صفحة جزء
فصل ، ومن ارتد لم يزل ملكه بل يكون موقوفا ، وتصرفاته موقوفة ، فإن أسلم ثبت ملكه ، وتصرفاته ، وإلا بطلت ، وتقضى ديونه ، وأروش جناياته ، وينفق على من تلزمه مؤنته ، وما أتلف من شيء ضمنه ، ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته ، وقال أبو بكر : يزول ملكه بردته ، ولا يصح تصرفه ، وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا ، وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس ؛ على روايتين . وإذا ارتد الزوجان ، ولحقا بدار الحرب ، ثم قدر عليهما ، لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام ، ومن لم يسلم منهم قتل ، ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة ، وهل يقرون على كفرهم ؛ على روايتين .


فصل .

( ومن ارتد لم يزل ملكه ) أي : لا يحكم بزوال ملكه ، قدمه في " الكافي " ، و " المحرر " ، و " المستوعب " ، ونصره في " الشرح " ، لأن الردة سبب يبيح دمه ، فلم يزل ملكه بها ، كزنا المحصن ، لأن زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك كالقاتل [ ص: 185 ] في المحاربة ، وأهل الحرب ( بل يكون موقوفا ، وتصرفاته ) من البيع والهبة والوقف ونحوه ( موقوفة ) على المذهب ، قاله ابن المنجا : لأنه مال تعلق به حق الغير ، فكان التصرف فيه موقوفا ، كتبرع المريض ، ولكن المذهب : أنه يمنع من التصرف فيه ، قاله القاضي ، وأصحابه ، وفي " الوسيلة " نص عليه ، ونقل ابن هانئ : يمنع منه ، واختار المؤلف : أنه يترك عند ثقة ، وجعل في " الترغيب " كلام القاضي والمؤلف واحدا ، وكذا ذكره ابن البنا وغيره ، ونص عليه أحمد ، ولم يقولوا : يترك عند ثقة ، بل قالوا : يمنع منه ( فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته ) وكان ذلك صحيحا ( وإلا بطلت ) أي : إذا مات أو قتل في ردته ، كان باطلا تغليظا عليه بقطع ثوابه بخلاف المريض ، وينتقل ماله فيئا من حين موته ، وفي " المحرر " : على ذلك تنفذ معاوضته ، ويقر بيده ، وتوقف تبرعاته ، وترد بموته مرتدا ، ( وتقضى ديونه ) لا دين متجدد في الردة ( وأروش جناياته ) لأن ذلك حق واجب عليه ( وينفق على من تلزمه مؤنته ) لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع ، أشبه الدين ( وما أتلف من شيء ضمنه ) نص عليه ، لأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم ، فلأن يوجب على المرتد بطريق الأولى ، وعنه : إن فعله بدار حرب ، أو في جماعة مرتدة ، ممتنعة فلا ، اختاره الخلال ، وصاحبه ، والمؤلف ، لفعل الصحابة ، وكالكافر الأصلي إجماعا ، وقيل : هم كبغاة ، قال : وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن إجماعا .

فرع : يؤخذ بحد فعله في ردته نص عليه كقبلها ، وظاهر نقل مهنا ، واختاره جماعة : إن أسلم فلا ، كعبادته ، ( ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن [ ص: 186 ] ما أتلفته ) لأنها في معنى البغاة ، ولأن الباغي إنما لم يضمن ما أتلفه ، لأن في تضمينه تنفيرا له عن الرجوع إلى قبضة الإمام ، وهذا المعنى موجود في الجماعة المرتدة الممتنعة ، وصحح في " الشرح " ، و " الرعاية " أنه لا ضمان عليهم فيما أتلفوه حال الحرب ( وقال أبو بكر : يزول ملكه بردته ) واختاره أبو إسحاق ، وصاحب " التبصرة " ، و " الطريق الأقرب " ، وهو رواية ، لأن عصمة نفسه ، وماله إنما يثبت بإسلامه ، فزوال إسلامه مزيل عصمتهما ، كما لو لحق بدار الحرب ، ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه بردته ، فوجب أن يملكوا أمواله بها ، وعنه : إن مات أو قتل تبينا زواله من حين ردته ، فلو باع شقصا مشفوعا أخذ على الأولى ، وعلى الثانية يجعل في بيت المال ( ولا يصح تصرفه ) لأن ملكه قد زال بردته ، وجوابه : أن ملكه قد تعلق به حق غيره في بقاء ملكه فيه ، فكان تصرفه موقوفا ، كتصرف المريض .

( وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا ) أي : جديدا لزواله بردته .

تذنيب : إذا تزوج لم يصح ، لأنه لا يقر على النكاح كنكاح الكافر مسلمة ، وكذا لو زوج موليته لأن النكاح لا يكون موقوفا ، فلو وجد منه سبب يقتضي التمليك كالصيد ، والاتهاب ، والشراء ، ثبت الملك إن بقي ملكه ، وإلا فلا ، واحتج به في " الفصول " على بقاء ملكه ، وأن الدوام أولى ، وعلى رواية يرثه مسلم ، أو أهل دينه الذي اختاره ، فكمسلم فيه ، وفي " الانتصار " : لا قطع بسرقته لعدم عصمته ( وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس ؛ على روايتين ) إحداهما : يقضي ، صححها في " الرعاية " ، وجزم بها في " الوجيز " ، لأنها [ ص: 187 ] عبادة واجبة التزم بوجوبها ، واعترف به في زمن إسلامه فلزمه القضاء كغير المرتد ، والثانية : لا يلزمه ، وهي الأشهر ، لقوله تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ] الأنفال : 38 [ وكالحربي ، ولأن أبا بكر رضي الله عنه لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم ، وقدم المجد ، وابن تميم : أنه يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاة ، وصوم ، وزكاة ، وقيل : الحج ، رواية واحدة ، وذكر ابن تميم ، وابن حمدان : أنه لو جن بعد تركه لم تسقط عنه الصلاة ، وإن حاضت سقطت .

( وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ، ثم قدر عليهما ، لم يجز استرقاقهما ) لأنه لا يقر على الردة ، يدل عليه قوله عليه السلام : من بدل دينه فاقتلوه ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ، ولا يثبت لهم حكم الردة ، وقول علي : تسبى المرتدة ، ضعفه أحمد ( ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام ) لأنه محكوم بإسلامه بإسلام والده ، وكولد من أسر من ذمة ( ومن لم يسلم منهم قتل ) للخبر ، ويعتبر فيه بلوغهم ( ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة ) في المنصوص ، لأنه محكوم بكفره ، لأنه ولد بين أبوين كافرين ، وليس بمرتد ، نص عليه ، وهو ظاهر كلام جماعة ، كولد الحربيين ، وعنه : لا يجوز استرقاقهم .

فرع : الحمل حال ردته - ظاهر كلام الخرقي - أنه كالحادث بعد كفره ، واقتصر عليه في " الشرح " ، وفي " الكافي " الحمل كالولد الظاهر ، لأنه موجود ، ولهذا يرث ( وهل يقرون ؛ ) أي : من ولد بعد الردة ( على كفرهم على روايتين ) .

إحداهما ، وجزم بها في " الوجيز " : يقر على كفره ، كأولاد أهل الحرب ، وكالكافر [ ص: 188 ] الأصلي ، والجامع بينهما اشتراكهما في جواز الاسترقاق .

والثانية : لا يقرون ، فإذا أسلموا رقوا ، لأنهم أولاد من لا يقر على كفر ، فلا يقرون كالموجودين قبل الردة ، قال في " الفروع " : وهل يقر بجزية ، أم الإسلام ، ويرق ، أو القتل ؛ فيه روايتان .

فرع : إذا لحق بدار حرب ، فهو وما معه كحربي ، وما بدارنا فيء من حين موته . ولو ارتد أهل بلد ، وجرى فيه حكمهم ، فدار حرب يغنم مالهم ، وولد حدث بعد الردة ، وعلى الإمام قتالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية