صفحة جزء
فصل ( ومن أريدت نفسه ، أو حرمته ، أو ماله ، فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به ، وإن لم يحصل إلا بالقتل، فله ذلك ولا شيء عليه ، وإن قتل كان شهيدا ، وهل يجب عليه الدفع عن نفسه ؛ على روايتين . وسواء كان الصائل آدميا ، أو بهيمة ، وإذا دخل رجل منزله متلصصا ، أو صائلا ، فحكمه حكم ما ذكرنا . وإن عض إنسان إنسانا ، فانتزع يده من فيه ، فسقطت ثناياه ، ذهبت هدرا . وإن نظر في بيته من خصاص الباب ونحوه ، فخذف عينه ففقأها ، فلا شيء عليه .


فصل .

( ومن أريدت نفسه ، أو حرمته ، أو ماله هل يدفع عن ذلك أم لا ؛ ) وإن قل ، كافأه أم لا ( فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم ) ، والمذهب أنه يدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه ، جزم به في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وقدمه في الفروع ( دفعه به ) لأنه لو منع من ذلك لأدى إلى تلفه وأذاه في نفسه ، وحرمته وماله ، ولأنه لو لم يجز ذلك لتسلط الناس بعضهم على بعض ، وأدى إلى الهرج والمرج ، لأن الزائد عليه لا حاجة إليه ، لحصول الدفع به ، وقيل : إن لم يمكنه هرب ، أو احتماء ، ونحوه ، وجزم به في " المستوعب " فعلى ما ذكرنا متى علم ، أو ظن الدافع أن الصائل عليه يندفع لم يجز ضربه بشيء ، قال أحمد : لا تريد قتله وضربه لكن ادفعه ، وقال الميموني : رأيته يعجب ممن يقول : أقاتله ، وأمنعه ، وإن علم أنه يندفع بعصا لم يضربه بحديد ( وإن لم يحصل إلا بالقتل اندفاع الصائل فقتله ، فله ذلك ) لأن ضرره إذا لم يندفع إلا به تعين طريقا إلى الدفع المحتاج إليه ( ولا شيء عليه ) بالقتل ، لأنه قتل لدفع شر الصائل فلم يجب به شيء كفعل الباغي . وروي عن عبيد بن عمير أن رجلا ضاف ناسا من هذيل فأراد امرأة على نفسها ، فرمته بحجر ، فقال عمر : [ ص: 155 ] والله لا يودى به ( وإن قتل كان شهيدا ) لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد . رواه أبو داود والترمذي وصححه ، وعن سعيد بن زيد ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد . رواه أبو داود ، والترمذي وصححه ، ولأنه ظلم فكان كلاهما كالعادل إذا قتله الباغي ، وإن قتله فهدر ، ولا يجوز في حال مزح ، ذكره في " الانتصار " ، ويقاد به ، ذكره آخرون ( وهل يجب عليه الدفع عن نفسه ؛ في حال مزح على روايتين ) كذا في " المحرر " ، الأصح أنه يلزمه الدفع عن نفسه ، لقوله تعالى : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ] البقرة : 195 [ وكما يحرم قتل نفسه تحرم عليه إباحة قتل نفسه ، ولأنه قدر على إحياء نفسه فوجب عليه فعل ما يتقي به ، كالمضطر إذا وجد الميتة ، وكذا عن نفس غيره ، لا في فتنة في الأصح فيهما ، والثانية : لا يلزمه ، قدمها في " الرعاية " ، وصححها ابن المنجا ، لما روى عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم ، القاتل في النار ، والمقتول في الجنة . رواه أحمد ، وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم فتنة فليكن كخير ابني آدم . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، ولأن عثمان ترك القتال على من بغى عليه مع القدرة عليه ، ومنع غيره من قتالهم ، وصبر على ذلك ، ولو لم يجز لأنكر الصحابة عليه ذلك ، وعلى اللزوم إن أمكنه أن يهرب ، أو يحتمي ، أو يختفي هل يجوز الدفع عن نفسه أم لا ؛ ، ففي جواز الدفع وجهان : وظاهره أنه لا يجب الدفع عن حرمته ، وليس [ ص: 156 ] كذلك ، بل هو قويل ، فإنه إذا رأى مع امرأته رجلا ، أو ابنته ، أو أخته يزنى بها ، أو تلوط بابنه حكم الدفع فإنه يجب الدفع عن ذلك في المنصوص ، لأنه اجتمع فيه حق الله ، وهو منعه من الفاحشة ، وحق نفسه بالمنع عن أهله ، فلا يسعه إضاعة هذه الحقوق ، ولا عن ماله ، وهو الأصح ، كما لا يلزمه من الضياع ، والهلاك ، ذكره القاضي ، وغيره ، وفي " التبصرة " في الثلاثة : يلزمه في الأصح ، وله بذله ، وذكر القاضي : أنه أفضل ، ونقله حنبل ، وفي " الترغيب " : المنصوص عنه أن ترك قتاله عنه أفضل ، وأطلق روايتي الوجوب في الكل ، زاد في " نهاية المبتدئ " على الثلاثة : وعرضه ، وقيل : يجب ، وأطلق في " التبصرة " ، والشيخ تقي الدين لزومه عن مال غيره ( وسواء كان الصائل آدميا ) مكلفا ، أو غير مكلف ، وفي " الترغيب " : وعندي ينتقض عهد الذمي ( أو بهيمة ) لاشتراكهما في المجوز للدفع ، وهو الصول ، ولأن البهيمة لا حرمة لها ، فيجب عليه الدفع إذا أمكنه ، كما لو خاف من سيل أو نار ، وأمكنه أن يتنحى عنه ( وإذا دخل رجل منزله متلصصا أو صائلا حكم الدفع ) أي : إذا ادعى صيالة بلا بينة ، ولا إقرار لم يقبل ( فحكمه حكم ما ذكرنا ) أي : إذا دخل منزل غيره بغير إذنه فلصاحب المنزل أمره بالخروج من منزله ، سواء كان معه سلاح أو لا ، فإن خرج بالأمر لم يكن له غيره ، لأن المقصود إخراجه ، لكن روي عن ابن عمر أنه رأى لصا فأصلت عليه السيف ، قال الراوي : فلو تركناه لقتله . وجاء رجل إلى الحسن ، فقال : رجل دخل بيتي ومعه حديدة ، أقتله ؛ قال : نعم ، وجوابه : أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل هل يجوز القتل أم لا ؛ ، فلم يجز القتل ، وكما لو غصب منه شيئا وأمكن أخذه [ ص: 157 ] بغير القتل هل يجوز قتله أم لا ، وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب ، فإن لم يخرج فله ضربه بأسهل ما يعلم ، أو يظن أنه يندفع به ، فإن خرج بالعصا لم يكن له ضربه بالحديد ، وإن ولى هاربا ( الصائل ) لم يكن له قتله ولا اتباعه كالبغاة ، وإن ضربه ضربة عطلته ( الصائل ) لم يكن له أرش ، لأنه لقي شره ، وإن ضربه فقطع يمينه ، فولى مدبرا فقطع رجله ( الصائل ) ، فالرجل مضمونة بقصاص أو دية ، لأنه في حال لا يحل له ضربه ، واليد غير مضمونة ، فإن مات من سراية القطع ( الصائل ) فعليه نصف الدية ، وإن عاد إليه بعد قطع رجله فقطع يده الأخرى ( الصائل ) ، فاليدان غير مضمونتين ، وإن مات فعليه ثلث الدية ، كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس ، وقياس المذهب : أن يضمن نصف الدية ، كما لو جرحه اثنان ، ومات منها ، وإن لم يمكنه إلا بالقتل ، أو خاف أن يبدره به ، فله قتله ، وهو هدر ، كالباقي ، وإن قتل صاحب المنزل فهو شهيد للخبر ، وكالعادي ، وعلى الصائل ضمانه ، وإن أمكن دفعه بقطع عضو فقتله ، أو قطع زيادة على ما يندفع به ( الصائل ) ، ضمنه ( وإن عض إنسان إنسانا ) عضا محرما ( فانتزع يده من فيه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا ) لما روى عمران بن حصين ، قال : قاتل يعلى بن أمية رجلا ، فعض أحدهما صاحبه ، فانتزع يده من فيه ، فنزع ثنيته ، وفي لفظ : بثنيته ، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيعض أحدكم كما يعض الفحل ، لا دية له . متفق عليه ، ولفظه لمسلم . ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه فلم يضمن ، كما لو صال عليه ، فلم يكن الدافع إلا بقطع يده ، وسواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما ، لأن العض محرم ، إلا أن يكون العض مباحا ، كمن لا يقدر على التخلص إلا بعضه ، وقال القاضي : تخليص المعضوض يده [ ص: 158 ] بأسهل ما يمكنه ، فإن أمكنه فك لحييه ، وإن لم يمكنه لكمه ، وإن لم يمكنه جذب يده من فيه ، فإن لم يخلص فله أن يعصر خصيتيه ، فإن لم يمكنه فله أن يبعج بطنه ، وإن أتى على نفسه ، قال في " المغني " : والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر ، وينبغي أن يجذب يده أولا ، فإن أمكنه ذلك ، فعدل إلى لكم فكه ، فأتلف شيئا ضمنه ، لإمكان التخلص بما هو أولى منه .

( وإن نظر في بيته من خصاص الباب ) وهو الفروج الذي فيه ( ونحوه ) وظاهره : ولو لم يتعمد لكن ظنه متعمدا ، قال في " الترغيب " : أو صادف عورة من محارمه وأصر ، وفي " المغني " : ولو خلت من نساء ( فخذف عينه ففقأها ) وفي " الفروع " : فتلفت ( فلا شيء عليه ) كذا في " المحرر " و " الوجيز " ، وغيرهما ، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن ، فخذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، لم يكن عليك جناح . متفق عليه . وظاهر كلام أحمد : أنه لا يعتبر أنه لا يمكنه دفعه إلا بذلك لظاهر الخبر ، ولا يتبعه ، وقال ابن حامد : يدفعه بالأسهل ، فينذره أولا ، كمن استرق السمع لم يقصد أذنه بلا إنذار ، قاله في " الترغيب " ، وقيل : باب مفتوح كخصاصة ، وجزم به بعضهم ، وعن أبي ذر مرفوعا : وإن مر رجل على باب لا ستر له غير مغلق ، فينظر ، فلا خطيئة عليه ، إنما الخطيئة على أهل البيت . رواه أحمد ، وأبو داود . وفيه ابن لهيعة .

ولو كان إنسان عريانا في طريق هل له رمي من نظر إليه لم يكن له رمي من نظر إليه لأنه مفرط .

فرع : إذا اطلع فرماه ، فقال المطلع : ما تعمدته هل يضمنه أم لا ؛ ، لم يضمنه على ظاهر [ ص: 159 ] كلامه ، وعلى قول ابن حامد : بلى ، وإن لم يجز رميه ، وقال ابن عقيل : بلى ، إن كان سميعا كالبصير ، وسواء كان الناظر في ملكه ، أو غيره ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية