صفحة جزء
وعلى الإمام أن يراسلهم ، ويسألهم ما ينقمون منه ، ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ، ويكشف ما يدعونه من شبهة ، فإن فاءوا ، وإلا قاتلهم ، وعلى رعيته معونته على حربهم ، فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم ، فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم .


( وعلى الإمام أن يراسلهم ) للنص ، إذ المراسلة ، والسؤال طريق إلى الصلح ، لأن ذلك وسيلة إلى رجوعهم إلى الحق ، وقد روي أن علي بن أبي طالب راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ، ولما اعتزلته الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس ، فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف ( ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ) لأن ذلك وجب مع إفضاء الأمر إلى القتل والهرج والمرج ، فلأن يجب في حال يؤدي إلى ذلك بطريق الأولى ( ويكشف ما يدعونه من شبهة ) لأن كشفها طريق إلى رجوعهم إلى الحق ، وذلك مطلوب إلا أن يخاف كلبهم [ ص: 161 ] فلا يمكن ذلك في حقهم ، فإن أبوا الرجوع وعظهم ، وخوفهم القتال ، لأن المقصود دفع شرهم لا قتلهم ، ( فإن فاءوا ) أي : رجعوا إلى الطاعة ( وإلا قاتلهم ) أي : يلزم القادر قتالهم ، لإجماع الصحابة على ذلك ، وقال الشيخ تقي الدين : الأفضل تركه حتى يبدءوه ، وهو ظاهر اختيار المؤلف ، وقالا في الخوارج : له قتلهم ابتداء ، وتتمة الجريح ، وفي " المغني " و " الشرح " في الخوارج : ظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنهم بغاة ، لهم حكمهم ، وفرق جمهور العلماء بين الخوارج والبغاة المتأولين ، وهو المعروف عن الصحابة وغيرهم ( وعلى رعيته معونته على حربهم ) لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ] النساء : 59 [ ولقوله عليه السلام : من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . رواه أحمد ، وأبو داود من حديث أبي ذر رضي الله عنه ( فإن استنظروه مدة رجا رجوعهم فيها أنظرهم ) حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه ، وفي " الرعاية " : ثلاثا ، ولأن الإنظار المرجو به رجوعهم أولى من معالجتهم بالقتال المؤدي إلى الهرج والمرج ( فإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم ) لأن الإنظار لا يؤمن منه أن يصير طريقا إلى قهر أهل الحق ، وذلك لا يجوز ، وإن أعطوه عليه مالا أو رهنا ، لأنه يخلي سبيلهم إذا انقضت الحرب كما يخلي الأسارى ، ولا يجوز قتلهم ، فإن سألوه أن ينظرهم أبدا ، ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين ، فإن قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك ، وإلا جاز ( وقاتلهم ) حيث قوي على ذلك ، فإن ضعف عنه أخره حتى يقوى ، فإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله ، وإذا قاتل معهم عبيد ، أو نساء ، أو صبيان ، [ ص: 162 ] فهم كالرجل البالغ الحر ، وفي " الترغيب " : ومراهق وعبد كخيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية