صفحة جزء
ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها ، فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين ، فإن لم يكفها جميعا ستر أيهما شاء ، والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه ، وقيل : القبل أولى ، وإن بذلت له سترة لزمه قبولها ، إن كانت عارية . فإن عدم بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء ، وإن صلى قائما جاز ، وعنه : أنه يصلي قائما ويسجد بالأرض ، وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى ، وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ ، وتصلي العراة جماعة ، وإمامهم في وسطهم ، وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع لأنفسهم ، وإن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم ، النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال .


( ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها ) وترك ستر منكبيه ، وصلى قائما ، اختاره المؤلف ، وصححه في " الشرح " وجزم به في " الوجيز " لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان الثوب واسعا فخالف بين طرفيه ، وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك رواه أبو داود ، ولأن القيام متفق على وجوبه فلا يترك لأمر مختلف فيه ، وكما لو لم يكف ، وقال القاضي : يستر جالسا ، لأن الجلوس بدل عن ستر العورة لكونه يستر معظمها ، والمغلظ منها ، وستر المنكب لا بد له ، فكان مراعاته أولى ، وبعد ابن تميم ذلك ، وحمله ابن عقيل على سترة تتسع إن تركها على كتفيه ، وسدلها من ورائه تستر دبره ، وقدم في " الفروع " أنه إذا وجد ما يستر منكبيه وعجزه فقط ستر ذلك ، وصلى جالسا ، نص عليه ، وهو المذهب ، لأن ستر المنكبين الحديث فيه أصح ( فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين ) لأنهما أفحش ، وهما عورة بلا خلاف ، لأن غيرهما كالحريم ، والتابع لهما ، وعبر بعضهم عنهما بالسوأتين لقوله تعالى فبدت لهما سوآتهما [ ص: 371 ] [ الأعراف : 22 ] سميا بذلك ، لأن كشفهما يسوء صاحبه ( فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء ) لاستوائهما ( والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه ) قدمه في " المحرر " وجزم به في " الوجيز " لأنه أفحش ، وينفرج في الركوع والسجود ( وقيل : القبل أولى ) لأن به يستقبل القبلة ، والدبر يستتر بالأليتين ، وقال ابن حمدان : يعتبر أكثرهما سترا ، وفي المذهب : هل القبل أولى أم الدبر ؛ فيه روايتان ، وهذا تفريع على ما ذكره أنه يستر قائما ، وعلى الثاني : فلا ، وظاهره لا فرق بين أن يكون رجلا أو امرأة أو خنثى ، ويتوجه أنه يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة ، وآلتها إن كان هناك رجل .

( وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إن كانت عارية ) هذا هو الصحيح ، لأن المنة لا تكثر فيها ، أشبه بذل الحبل والدلو لاستقاء الماء ، وقيل : لا يلزمه كالهبة في الأصح ، والثاني : يلزمه قبولها هبة ، وذكره المؤلف احتمالا ، لأن العار في كشف عورته أكثر من الضرر فيما يلحقه من المنة ، وفهم منه أنه لا يلزمه طلبها عارية ، ويلزمه تحصيلها بقيمة المثل ، والزيادة كماء الوضوء .

( فإن عدم بكل حال صلى ) ولا تسقط عنه بغير خلاف نعلمه ، كما لو عجز عن استقبال القبلة ( جالسا ) ندبا ، ولا يتربع بل ينضم ، نقله الأثرم والميموني ، وقدم في " الرعاية " أنه يتربع ، نص عليه في رواية محمد بن حبيب ، وقيل : وجوبا ( يومئ إيماء ) أي : بالركوع والسجود ، قدمه في " المحرر " وغيره ، وجزم به أبو الحسين ، وأبو الخطاب ، وصاحب " الوجيز " لما روي عن ابن [ ص: 372 ] عمر أن قوما انكسرت بهم مركبهم فخرجوا عراة ، قال : يصلون جلوسا يومئون إيماء برءوسهم ، ولم ينقل خلافه ، ويومئ بالسجود أكثر من الركوع ( وإن صلى قائما ) وسجد بالأرض ( جاز ) لقوله عليه السلام : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا وظاهره أن صلاة الجالس بالإيماء أولى من صلاته قائما ، لأن الجلوس فيه ستر العورة ، وهو قائم مقام القيام ، ولو صلى قائما لسقط الستر إلى غير بدل ، لأن الستر آكد من القيام ، لأنه يجب في الصلاة وغيرها ، ولا يسقط مع القدرة بحال ، والقيام يسقط في النافلة ، ولأن القيام سقط عنهم لحفظ العورة ، وهي في حال السجود أفحش ، فكان سقوطه أولى ، لا يقال : الستر كله لا يحصل ، وإنما يحصل بعضه ، فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان : القيام ، والركوع ، والسجود ، لأن العورة إن كانت الفرجين فقد حصل سترهما ، وإلا حصل ستر أغلظها وأفحشها ، وعنه : يصلي جالسا ، ويسجد بالأرض ، لأن السجود آكد من القيام لكونه مقصودا في نفسه ، ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام ، وهو النفل ( وعنه : ) يلزمه ( أنه يصلي قائما ، ويسجد بالأرض ) اختاره الآجري ، وغيره ، وقدمه ابن الجوزي ، لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط ، وعنه : إن قام ، وأومأ بالسجود صح ، وقيل : تقعد الجماعة ، ولا يقومون ، ويسجدون بالأرض ، وظاهره أنه لا إعادة عليه ، وصرح به جماعة ، وألحقه الدينوري في وجوب الإعادة بفاقد الطهورين ، وفي " الرعاية " أنه يعيد على الأقيس .

فرع : إذا نسي السترة وصلى عريانا أعاد لتفريطه كالماء .

( وإن وجد ) العريان ( السترة قريبة منه ) عرفا ، لأنه لا تقدير فيه ( في [ ص: 373 ] أثناء الصلاة ) وأمكنه من غير زمن طويل ولا عمل كثير ( ستر ، وبنى ) على ما مضى من صلاته ، كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتموا صلاتهم ( وإن كانت بعيدة ستر ، وابتدأ ) لأنه لا يمكن فعلها إلا بما ينافيها من العمل الكثير ، أو بدون شرطها ، بخلاف التي قبلها ، وقيل : يبني مطلقا ، وقيل : يبتدئ مطلقا ، وقيل : إن انتظر من يناوله لها لم تبطل ، لأنه انتظار واحد كانتظار المسبوق .

( وتصلي العراة جماعة ) وجوبا لا فرادى ، لقول ابن عمر السابق ، ولأنهم قدروا على الجماعة من غير عذر ، أشبه المسبوقين ، ولا تسقط الجماعة لفوات السنة في الموقف ، كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقديم أحدهم ، وإذا شرعت الجماعة حال الخوف مع تعذر الاقتداء بالإمام في بعض الصلاة والحاجة إلى مفارقته ، وفعل ما يبطل الصلاة تلك الحال ، فأولى أن يشرع هنا ، وقال ابن عقيل : جلوسا وجوبا ، وإن في منفرد روايتين ، قال : والصحيح أنه كالجماعة ، ويقومون صفا واحدا ( وإمامهم في وسطهم ) لأنه أستر لهم ، فإن تقدمهم لم يصح في الأصح ، وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة ، وتقدمهم إمامهم ، وإن لم يسعهم صف واحد وقفوا صفوفا ، وغضوا أبصارهم ، قال في " الشرح " : وإن صلى كل صف جماعة فهو أحسن ، وقال ابن تميم وغيره : فإن كانوا نوعا واحدا ، والموضع ضيق صلوا جماعة واحدة ، وإن كثرت الصفوف ( وإن كانوا رجالا ، ونساء صلى كل نوع لأنفسهم ، لأنها إن وقفت خلفه شاهدت العورة ، ومعه خلاف سنة الموقف ، وربما أفضى إلى الفتنة ( وإن كانوا في ضيق ) بفتح الضاد مخففا من ضيق ، ويجوز فيه الكسر على حذف مضاف تقديره ذي ضيق ( صلى الرجال ، واستدبرهم [ ص: 374 ] النساء ، ثم صلى النساء ، واستدبرهن الرجال ) لما في ذلك من تحصيل الجماعة مع عدم رؤية الرجال والنساء ، وبالعكس .

تنبيه : إذا صلى عريانا ، وأعار سترته لم يصح ، ويستحب أن يعير إذا صلى واحدا بعد آخر ، وهل يلزمهم انتظارها ، ولو خرج الوقت أم لا كالقدرة على القيام بعده ؛ فيه وجهان ، فإن استووا ، ولم يكن الثوب لواحد أقرع ، والأصح يقدم إمام مع ضيق الوقت ، وتقدم المرأة عليه ، لأن عورتها أفحش ، ولا يأثم مستتر بعار ويصلي بها عار ، ثم يكفن ميتا ، وقيل : يقدم هو ، وقيل : الحي ، قاله ابن حمدان ، وهو بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية