صفحة جزء
فصل : وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ، وحسمت . وهو أن تغمس في زيت مغلي ، فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب ، وحسمت . فإن عاد حبس ، ولم يقطع ، وعنه : أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ، والرجل اليمنى في الرابعة . ومن سرق وليس له يد يمنى ، قطعت رجله اليسرى ، وإن سرق وله يمنى فذهبت ، سقط القطع . وإن ذهبت يده اليسرى ، لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى ، وتقطع على الرواية الأخرى . وإن وجب قطع يمناه ، فقطع القاطع يسراه عمدا ، فعليه القود ، وإن قطعها خطأ فعليه ديتها ، وفي قطع يمنى السارق وجهان . ويجتمع القطع والضمان ، فترد العين المسروقة إلى مالكها ، وإن كانت تالفة غرم قيمتها ، وقطع . وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال ، أو من مال السارق ؛ على وجهين .


[ ص: 140 ] ( وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف ) بلا خلاف ، وفي قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما ، روي عن أبي بكر ، وعمر أنهما قالا : إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع ، ولا مخالف لهما في الصحابة ، ولأن البطش بها أقوى ، فكانت البداءة بها أردع ، ولأنها آلة السرقة غالبا فناسب عقوبته بإعدام آلتها من مفصل الكف ، لأن اليد تطلق عليها إلى الكوع ، وإلى المرفق ، وإلى المنكب ، وإرادة الأول متيقنة ، وما سواه مشكوك فيه ، ولا يجب القطع مع الشك ( وحسمت ) وجوبا ، وقال : المؤلف يستحب ( وهو أن تغمس في زيت مغلي ) لقوله عليه السلام في سارق : اقطعوه واحسموه . قال ابن المنذر : في إسناده مقال ، والحكمة في الحسم أن العضو إذا قطع فغمس في ذلك الزيت المغلي استدت أفواه العروق ، فينقطع الدم ، إذ لو ترك بلا حسم لنزف الدم ، فأدى إلى موته ، ويسن تعليق يده في عنقه ، زاد في " البلغة " ، و " الرعاية " : ثلاثة أيام ، إن رآه الإمام ( فإن عاد قطعت رجله اليسرى ) لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق : إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ولأنه قول أبي بكر ، وعمر ، ولا مخالف لهما في الصحابة ، فيكون كالإجماع ، وإنما قطعت الرجل اليسرى لقوله تعالى : أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا ثبت ذلك في المحاربة ثبت في هذا قياسا عليه ، ولأن قطع اليسرى أرفق به ، لأن مشي الرجل اليمنى أسهل وأمكن له من اليسرى ، ويبعد [ ص: 141 ] في العادة من أن يتمكن من المشي عليها ، فوجب ذلك ، لئلا تتعطل به منفعته بلا ضرورة ( من مفصل الكعب ) لأنه أحد العضوين المقطوعين في السرقة ، فيقطع من المفصل كاليد ، روى سعيد ، ثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، قال : كان عمر يقطع السارق من المفصل ، وروي عن علي : أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا يمشي عليها ، واقتصر عليه في " الفروع " ، فقال : من مفصل كعبه ، يترك عقبه ، نص عليه ، ( وحسمت ) قال أحمد : قطع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر به فحسم .

تذنيب : يقطع السارق بأسهل ما يمكنه ، فيجلس ، ويضبط ، لئلا يتحرك فيجني على نفسه ، وتشد يده بحبل ، وتجر حتى يتيقن المفصل ، ثم توضع السكين وتجر بقوة لتقطع في مرة واحدة .

( فإن عاد حبس ) حتى يتوب كالمرة الخامسة ، وفي " الإيضاح " : ويعذبه ، وفي " التبصرة " : أو يغرب ، وفي " البلغة " : يعزر ، ويحبس حتى يتوب ( ولم يقطع ) أي : يحرم قطعه ، قدمه في " الرعاية " ، ونصره في " الخلاف " وصححه ، وإنها اختيار الخرقي ، وأبي بكر ، وجزم بها في " الوجيز " ، وهو قول علي ، رواه سعيد ، ولأن قطع الكل يفوت منفعة الجنس ، فلم يشرع كالقتل ، فعلى هذا يمنع من تعطيل منفعة الجنس ( وعنه : أنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ، والرجل اليمنى في الرابعة ) ، واختارها أكثر العلماء ، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال في السارق : إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله . رواه الدراقطني ، ورواه سعيد ، عن أبي بكر ، وعمر بإسناد جيد ، والمذهب الأول ، ثم هو معارض بقول علي ، وروي أن عمر رجع إلى قول علي ، رواه سعيد .

[ ص: 142 ] تنبيه : علم مما سبق أنه لا يجوز أن ينتهي إلى القتل ، وقد روي عن عثمان ، وعمرو بن العاص ، وعمر بن عبد العزيز أنه يقتل في الخامسة ، لحديث رواه مصعب بن ثابت ، عن عبد الله بن الزبير ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة فأمر بقتله ، فقتلوه ، قال أحمد ، وابن معين : مصعب ضعيف ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقيل : هو حسن ، وقيل : لمصلحة اقتضته ، وقال أبو المصعب المالكي : يقتل في الخامسة ، وقياس قول الشيخ تقي الدين : أنه كالشارب في الرابعة يقتل عنده إذا لم ينته بدونه ، وجوابه : بأنه يحمل في حق رجل استحق القتل ، أو على وجه التغليظ ، والمثلة ، ويؤيده أن الأصول تشهد بنفي القتل ، لأن كل معصية لا توجب القتل في الابتداء لا توجب بعد ذلك ، كسائر المعاصي ( ومن سرق وليس له يد يمنى قطعت رجله اليسرى ) لأن اليمنى لما خرجت عن كونها محلا للقطع انتقل القطع إلى ما يلي ذلك ، وهو الرجل اليسرى ، لكن إن كانت يمناه شلاء ، فعنه : تقطع رجله اليسرى ، وعنه : يسأل أهل الخبرة ، فإن قالوا : إنها إذا قطعت ، ورقي دمها ، وانحسمت عروقها ، قطعت ، وإن قالوا : لا يرقى دمها فلا ، وذكر السامري روايتين ، ولم يذكر هذا ، فإن كانت أصابع اليمنى ذاهبة ، فقيل : لا تقطع ، وتقطع الرجل ، وقيل : بلى ، وإن ذهب بعض الأصابع كخنصر ، وبنصر ، أو واحدة سواهما ، قطعت ، وإن لم يبق إلا واحدة ، فهي كالتي ذهب جميع أصابعها ، وإن بقي اثنان فالأولى قطعها ، وفيه وجه ، وكذا حكم ما لو ذهب معظم نفعها ، كقطع إبهام ، أو إصبعين ، ذكره في " المحرر " ( وإن سرق وله يمنى فذهبت ) هي ، أو يسرى يديه ، أو مع رجليه ، أو إحداهما [ ص: 143 ] ( سقط القطع ) لتعلق القطع بها لوجودها ، كجناية تعلقت برقبته ، فمات ( وإن ذهبت يده اليسرى ) أو كانت مقطوعة ، أو شلاء ( لم تقطع اليمنى على الرواية الأولى ) وهي : أن السارق يحبس في الثالثة ، ولا يقطع ، لأن قطعها يتضمن تفويت منفعة الجنس ، وبقاؤه بلا يد يبطش بها جائز ( وتقطع على الرواية الأخرى ) لأن غايته تعطيل منفعة الجنس ، وبقاؤه بلا يد يبطش بها واقع على الرواية المذكورة ، بل أولى ، لأن اليمنى تعلق بها القطع وفاقا ، وإنما الخلاف في سقوطه .

تنبيه : إذا ذهبت يده اليسرى ورجله اليمنى لم يقطع ، لتعطيل منفعة الجنس ، وذهاب عضوين من شق ، وإن ذهبت يده اليسرى قبل سرقته ، أو يده لم تقطع رجله اليسرى ، وإن كان الذاهب رجليه أو يمناهما ، قطعت يده اليمنى في الأصح ( وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه ) بلا إذنه ( عمدا فعليه القود ) لأنه قطع طرفا معصوما ( وإن قطعها خطأ فعليه ديتها ) لأن ما أوجب عمده القود أوجب خطؤه الدية ، بدليل القتل ، واختار المؤلف : يجزئ ولا ضمان ، وهو احتمال في " الانتصار " ، وأنه يحتمل تضمينه نصف الدية ، وذكر بعضهم : إن قطع دهشة ، أو ظنها تجزئ كفت ، ولا ضمان ( وفي قطع يمنى السارق وجهان ) .

أحدهما : لا قطع ، لأن قطعها يفضي إلى قطع يد السارق وتفويت منفعة الجنس منه ، فلم يشرع كقتله .

والثاني : بلى ، وجزم به في " الوجيز " بناء على قطعها في الثالثة ، فعلى الأولى : في قطع رجله وجهان أصحهما : لا ، ( ويجتمع القطع والضمان ) نقله الجماعة ، لأنهما حقان يجبان لمستحقين ، فجاز اجتماعهما كالجزاء ، والقيمة في الصيد الحرمي المملوك ، ( فترد العين المسروقة إلى مالكها ) بغير خلاف نعلمه ، إن كانت [ ص: 144 ] باقية ( وإن كانت تالفة غرم قيمتها ) أو مثلها ، إن كانت مثلية ، ( وقطع ) موسرا كان أو معسرا ، وفي " الانتصار " يحتمل لا يغرم شيئا وهو قول أبي يوسف لما روى عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أقمتم الحد على السارق فلا غرم عليه ولأن التضمين يقتضي التمليك ، والملك يمنع القطع فلا يجمع بينهما ، وجوابه بأنهما حقان لمستحقين ، وقال ابن عبد البر الحديث ليس بالقوي ، وقال بعض المحدثين فيه سعد بن إبراهيم وهو مجهول ولو سلم صحته ، فيحتمل أنه لا غرم عليه في أجرة القاطع ( وهل يجب الزيت الذي يحسم به من بيت المال ، أو من مال السارق ؛ على وجهين ) .

أحدهما : أنه من بيت المال كأجرة القاطع لأنه من المصالح لم يذكر في " الكافي " غيره ، فإن لم تحسم فذكر القاضي أنه لا شيء عليه لأن عليه القطع لا مداواة المحدود .

والثاني : أنهما من مال السارق ، قدمه في " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " لأنه مداواة كمداواته في مرضه ، ويستحب للمقطوع حسم نفسه ، فإن لم يفعل لم يأثم لأنه ترك التداوي في المرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية