صفحة جزء
فصل : والساحر الذي يركب المكنسة ، فتسير به في الهواء ، ونحوه ، يكفر ، ويقتل ، فأما الذي يسحر بالأدوية ، والتدخين ، وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ، ولا يقتل ، ولكن يعزر . ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص .


فصل .

اعلم أن السحر عقد ، ورقى ، وكلام يتكلم به ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور ، أو قلبه ، أو عقله من غير مباشرة له ، وله حقيقة في قول الأكثر ، فمنه ما يقتل ، ومنه ما يمرض ، ومنه ما يمنع الرجل من وطء امرأته ، ومنه ما يفرق بينهما ، وقال بعض العلماء : إنه لا حقيقة له ، وإنما هو تخييل ، لقوله تعالى : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ] طه : 66 [ وجوابه : قوله تعالى : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن ، ولولا أن له حقيقة لما أمر بالاستعاذة منه .

قال الأصحاب : يكفر الساحر بتعلمه وتعليمه كاعتقاد حله ، وعنه : لا ، اختاره ابن عقيل ، وجزم به في " التبصرة " ، وكفره أبو بكر بعمله ، قال في [ ص: 189 ] " الترغيب " : هو أشد تحريما ، وحمل ابن عقيل كلام أحمد في كفره على معتقده ، وأن فاعله يفسق ، ويقتل حدا ( و ) هو ( الساحر الذي يركب المكنسة ، فتسير به في الهواء ، ونحوه يكفر ) لقوله تعالى وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ] البقرة : 103 [ ( ويقتل ) بالسيف ، لما روى جندب مرفوعا ، قال : حد الساحر ضربة بالسيف . رواه الترمذي . وقال : الصحيح عن جندب موقوف ، وعن بجالة بن عبد ، قال : كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس ، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة : أن اقتلوا كل ساحر ، وساحرة ، رواه أحمد ، وسعيد ، وفي رواية : فقتلنا ثلاث سواحر في يوم واحد ، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها . رواه مالك . وروي عن عثمان ، وابن عمر ، وعن أحمد : لا يقتل به ، لحديث عائشة في المدبرة التي سحرتها فباعتها ، ولقوله عليه السلام : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث . الخبر . فإن قتل به قتل ، وعلى الأول : هذا في الساحر المسلم ، فأما ساحر أهل الكتاب فلا يقتل بسحره ، على الأصح ، وفي " التبصرة " : إن اعتقد جوازه ( فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ، ولا يقتل ) ذكره الأصحاب ، لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه ، فيختص الكفر بهم ، ويبقي من سواهم من السحرة على أصل العصمة ( ولكن يعزر ) إذا ارتكب معصية ، وفي " عيون المسائل " : إنه يعزر بما يردعه ، وما قاله غريب ، ووجهه : أنه يقصد الأذى بكلامه ، وعمله على وجه [ ص: 190 ] المكر والحيلة ، أشبه السحر ، ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر ، وينتج ما يعمله السحر ، أو أكثر ، فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين والمتقاربين ، لا سيما إن قلنا : يقتل الآمر بالقتل على رواية ، فهنا أولى ( ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص ) كما يقتص من المسلم ، وإلا فالدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية