صفحة جزء
فإذا خرج قال : غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ، فإن كان في الفضاء أبعد واستتر ، وارتاد مكانا رخوا ، ولا يبول في شق ، ولا سرب ، ولا طريق ، ولا ظل نافع ، ولا تحت شجرة مثمرة .


( فإذا خرج قال : غفرانك ) وهو منصوب على المفعولية أي : أسألك غفرانك ، مأخوذ من الغفر ، وهو الستر ، [ ص: 82 ] وسره أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن ، سأل الخلاص مما يثقل القلب ، وهو الذنب ، لتكمل الراحة ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) لما روى أنس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك ، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ، وعافاني رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن مسلم ، وقد ضعفه الأكثر ، وفي " مصنف " عبد الرزاق : أن نوحا عليه السلام كان يقول إذا خرج من الخلاء : الحمد لله الذي أذاقني لذته ، وأبقى في منفعته ، وأذهب عني أذاه .

مسائل : يستحب له تغطية رأسه ، ولا يرفعه ، ولا بصره إلى السماء ، ولا يبصق على بوله ، لأنه يورث الوسواس ، وأن ينتعل ، ويتنحنح ، زاد بعضهم : ويمشي خطوات ، قال الشيخ تقي الدين : هذا بدعة ( فإن كان في الفضاء ) هو ما اتسع من الأرض ( أبعد ) لما روى جابر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد رواه أبو داود ، وصرح السامري باستحباب ذلك ( واستتر ) بما أمكنه من حائش نخل ، أو كثيب رمل ، لما روى عبد الله بن جعفر قال : كان أحب ما استتر به النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هدف ، أو حائش نخل رواه مسلم ، وفسر بأنه جماعة النخل لا واحد له من لفظه ، ولأن ذلك جهده في ستر العورة المأمور بها ، وذكر السامري أنه ينبغي ذلك ( وارتاد ) أي : طلب ( مكانا رخوا ) يجوز فيه فتح الراء وكسرها ، ومعناه : لينا هشا أو عال ، أو يلصق ذكره بالأرض الصلبة ، لما روى أبو موسى قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فأراد أن يبول ، فأتى [ ص: 83 ] دمثا في أصل جدار ، فبال ، ثم قال : إذا بال أحدكم فليرتد لبوله رواه أحمد ، وأبو داود ، ولأنه يأمن بذلك من رشاش البول .

( ولا يبول في شق ) بفتح الشين ، واحد الشقوق ( ولا سرب ) بفتح السين والراء ، عبارة عن الثقب ، وهو ما يتخذه الدبيب ، والهوام بيتا في الأرض ، لما روى قتادة ، عن عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الجحر ، قالوا لقتادة : ما يكره من البول في الجحر ؛ قال : يقال : إنها مساكن الجن رواه أحمد ، وأبو داود ، وقد روي أن سعد بن عبادة بال بجحر بالشام ، ثم استلقى ميتا ، فسمع من بئر المدينة قائل يقول :


نحن قتلنا سيد الخز رج سعد بن عباده     ورميناه بسهميـ
ـن فلم نخط فؤاده

فحفظوا ذلك ، فوجدوه في اليوم الذي مات فيه سعد ، ولأنه يخاف أن يخرج ببوله دابة تؤذيه ، أو ترده عليه فتنجسه ، والمراد بهذا النهي الكراهة ، صرح به في " الفروع " كمورد ماء ، وفم بالوعة ، وكذا يكره على نار - لأنه يورث السقم - ورماد ، قاله في " الرعاية " ، ومثله على قرع ، وهو الموضع المتجرد من النبت بين بقايا منه ( ولا طريق ) ، وقيده ابن تميم بأن يكون مأتيا ، والأشهر [ ص: 84 ] عدمه ، ( ولا ظل نافع ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا اللاعنين ، قالوا : وما اللاعنان ؛ قال : الذي يتخلى في طرق الناس ، أو في ظلهم رواه مسلم . ففي إضافة الظل إليهم دليل على أن المراد المنتفع به ، ولم يقيده في " المستوعب " ، والأصح ما ذكرنا ( ولا تحت شجرة مثمرة ) ، وهي التي أثمرت ، أو قرب ثمرها ، لأنه يفسد على الناس ثمرهم ، أو تعافها النفس ، فأما إذا لم تكن مثمرة ، أو ليس وقت ثمر جاز إن لم يكن ظلا نافعا ، لأن أثرها يزول بالأمطار ، وغيرها ، إلى مجيء الثمر ، ذكره في " شرح العمدة " ، ودل كلامه أن الغائط أشد من البول لغلاظته ، ولا يطهر بصب الماء عليه .

تذنيب : لا يبول في راكد ، نص عليه ، وإن بلغ حدا لا يمكن نزحه ، وأطلق البغدادي تحريمه فيه ، ولا يجوز أن يتغوط في جار لبقاء أثره ، وقد صرح به ابن تميم قال في " الشرح " : فأما البول فيه فلا بأس به إذا كان كثيرا ، وظاهر كلام غيره الجواز مطلقا . ولا يبول في موضع الوضوء ، أو الغسل ، نص عليه ، للنهي عنه : فإن بال وصب عليه الماء ، وكان مما لا يقف عليه ، فلا كراهة ، وفي " المغني " روايتان ، والمنصوص أنه يجوز في إناء بلا حاجة ، وقدم في " الرعاية " أنه يكره من غير حاجة ، ولا يبول على ما له حرمة ، ولا على ما نهي عن الاستجمار به لحرمته ، وفي " النهاية " يكره على الطعام ، كعلف دابة ، قال في " الفروع " وهو سهو .

[ ص: 85 ] فرع : يكره أن يتوضأ على موضع بوله ، أو يستنجي عليه ، لئلا يتنجس به ، فلو كان في الأبنية المتخذة لذلك ، فلا ينتقل عنها للمشقة ، أو كان بالحجر لم يكره ، لأنه لو انتقل لنضح بالنجاسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية