صفحة جزء
وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر . وعنه ، يكفر ، إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال ، فمن ارتد عن الإسلام من الرجال ، والنساء ، وهو بالغ عاقل دعي إليه ثلاثة أيام ، وضيق عليه ، فإن لم يتب قتل ، وعنه : لا تجب استتابته ، بل تستحب ، ويجوز قتله في الحال . ويقتل بالسيف ، ولا يقتله إلا الإمام ، أو نائبه ، فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر ، ولا ضمان عليه ، سواء قتل قبل الاستتابة ، أو بعدها ، وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته ، وعنه : يصح إسلامه دون ردته ، وعنه : لا يصح شيء منهما حتى يبلغ ، والمذهب الأول ، وإن أسلم ، ثم قال : لم أدر ما قلت ، لم يلتفت إلى قوله ، وأجبر على الإسلام ، ولا يقتل حتى يبلغ ، ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه ، فإن ثبت على كفره قتل .


( وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر ) ، الظاهر أن المراد بها مباني الإسلام ، ولا شك أن تارك الشهادتين تهاونا كافر بغير خلاف نعلمه في المذهب ، وأما بقية ذلك فكما ذكره ، إلا الصلاة فإنه يدعى إليها ، فإن امتنع فإنه يستتاب كمرتد ، فإن أصر كفر بشرطه ، وإذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كان كتركها ، وإن كان مختلفا فيه ، وهو معتقد وجوبه ، فقال ابن عقيل : حكمه حكم تارك الصلاة ، وقال المؤلف : عليه [ ص: 173 ] الإعادة ، ولا يكفر من أجل ذلك بحال ، وفي " المحرر " : إذا ترك تهاونا فرض الصلاة ، أو الزكاة ، أو الصوم ، أو الحج ، بأن عزم ألا يفعله أبدا ، أو أخره إلى عام يغلب على الظن موته قبله ، استتيب كالمرتد ، فإن أصر قتل حدا ، وعنه : كفرا ، نقلها أبو بكر واختارها ، وعنه : يختص الكفر بالصلاة ، وعنه : تهاونا كزكاة إذا قاتل الإمام عليها ( وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال ) لأن في وجوبه على الفور خلافا ، وعنه لا كفر ، ولا قتل في الصوم ، والحج خاصة .

فرع : من أظهر الإسلام ، وأسر الكفر فمنافق كافر ، كعبد الله بن أبي ابن سلول ، فإن أظهر أنه قائم بالواجب ، وفي قلبه ألا يفعل فنفاق ، لقوله تعالى في ثعلبة : ومنهم من عاهد الله الآية ] التوبة : 75 [ وهل يكفر على وجهين .

( فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء ) روي عن أبي بكر ، وعلي ، وقاله أكثر العلماء ، لعموم قوله عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه ولقوله عليه السلام : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه ، المفارق للجماعة . متفق عليه . ولأنه فعل يوجب الحد ، فاستوى فيه الرجل والمرأة ، كالزنا ، وما روي أن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة فمحمول على أنه تقدم لهم إسلام ، وأما نهيه عن قتل المرأة ، فالمراد به الأصلية ، بدليل أنه لا يقتل الشيوخ ولا المكافيف ، ( وهو بالغ عاقل ) مختار ، لأن الطفل الذي لا يعقل ، والمجنون ، ومن زال بنوم ، أو إغماء ، أو شرب دواء مباح لا تصح ردته ، ولا حكم لكلامه بغير خلاف في المذهب ( دعي إليه ) أي : لا يقتل حتى يستتاب ، وهو قول أكثر العلماء ، وهي واجبة ، نصره القاضي والمؤلف ، لأنه [ ص: 174 ] عليه السلام أمر باستتابته . رواه الدارقطني . ولقول عمر . رواه مالك ، وغيره . ولا يلزم من تحريم القتل وجوب الضمان ، بدليل نساء الحرب ( ثلاثة أيام ) في قول الأكثر ، لما روىمحمد بن عبد الله بن عبد القاري ، عن أبيه ، قال : قدم رجل على عمر من قبل أبي موسى ، فسأله عن الناس ، فأخبره ، فقال : هل من مغربة خبر ؛ قال : نعم ، رجل كفر بعد إسلامه ، فقال : ما فعلتم به ؛ قال : قربناه فضربنا عنقه ، فقال عمر : فهلا حبستموه ثلاثا ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ، لعله يتوب ويراجع أمر الله عز وجل ، اللهم إني لم أحضر ، ولم أرض إذ بلغني . رواه مالك . ولأنه لو لم يجب لما برئ من فعلهم ، ولأنه أمكن استصلاحه ، فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه ، كالثوب النجس ، ولأنها مدة يتكرر فيها الرأي ، ويتقلب النظر ، فلا يحتاج إلى أكثر منها ، وعنه : لا يجوز تأجيله ، بل يجب قتله في الحال إلا أن يطلب الأجل فيؤجل ثلاثا ( وضيق عليه ) بالحبس وغيره ، ليرجع إلى الحق ( فإن لم يتب قتل ) لحديث ابن عباس : من بدل دينه فاقتلوه ولا يجوز أخذ فداء عنه ، لأن كفره أغلظ ( وعنه : لا تجب استتابته ) روي عن الحسن ، وطاوس ، لأنه عليه السلام لم يذكر ذلك ، ولقول معاذ : لا أجلس حتى يقتل ، ولأنه يقتل لكفره ، فلم تجب استتابته كالأصلي ( بل تستحب ) للاختلاف في وجوبها ( ويجوز قتله في الحال ) كالأصلي ، والأول أصح ، لأن الخبر محمول على القتل بعد الاستتابة ، والخبر الآخر روي فيه : أن المرتد استتيب قبل قدوم معاذ ، رواه أبو داود . وقال الزهري : يدعى ثلاث مرات ، فإن أبى ضربت عنقه ، وقال النخعي : يستتاب أبدا ، وهذا [ ص: 175 ] يفضي إلى أنه لا يقتل أبدا ، وهو مخالف للسنة ، والإجماع ( ويقتل بالسيف ) لقوله رضي الله عنه : قربناه ، فضربنا عنقه ، ولأنه إذا أطلق انصرف إليه ، لأنه أسرع لزهوق النفس ، ولا يجوز حرقه بالنار ، وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أمر بتحريقهم ، والأول أولى ، لقوله عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه ، ولا تعذبوا بعذاب الله ، يعني : النار . رواه البخاري ( ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه ) حرا كان أو عبدا ، في قول عامة العلماء ، ونصره في " الشرح " ، لأنه قتل لحق الله تعالى ، فكان إلى الإمام ، أو نائبه ، كقتل الحر ، ولقوله عليه السلام : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم لا يتناول القتل في الردة ، لأنه قتل لكفره ، ولا حد في حقه ، وخبر حفصة لما بلغ عثمان تغيظ عليها ، وشق عليه ، والجلد في الزنا تأديب عنده ، بخلاف القتل ( فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر ) لافتئاته على الإمام ، أو نائبه ( ولا ضمان عليه ) أي : على القاتل ، لأنه محل غير معصوم ( سواء قتل قبل الاستتابة أو بعدها ) لأنه مهدر الدم في الجملة ، وردته مبيحة لدمه ، وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها ، فإن لحق بدار الحرب فلكل واحد قتله بلا استتابة وأخذ ما معه من مال ، وما تركه بدارنا معصوم ، نص عليه ، وقيل : يصير فيئا في الحال ، وصححه المجد .

فرع : رسول الكفار لا يقتل ، ولو كان مرتدا ، حكاه في " الفروع " عن " الهدي " ، بدليل رسول مسيلمة ، وفي " الفنون " في مولود برأسين فبلغ ، نطق أحدهما بالكفر ، والآخر بالإسلام ، إن نطقا معا ، ففي أيهما يغلب احتمالان ، قال : والصحيح إن تقدم الإسلام فمرتد ( وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته ) [ ص: 176 ] في ظاهر المذهب ، لإسلام علي بن أبي طالب وهو صبي ، وعد ذلك من مناقبه ، وسبقه ، وقال :

سبقتكم إلى الإسلام طرا صبيا ما بلغت أوان حلمي

. ويقال : هو أول من أسلم من الصبيان ، ومن الرجال : أبو بكر ، ومن النساء : خديجة ، ومن العبيد : بلال ، وقال عروة : أسلم علي ، والزبير ، وهما ابنا ثمان سنين ، ولم يرد على أحد إسلامه من صغير ، أو كبير ، لقوله عليه السلام : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، ولأن من صح إسلامه صحت ردته كالبالغ ، وقوله عليه السلام : كل مولود يولد على الفطرة و أمرت أن أقاتل الناس . الخبرين . والصبي داخل في ذلك ، وإذا صح إسلامه كتب له لا عليه ، وتحصل له سعادة الدارين ، لا يقال : الإسلام يوجب عليه الزكاة في ماله ، ونفقة قريبه المسلم ، وحرمة ميراث قريبه الكافر ، وفسخ نكاحه ، لأن الزكاة نفع محض ، لأنها سبب النماء ، والزيادة ، محصنة للمال ، والميراث ، والنفقة أمر متوهم ، وذلك مجبور بحصول الميراث للمسلمين ، وسقوط نفقة أقاربه الكفار ، ثم هو ضرر مغمور بالنسبة إلى ما يحصل له من سعادة الآخرة ، والخلاص من الشقاء ، والخلود في الجحيم ، وشرطه أن يعقل الإسلام ، ومعناه أن يعلم أن الله ربه لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وهذا لا خلاف في اشتراطه ، فإن الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الإسلام ، وإنما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شيء ، ذكره في " المغني " وغيره ، وشرط الخرقي مع ذلك ، وتبعه في " الوجيز " : أن يكون له عشر سنين ، لأنه عليه السلام أمر بضربه على الصلاة لعشر ، وجوابه : بأن أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ، ولم يجدوا له حدا من السنين ، وحكاه ابن المنذر ، عن [ ص: 177 ] أحمد ، لأن المقصود متى حصل لا حاجة إلى زيادة عليه ( وعنه : يصح إسلامه دون ردته ) قال في " الفروع " : وهي أظهر ، لأن الإسلام محض مصلحة ، ونفع ، فصح منه ، بخلاف الردة ، فعلى هذا : حكمه حكم من لم يرتد ، فإن بلغ وأصر على الكفر كان مرتدا ( وعنه : لا يصح شيء منهما حتى يبلغ ) لقوله عليه السلام : رفع القلم عن ثلاث . الخبر . ولأنه قول تثبت به الأحكام ، فلم يصح من الصبي ، كالهبة ، والعتق ، ولأنه غير مكلف ، أشبه الطفل ، وعنه : يصح من ابن سبع سنين ، لأمره بالصلاة ، وقال ابن أبي شيبة : يصح من ابن خمس سنين ، وأخذه من إسلام علي ( والمذهب الأول ) نصره القاضي في الخلاف ، وعليه فقهاء الأصحاب ، وعليهن يحال بينه وبين الكفار ، قال في " الانتصار " : يتولاه المسلمون ، ويدفن بمقابرهم ، وإن فرضيته مترتبة على صحته كصحته تبعا ، وكصوم مريض ومسافر رمضان ( وإن أسلم ) ثم ، رجع ( ثم قال : لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله ) كالبالغ ( وأجبر على الإسلام ) لأنه محكوم بإسلامه ، لمعرفتنا بعقله ، لأنه كفر بعد إسلامه ، ولهذا صح إسلامه ، لأنه محض مصلحة ، أشبه الوصية ، وعنه : ينتقل منه ، ولا يجبر على الإسلام ، لأنه في مظنة النقص ، وصدقه جائز ، ذكره أبو بكر ، والعمل على الأول ، لأنه قد ثبت عقله للإسلام ، ومعرفته به ، وفعله فعل العقلاء ، وقد تكلم بكلامهم ( ولا يقتل حتى يبلغ ) أي : الصبي لا يقتل إذا ارتد حتى يبلغ ، سواء قلنا بصحة ردته ، أو لا ، لأن الغلام لا تجب عليه عقوبة ، بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنا ، والقتل ، فكذا لا يجب أن يتعلق به حكم الردة ( ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه ) لأجل وجوب استتابته ثلاثا [ ص: 178 ] ( فإن ثبت على كفره ، قتل ) لأنه مرتد مصر على ردته ، فوجب قتله سواء كان مرتدا قبل بلوغه أو لا ، وسواء كان مسلما أصليا فارتد ، أو كافرا فأسلم صبيا ، ثم ارتد .

فرع : من أسلم ، وقال : لم أدر ما قلت ، أو لم أعتقد الإسلام ، وإنما أظهرت الشهادتين ، صار مرتدا ، نص عليه ، في مواضع ، وعنه : يقبل منه مع ظن صدقه ، نقلها عنه محمد بن الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية