي أنواع : أحدها : ألا يكون فيها قتل ، فهذه تستوفى كلها في قول الأكثر ، فيبدأ بحد القذف ، إلا إذا قلنا : حد الشرب أربعون ، فإنه يبدأ به لخفته ، ثم حد القذف ، وأيهما قدم فالآخر يليه ، ثم الزنا ، ثم القطع ، وقال أبو الخطاب : يبدأ بالقطع قصاصا ، ثم بالقذف ، ثم للشرب ، ثم للزنا .

الثاني : إذا كان فيها قتل فإنها تدخل حقوق الله تعالى في القتل ، سواء كان من حدود الله ، كالرجم في الزنا ، أو لحق الآدمي ، كالقصاص ، وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ، وإن كان القتل حقا لله تعالى استوفيت الحقوق كلها متوالية ، لأنه لا بد من فوات نفسه ، فلا فائدة في التأخير ، وإن كان القتل حقا لآدمي انتظرنا لاستيفاء الثاني برأه من الأول ، لأن الموالاة بينهما يحتمل أن [ ص: 56 ] تفوت نفسه قبل القصاص ، فيفوت حق الآدمي ، ولأن العفو جائز ، فيحتمل بتأخيره أن يعفو الولي فيحيى .

الثالث : أن يتفق الحقان في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا ، قدم القصاص على الرجم في الزنا ، ويبدأ بالأسبق من القتل في المحاربة والقصاص ، لأن كلا منهما حق آدمي ، وإن سبق القصاص قتل قصاصا ولم يصلب ، كما لو مات ويجب لولي المقتول في المحاربة ديته ، وإن مات القاتل في المحاربة وجبت الدية في تركته ، وقدم القصاص على الحد المتمحض في القطع ، ولو تأخر سببه ، فإن عفا ولي الجناية استوفى الحد ، والقطع في المحاربة حد محض ، وليس بقصاص ، والقتل يتضمن القصاص ، ولهذا لو فات القتل في المحاربة وجبت الدية ، ولو فات القطع لم يجب له ( بدل فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا ، قطعت يده أولا ) لأنه متمحض حق آدمي ، بدليل سقوطه بإسقاطه ( ثم حد للقذف ) لأنه مختلف في كونه لآدمي ( ثم للشرب ) لأنه أخف ( ثم للزنا ) لأنه أشد الحدود ، وفي المحرر والوجيز : إذا اجتمع عليه قتلان بردة وقود ، وقطعان بسرقة وقود ، قطع وقتل لهما ، وقيل : للقود خاصة ، وفي الشرح : إذا سرق وقتل في المحاربة ، ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده ( ولا يستوفى حد حتى يبرأ من الذي قبله ) لئلا يؤدي إلى تلفه بتوالي الحدود عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية