صفحة جزء
[ ص: 60 ] باب حد الزنا إذا زنى الحر المحصن فحده الرجم حتى يموت ، وهل يجلد قبل الرجم ؛ على روايتين . والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح ، وهما بالغان عاقلان حران ، فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما ، فلا إحصان لواحد منهما ، ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين ، ولا في نكاح فاسد ، ويثبت الإحصان للذميين ، وهل تحصن الذمية مسلما ؛ على روايتين . ولو كان لرجل ولد من امرأته ، فقال : ما وطئتها ، لم يثبت إحصانه .


باب حد الزنا

وهو : فعل الفاحشة في قبل أو دبر ، وهو من أكبر الكبائر ، لقوله تعالى : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ الإسراء : 32 ] والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية [ الفرقان : 68 ] . ولما روى ابن مسعود ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؛ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قال : ثم أي ؛ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قال : ثم أي ؛ قال : أن تزاني حليلة جارك . متفق عليه ، وكان حده في ابتداء الإسلام الحبس في البيت والأذى بالكلام ، لقوله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية [ النساء : 15 ] . والمراد الثيب ، لأن قوله : من نسائكم إضافة زوجية لقوله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم [ البقرة : 226 ] ولا فائدة في الإضافة هنا إلا اعتبار الثيوبة ، وقد ذكر عقوبتين ، إحداهما أغلظ من الأخرى ، فأثبت الأغلظ للثيب والأخرى للبكر ، ثم نسخ بما رواه مسلم من حديث عبادة مرفوعا : خذوا عني ، خذوا عني : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ونسخ القرآن بالسنة جائز ، ومن منع قال : ليس هذا نسخا ، إنما هو تفسير وتبيين له ، ويمكن أن يقال : نسخه حصل بالقرآن ، فإن الجلد في كتاب الله ، والرجم كان فيه ، فنسخ رسمه وبقي حكمه ، قاله في المغني والشرح ( إذا زنى الحر المحصن ) وإنه لا يجب الرجم [ ص: 61 ] إلا عليه باتفاق ( فحده الرجم حتى يموت ) وهو قول عامتهم ، وحكاه ابن حزم إجماعا ، وقد ثبت أنه عليه السلام رجم بقوله وفعله في أخبار تشبه التواتر ، وقد أنزله الله تعالى في كتابه ثم نسخ رسمه وبقي حكمه ، لقول عمر : كان فيما أنزل الله آية الرجم . الخبر متفق عليه . فإن قيل : لو كانت في المصحف لاجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها ، قال ابن الجوزي : أجاب ابن عقيل ، فقال : إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استقصاء لطلب طريق مقطوع به ، كما سارع الخليل عليه السلام إلى ذبح ولده بمنام ، وهو أدنى طرق الوحي وأقلها . قوله : " فحده الرجم حتى يموت " أي : يرجم بالحجارة وغيرها ، قال في البلغة : ولتكن الحجارة متوسطة ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرجم حتى يموت ( وهل يجلد قبل الرجم ؛ على روايتين ) .

إحداهما : يجلد ثم يرجم ، قال ابن هبيرة : هي أظهر وأثبت ، اختارها الخرقي والقاضي وجماعة ، قال أبو يعلى الصغير : اختارها شيوخ المذهب ، وجزم بها في الوجيز ، وهي قول ابن عباس وأبي بن كعب ، لقوله تعالى : الزانية والزاني الآية [ النور : 2 ] . ولهذا قال علي : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري . ولحديث عبادة ، وهذا صريح ، فلا يترك إلا بمثله ، وله أن يوالي بين الجلد والرجم .

والثانية : ترجم فقط ، قدمه في المحرر والرعاية ، ونقله الأكثر ، واختاره الأثرم والجوزجاني وابن حامد وأبو الخطاب ، وهو وفاق ، وروي عن عمر وعثمان ، لأنه عليه السلام رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما ، [ ص: 62 ] وقال : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ولم يأمره بجلدها ، وكان هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الأثرم : وسمعت أبا عبد الله ، يقول في حديث عبادة : إنه أول حد نزل ، وإن حديث ماعز بعده ، وليس فيه الجلد ، ولأنه حد فيه قتل فلم يجتمع معه كالردة ( والمحصن من وطئ امرأته في قبلها في نكاح صحيح ، وهما بالغان عاقلان حران ) أقول : يشترط للإحصان شروط .

أحدها : الوطء في القبل ، ولا بد من تغييب الحشفة في الفرج ، فلو وجد النكاح من غير وطء ، أو وطئ دون الفرج ، أو في الدبر ، لم يحصل ذلك ، لأنها لا تصير ثيبا ، ولا تخرج عن حد الأبكار .

الثاني : أن تكون في نكاح ، لأن النكاح يسمى إحصانا ، لقوله تعالى : والمحصنات من النساء [ النساء : 24 ] يعني المزوجات ، ولا خلاف أن وطء الزنا والشبهة لا يصير به الواطئ محصنا ، وأن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما ، لأنه ليس بنكاح ، ولا تثبت له أحكامه .

الثالث : أن يكون صحيحا ، وهو قول أكثرهم .

الرابع : البلوغ والعقل في قول الجماهير ، فلو وطئ وهو صبي أو مجنون ثم بلغ أو عقل لم يكن محصنا ، لقوله عليه السلام : الثيب بالثيب جلد مائة فاعتبر الثيوبة خاصة ، ولو كانت تحصل قبله لكان عليه الرجم قبل بلوغه وعقله ، وهو خلاف الإجماع .

الخامس : الحرية في قول الجميع ، إلا أبا ثور ، لقوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [ النساء : 25 ] والرجم لا يتنصف ، وإيجابه كله يخالف النص مع مخالفة الإجماع ، وعلى كل حال فلا بد أن يوجد الكمال فيهما جميعا حال الوطء ، فيطأ الرجل البالغ العاقل الحر امرأة عاقلة حرة ، وهو قول عطاء [ ص: 63 ] والحسن وابن سيرين ، وذكر القاضي أن أحمد نص أنه لا يحصل إحصان بوطئه في حيض وصوم وإحرام ونحوه ، وفي الإرشاد : وهو وجه ، وفي المحرر : يحصن مراهق بالغة ومراهقة بالغا ، وذكره الشيخ تقي الدين رواية ، وفي الترغيب : إن كان أحدهما صبيا أو مجنونا أو رقيقا فلا إحصان لواحد منهما على الأصح ، ونقله الجماعة ، وجوابه : أنه وطء لم يحصن أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر ، كالتسري ( فإن اختل شرط من ذلك في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما ) لأن ما كان معلقا على شروط لا يوجد بدونها ( ولا يثبت الإحصان بالوطء بملك اليمين ) وهو التسري ( ولا في نكاح فاسد ) خلافا لأبي ثور ، وهو مروي عن الليث والأوزاعي ، وجوابه : أنه وطء في غير ملك ، أشبه وطء الشبهة ( ويثبت الإحصان للذميين ) لأن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ورجل منهم قد زنيا ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما . متفق عليه . ولأن الجناية بالزنا استوت بين المسلم والذمي ، فوجب أن يستويا في الحد ، وكذا يثبت لمستأمنين ( وهل تحصن الذمية مسلما ؛ على روايتين ) .

إحداهما : تحصنه ولا يشترط الإسلام ، قدمه في الرعاية ، وجزم به في الوجيز ، ونصره في الشرح ، لحديث ابن عمر السابق المتفق عليه ، واقتصر عليه في الكافي .

والثانية : لا تحصنه ، لأن الإحصان من شرطه الحرية ، فكان من شرطه الإسلام كإحصان القذف ، وجوابه : أنه لا يصح القياس بإحصان القذف ، لأن من شرطه العفة وليست شرطا هنا ( ولو كان لرجل ولد من امرأته ، فقال : ما وطئتها ، لم يثبت إحصانه ) ولا يرجم إذا زنى ، لأن الولد يلحق بإمكان الوطء واحتماله ، والإحصان [ ص: 64 ] لا يثبت إلا بحقيقة الوطء ، فلا يلزم من ثبوت ما يكتفى فيه بالإمكان وجود ما فيه الحقيقة ، ويثبت بقوله : وطئتها أو جامعتها ، والأشهر : أو دخلت بها .

فرع : إذا زنى محصن ببكر فلكل حده ، نص عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية