صفحة جزء
وتوبة المرتد إسلامه ، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا أن تكون ردته بإنكار فرض ، أو إحلال محرم ، أو جحد نبي ، أو كتاب ، أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة ، فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ، يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين ، أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام . وإذا مات المرتد ، فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة ، حكم بإسلامه . ولا يبطل إحصان المسلم بردته ، ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام . .


( وتوبة المرتد ) وكل كافر ( إسلامه ، وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ) لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله عز وجل . متفق عليه . وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي ، فكذا المرتد ، ولا يحتاج مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته ، وهذا يمكن لمن كانت ردته بجحد الوحدانية ، أو جحد رسالة محمد عليه السلام ، وظاهره : لا يغني قوله : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عن كلمة التوحيد ، وعنه : [ ص: 182 ] بلى ، قدمها في " الرعاية " ، لأن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أشهد أنك رسول الله ، ثم مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صلوا على صاحبكم ، ذكره أحمد في رواية مهنا محتجا به ، ولأنه لا يقر برسالة محمد إلا ويقر بمن أرسله ، وعنه : من مقر به ، قال في " الشرح " : وبهذا جاءت الأخبار ، وهو الصحيح ، لأن من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقرارهما جميعا ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال : يكفي التوحيد ممن لا يقر به لظاهر الأخبار ، ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله : لا إله إلا الله . لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ، ومستلزم له وفاقا للشافعية وغيرهم ، فلو قال : أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله ، لم يحكم بإسلامه ، لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا صلى الله عليه وسلم ( إلا أن تكون ردته بإنكار فرض ، أو إحلال محرم ، أو جحد نبي ، أو كتاب ، أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة ، فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ) لأن ردته بجحده ، فإذا لم يقر بما جحده بقي الأمر على ما كان عليه من الردة الموجبة لتكفيره ، فإذا كانت ردته باعتقاد أن محمدا بعث إلى العرب فلا بد وأن ( يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين ) ولا بد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين ، ولا يكفي مجرد إقراره بما جحده ( أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام ) لأنه يحتمل أن يريد بالشهادة ما يعتقده ولأن الرجوع إلى الإسلام لا يكون إلا بذلك .

فرع : يكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة ، بل يجدد إسلامه ، قال جماعة : يأتي بالشهادتين ، ونقل ابن الحكم [ ص: 183 ] فيمن أسلم ثم تهود ، أو تنصر ، فشهد عليه عدول ، فقال : لم أفعل ، وأنا مسلم ، قبل قوله ، قال الشيخ تقي الدين : اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله ، وإن لم يحكم به حاكم ، ولا يحتاج إلى أن يقر بما شهد عليه به ، فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره إلى ذلك قد يكون كذبا ، ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار كالإقرار الصحيح ، فإنه قد علم أنه لقنه ، وأنه فعله خوف القتل ، وهو إقرار تلجئة .

تنبيه : ظاهر كلامه أنه إذا قال : أنا مؤمن أو مسلم ، لم يكتف بذلك ، ونقل أبو طالب في اليهودي إذا قال : قد أسلمت ، أو أنا مسلم ، يجبر عليه ، قد علم ما يراد منه ، ونصر القاضي ، وابن البنا الاكتفاء بذلك عن الشهادتين ، لما روى المقداد أنه قال : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار ، فقاتلني ، فضرب إحدى يدي بالسيف ، فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت ، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؛ قال : لا تقتله . رواه مسلم . ولأن ذلك اسم لشيء ، فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشيء ، وذكر المؤلف احتمالا : أن هذا في الكافر الأصلي ، أو من جحد الوحدانية ، أما من كفر بجحد نبي ، أو كتاب ، أو فريضة ، ونحوه فلا يصير مسلما بهذا ، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه ، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون ومنهم من هو كافر .

فرع : إذا شهد عليه بأنه كفر ، وادعى الإكراه ، قبل مع قرينة ، ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه ، قبل مطلقا في الأصح ، لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة ، وإن أسلم على صلاتين ، قبل منه وأمر بالخمس .

( وإذا مات المرتد ، فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه ) لقوله [ ص: 184 ] عليه السلام : من صلى صلاتنا . الخبر . سواء صلى في جماعة ، أو منفردا ، في دار الحرب ، أو الإسلام ، لأنها ركن يختص به الإسلام ، فحكم بإسلامه ، كالشهادتين ، ولأن ما كان إسلاما في دار الحرب كان إسلاما في دار الإسلام كالشهادتين ، ومقتضاه : أنها إذا شهدت بأنه أتى بغيرها من زكاة ، أو صوم ، أو حج لا يحكم بإسلامه ، ولا يثبت الإسلام حتى تتميز عن صلاة الكهان ، ولا تحصل بمجرد القيام ، وذكر ابن تميم : أن من حج أو صام - يقصد رمضان - أو آتى ماله على وجه الزكاة ، أو أذن في غير محل الأذان - قال ابن حمدان : وقته - هل يحكم بإسلامه ؛ على وجهين ، واختار القاضي : أنه يحكم بإسلامه بالحج فقط ، ( ولا يبطل إحصان المسلم بردته ) يعني : إذا كان محصنا فارتد ، ثم أسلم لم يزل إحصانه ، بل إذا زنى فإنه يرجم ، لأنه ثبت له حكم الإحصان ، والأصل بقاء ما كان عليه ( ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام ) لأنه فعلها على وجهها ، وبرئت ذمته منها ، فلم تعد إلى ذمته كدين الآدمي ، وفي " الرعاية " : في الصوم وجهان في وجوب القضاء ، وقدم فيها ، وفي " المحرر " : أنه إذا صلى ، ثم كفر ، ثم أسلم في وقتها لم يعدها ، وقيل : بلى ، وإن حج ، ثم كفر ، ثم أسلم فروايتان ، أشهرهما : لا يعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية