صفحة جزء
وحكم الردء حكم المباشر ، ومن قتل ولم يأخذ المال ، قتل ، وهل يصلب ؛ على روايتين . ومن أخذ المال ولم يقتل ، قطعت يده اليمنى ، ورجله اليسرى في مقام واحد ، وحسمتا ، وخلي ، ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله ، فإن كانت يمينه مقطوعة ، أو مستحقة في قصاص ، أو شلاء ، قطعت رجله اليسرى ، وهل تقطع يسرى يديه ؛ ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة . ومن لم يقتل ، ولا أخذ مالا نفي وشرد ، ولا يترك يأوي إلى بلد ، وعنه : أن نفيه تعزيره بما يردعه ، ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود الله تعالى ، من الصلب ، والقطع ، والنفي ، وانحتام القتل ، وأخذ بحقوق الآدميين ، من النفس ، والمال ، والجراح ، إلا أن يعفى لهم عنها .


( وحكم الردء ) والطليع ( حكم المباشر ) لأن حد المباشر حكم يتعلق بها ، فاستوى فيها الردء ، والمباشر كالغنيمة ، يحققه أن المحاربة مبنية على حصول المنعة ، والمعاضدة ، والمباشر لا يتمكن إلا بالردء فوجب التساوي في الحكم ، وذكر أبو الفرج السرقة كذلك فلو قتل بعضهم هل يثبت حكم القتل على الكل أم لا ؛ ثبت حكم القتل في حق الكل ، وإن قتل بعضهم ، وأخذ المال بعضهم قطاع الطريق جاز قتلهم ، وصلبهم ، فردء غير مكلف كهو ، وقيل : يضمن المال آخذه ، وقيل : قراره عليه ، وفي " الإرشاد " : من قاتل اللصوص وقتل قتل القاتل فقط ، واختار الشيخ تقي الدين : الآمر كردء ، وأنه في السرقة كذلك ، وإن المرأة التي تحضر النساء للقتل تقتل ، والمراد بالردء هو العون للمباشر ، كقوله تعالى : ردءا يصدقني القصص 34 .

( ومن قتل ) مكافئه ( ولم يأخذ المال ، قتل ) حتما لأنه قاتل ، فيدخل في عموم النص ، وحينئذ فلا أثر لعفو الولي ( وهل يصلب من قتل مكافئه ، ولم يأخذ المال أم لا ؛ على روايتين ) .

إحداهما : لا يصلب ، قدمه في " المحرر " ، وصححه في " الشرح " ، وجزم به في " الكافي " ، لأن جنايتهم بأخذ المال مع القتل أعظم ، فكانت عقوبتهم أغلظ .

والثانية : بلى ، لأنه محارب يجب قتله ، فيصلب كمن أخذ المال ( ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت ) حتما ( يده اليمنى ورجله اليسرى ) لقوله تعالى : أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وإنما قطعت يده اليمنى للمعنى الذي تقدم في السارق ، لأنه سارق وزيادة ، ثم رجله اليسرى لتحقق المخالفة ، وليكون أرفق به في مكان [ ص: 150 ] مشيه ، ولا ينتظر اندمال اليد ، بل يقطعان ( في مقام واحد ) لأن الله تعالى أمر بقطعهما من غير تعرض لتأخير شيء منهما ، فيبدأ بيمينه ، فتقطع وتحسم ، ثم برجله كذلك ، وهذا الترتيب واجب ، ذكره ابن شهاب وغيره ( وحسمتا ) لقوله : اقطعوه واحسموه لأن الحسم يسد أفواه العروق ، ويمنع الدم من النزف ، ويكون ذلك حتما ( وخلي ) بعد ذلك ، لأن الحق الذي عليه قد استوفي ، أشبه المدين إذا أدى دينه ( ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع السارق في مثله ) ، لقوله عليه السلام : لا قطع إلا في ربع دينار ولم يفصل ، ولأنها جناية تعلقت بها عقوبة في حق غير المحارب ، فلا تغليظ في المحارب بأكثر من وجه واحد كالقتل . وظاهره : أنه يعتبر الحرز أيضا ، فإن الشاة من مال لهم فيه شركة أو شبهة قطاع الطريق هل يقطعوا أم لا - على ما ذكرنا في المسروق - لم يقطع ، ذكره في " الشرح " وغيره ، وفي " المستوعب " وجهان ( فإن كانت يمينه مقطوعة ) بأن قطعت في سرقة ، أو غيرها ( أو مستحقة في قصاص ، أو شلاء ، قطعت رجله اليسرى ) كما لو كانت يمناه موجودة ، لأن ذلك واجب أمكن استيفاؤه ، وكذا إن كانت اليمنى موجودة ، واليسرى معدومة المحارب نقطع الموجود منها حسب ، ويسقط القطع في المعدوم ، لأن ما تعلق به الفرض قد زال ، فيسقط ، كالغسل في الوضوء ، وإن عدم يسرى يديه المحارب قطعت يسرى رجليه ، وإن عدم يمنى يديه المحارب لم تقطع يمنى رجليه ( وهل تقطع يسرى يديه ؛ ) أي : إذا قطع للمحاربة ، ثم حارب ثانيا ، فهل تقطع بقية أربعته ؛ فيه وجهان ، وذلك ( ينبني على الروايتين في قطع يسرى السارق في المرة الثالثة ) ، فإن قلنا : يقطع ، ثم قطعت ههنا ، لأنها مستحقة القطع في الجملة كما لو سرق ، ولا [ ص: 151 ] يمنى له ، ولا رجل ، وإن قلنا : لا تقطع ، وهو الأصح ، سقط لأن قطعها يفضي إلى تفويت منفعة البطش ، وتتعين دية لقود لزمه بعد محاربته كتقديمها بسبقها ، وكذا لو مات قبل قتله للمحاربة .

فرع : إذا عدم يده اليسرى ، أو بطشها بشلل ، أو نقص المحارب ، قطعت رجله اليسرى دون يده اليمنى ، وقيل : يقطعان ، ويتخرج عكسه ، فلو كان ما وجب قطعه أشل ، فذكر أهل الطب أن قطعه يفضي إلى تلفه المحارب سقط ، وبقي حكمه كالمعدوم ، وإن قالوا : لا يفضي إلى تلفه ، ففي قطعه روايتان ( ومن لم يقتل ولا أخذ مالا المحارب نفي وشرد ) أي : طرد ، ولو عبدا ( ولا يترك يأوي إلى بلد ) ذكره الأصحاب ونصروه ، لقوله تعالى : أو ينفوا من الأرض ] المائدة : 33 [ ، وظاهره يتناول نفيه ، وهو يبطل بنفي الزاني إلى مكان ، فعلى هذا : ينفون مدة تظهر فيها توبتهم ، وتحسن سيرتهم ، قدمه في " الرعاية " و " الفروع " ، وقيل : ينفون عاما كالزاني ( وعنه : أن نفيه تعزيره بما يردعه ) من : ضرب ، وحبس ، ونفي ، لأن الغرض الردع ، وهو حاصل بما ذكر ، وفي " التبصرة " : بهما ، وعنه : نفيهم حبسهم ، اختاره ابن أبي موسى حتى يحدثوا توبة ، وفي " الواضح " وغيره رواية أن نفيهم طلب الإمام لهم ، ليقيم فيهم حدود الله تعالى ، وروي عن ابن عباس : فإن كانوا جماعة نفوا متفرقين ( ومن تاب منهم قبل القدرة عليه المحارب سقطت عنه حدود الله تعالى ، من الصلب ، والقطع ، والنفي ، وانحتام القتل ) بغير خلاف نعلمه ، وسنده قوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم فعلى هذا : يسقط عنهم جميع ما ذكر ، أطلق [ ص: 152 ] في " المبهج " في حق الله تعالى : روايتين ( وأخذ بحقوق الآدميين ، من النفس ، والمال ، والجراح ، إلا أن يعفى لهم عنها ) لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها ، فلم تسقط لغير المحارب ، لا يقال : الآية عامة ، فما وجه التخصيص ؛ لأن الأدلة دالة على أن حق الآدمي لا يسقط إلا برضاه ، لأنه مبني على الضيق ، والشح ، بخلاف حق الله ، وذلك يقتضي عدم التسوية بينهما ، وعلم منه أنه إذا تاب بعد القدرة عليه المحارب لم يسقط عنه شيء ، لأن الله تعالى شرط في المغفرة لهم كون توبتهم قبل القدرة ، فدل على عدمها بعدها ، ولأنه إذا تاب قبل القدرة ، فالظاهر أنها توبة إخلاص ، وبعدها تقية من إقامة الحد ، ولأن في إسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبا في توبته ، والرجوع عن محاربته ، وبعد القدرة لا حاجة في ترغيبه ، لأنه قد عجز عن الفساد ، والمحاربة ، وهذا كله فيمن هو تحت حكمنا ، وفي خارجي ، وباغ ، ومرتد محارب هل تقبل توبتهم أم لا ؛ الخلاف في ظاهر كلامهم ، وقيل : تقبل توبته ببينة ، وقيل : وقرينة ، وأما الحربي الكافر هل تقبل توبته أم لا ؛ فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعا

التالي السابق


الخدمات العلمية