صفحة جزء
وإن زنى الحر غير المحصن ، جلد مائة جلدة ، وغرب عاما إلى مسافة القصر ، وعنه : أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ، ويخرج معها محرمها ، فإن أراد أجرة بذلت من مالها ، فإن تعذر فمن بيت المال ، فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة ، فإن تعذر نفيت بغير محرم ، ويحتمل أن يسقط النفي ، وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة بكل حال ، ولا يغرب . وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة ، وتغريب نصف عام ، ويحتمل ألا يغرب . وحد اللوطي كحد الزاني سواء ، وعنه : حده الرجم بكل حال .


( وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة ) ولا يجب غيره ، نقله أبو الحارث والميموني ، قاله في الانتصار ، لقوله تعالى : الزانية والزاني الآية [ النور : 2 ] ولقوله عليه السلام : البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام وذلك وإن كان عاما فيخرج منه الرقيق كما يأتي ، والمحصن لما سبق ، فيبقى ما عداه على مقتضاه ، ولأن الخلفاء الراشدين فعلوا ذلك بالحر غير المحصن ، وانتشر ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع ( وغرب عاما ) في قول الجمهور ( إلى مسافة القصر ) لأن ما دون ذلك في حكم الحضر ، فإن عاد قبل الحول ، أعيد تغريبه ، ويبنى على ما مضى ، ونقل الأثرم : أنه لا يشترط مسافة القصر ، بل ينفى من عمله إلى عمل غيره ، وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب منه إلى بلد آخر ، وظاهره : أن المرأة تغرب إلى مسافة القصر ، لوجوبه كالدعوى ( وعنه : أن المرأة تنفى إلى دون مسافة القصر ) قدمه في المحرر ، وجزم به في الوجيز ، لتقرب من أهلها فيحفظوها ، وعنه : تغرب إلى مسافة قصر مع محرمها ، ومع تعذره إلى دونها ( ويخرج معها محرمها ) وجوبا إن تيسر ، لأنه سفر واجب ، أشبه سفر الحج ، والمراد إذا كان باذلا ( فإن أراد أجرة بذلت من مالها ) لأن ذلك من مئونة سفرها ، أشبه المركوب والنفقة ( فإن تعذر [ ص: 65 ] فمن بيت المال ) لأن فيه مصلحة ، أشبه نفقة نفسها ، وهذا قول ، ويقيد بما إذا أمكن ( فإن أبى الخروج معها استؤجرت امرأة ثقة ) اختاره جماعة ، لأنه لا بد من شخص يكون معها لأجل حفظها ، وحينئذ لم يكن بد من امرأة ثقة ليحصل المقصود من الحفظ ، وأجرتها على الخلاف ( فإن تعذر نفيت بغير محرم ) قاله إمامنا والشافعي ، كسفر الهجرة والحج إذا مات المحرم في الطريق ، وفي الترغيب وغيره : مع الأمن ، وعنه : بلا محرم ، تعذر أو لا ، لأنه عقوبة ، ذكره ابن شهاب ( ويحتمل أن يسقط النفي ) عنها إذن كسقوط سفر الحج عنها ، فكذا هنا ، قال المؤلف : وهذا هو اللائق بالشريعة ، فإن نفيها بغير محرم إغراء لها بالفجور ، وتعريض لها بالفتنة ، لا يقال : حديث التغريب عام ، لأنه يخص بقوله عليه السلام : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم ( وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة ) لما روى أبو هريرة وزيد بن خالد ، قالا : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إذا زنت فاجلدوها . الخبر متفق عليه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين . رواه عبد الله بن أحمد ، ورواه مالك عن عمر ( بكل حال ) سواء كان مزوجا أو غير مزوج للعموم ، وخرق أبو ثور الإجماع في إيجاب الرجم على المحصنات ، كما خرق داود الإجماع في تكميل الحد على العبد ، وتضعيف حد الأبكار على المحصنات ( ولا يغرب ) ولا يعير نص عليهما ، وهو المشهور ، لأنه عليه السلام لم يذكره ، ولو كان واجبا لبينه كغيره ، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولأنه مشغول بخدمة السيد ، [ ص: 66 ] وفي تغريبه ضياع لها من غير جناية منه ، بدليل سقوط الجمعة ، ويتوجه احتمال بالنفي ، لأن عمر نفاه . رواه البخاري . قال في كشف المشكل : يحتمل قوله : نفاه ، أي : أبعده من صحبته ( وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون جلدة ) لأن أرش جراحه على النصف من الحر والنصف من العبد ، فكذا حده ، وفي الأول خمسون ، وفي الثاني خمس وعشرون ، وفي الفروع وغيره : والمعتق بعضه بالحساب ، وهو أولى ( وتغريب نصف عام ) في المنصوص ، لأن الحر تغريبه عام والعبد لا تغريب عليه ، فنصف الواجب من التغريب نصف عام ، وإن كان بعضه فبالحساب كالحد ( ويحتمل ألا يغرب ) لأن حق السيد بعضه ، فيقتضي بقاءه في بلده ، ليتمكن من الانتفاع بحصته ، فغلب حقه على التغريب ، لما في حق السيد من التأكيد .

فرع : إذا زنى عبد ثم عتق فعليه حد الرقيق ، وإن كان أحد الزانيين حرا والآخر رقيقا فعلى كل منهما حده ، وإن زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد حر ، وإن عفا السيد عنه لم يسقط حده في قول عامتهم ( وحد اللوطي كحد الزاني سواء ) قدمه في المحرر والمستوعب والرعاية ، وجزم به في الوجيز ، لقوله عليه السلام : إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ولأنه زنا ، فكان فاحشة كالإيلاج في فرج المرأة ، فعلى هذا إن كان محصنا رجم ، وإن كان غير محصن جلد مائة وغرب عاما ، وإن كان عبدا جلد خمسون من غير تغريب ( وعنه : حده الرجم بكل حال ) بكرا كان أو ثيبا ، محصنا أو غيره ، وهو قول علي وابن عباس وغيرهما ، قال بعضهم : وهي أظهر الروايتين ، [ ص: 67 ] وصححه ابن هبيرة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وإسناده ثقات . وعن ابن عباس في البكر : يرجم . رواه أبو داود بإسناد جيد . واحتج به أحمد ، وبالجملة فالإجماع منعقد على تحريمه ، وقد عابه الله في كتابه وذم فاعله ، ولهذا قال أبو بكر الصديق : يحرق اللوطي ، وهو قول ابن الزبير ، وقال أبو بكر : لو قتل بلا استتابة لم أر به بأسا ، وأنه لما كان مقيسا على الزاني في الغسل كذلك الحد ، وإن الغسل قد يجب ولا حد ، لأنه يدرأ بالشبهات ، بخلاف الغسل ، فدل أنه يلزم من نفي الغسل نفي الحد وأولى ، ونصره ابن عقيل ، لأنه أبعد من أحد فرجي الخنثى المشكل ، لخروجه عن هيئة الفروج وأحكامها .

مسائل : يعزر غير البالغ منهما ، ولا حد على من وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها ، بل يعزر ، قال في الفروع : ومملوكه كأجنبي ، وفي الترغيب : ودبر أجنبية كلواط ، وقيل : كزنا ، وزان بذات محرم كلواط ، ونقل جماعة : ويؤخذ ماله ، لخبر البراء ، وأوله الأكثر على عدم وارث ، وأول جماعة ضرب العنق فيه على ظن الراوي ، قال أحمد : يقتل ويؤخذ ماله على خبر البراء ، إلا رجلا يراه مباحا فيجلد ، قلت : فالمرأة ؛ قال : كلاهما في معنى واحد يقتل ، وقال أبو بكر : هو محمول عند أحمد على المستحل ، وإن غير المستحل كزان .

التالي السابق


الخدمات العلمية