صفحة جزء
وما عدا ذلك مباح كبهيمة الأنعام والخيل ، والدجاج ، والوحشي من البقر ، والظباء ، والحمر ، والزرافة ، والنعامة ، والأرنب ، والضبع ، والضب ، والزاغ ، وغراب الزرع ، وسائر الطير ، وجميع حيوان البحر إلا الضفدع ، والحية ، والتمساح ، وقال ابن حامد : وإلا الكوسج . وقال أبو علي النجاد : لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر ، كخنزير الماء ، وإنسانه . وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة ، ولبنها وبيضها حتى تحبس ، وعنه : تكره ، ولا تحرم ، وتحبس ثلاثا ، وعنه : يحبس الطائر ثلاثا ، والشاة سبعا ، وما عدا ذلك أربعين يوما .


( وما عدا هذا مباح ) بلا كراهة ، لعموم الأدلة الدالة على الإباحة ( كبهيمة الأنعام ) لقوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام ] المائدة : 1 [ ، وهي : الإبل ، والبقر ، والغنم ( والخيل ) عرابها وبراذينها ، نص عليه ، وهو قول أكثر الفقهاء ، لما روى جابر ، قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل . متفق عليه . ولأنه حيوان طاهر مستطاب ، ليس بذي ناب ، ولا مخلب ، فكان حلالا كبهيمة الأنعام ، وقال الأوزاعي : يكره ، لقوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ] النحل : 8 [ .

وعن خالد بن الوليد قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية ، وخيلها ، وبغالها . رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه . وجوابه : بأن قال أبو داود : هو منسوخ ، وقال النسائي : حديث الإباحة أصح ، ويشبه إن كان صحيحا أن [ ص: 200 ] يكون منسوخا ، قال النووي : اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف ، وقال الإمام أحمد : ليس له إسناد جيد ، وقال : فيه رجلان لا يعرفان ، وأما الآية فإنهم يتمسكون بدليل خطابها ، وهم لا يقولون به ، مع أن نصه على ركوبها لكونه أغلب منافعها لا يدل على تحريم أكلها ، وفي برذون رواية بالوقف ( والدجاج ) على اختلاف أنواعها ، وقال أبو موسى : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج ( والوحشي من البقر ، والظباء ، والحمر ) والتيس ، والوعل ، والمها ، وسائر الوحش من الصيود كلها ، وظاهره ولو تأنس ، وهو مجمع عليه إلا ما روي عن طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا تأنس واعتلف ، هو بمنزلة الأهلي ، قال أحمد : وما ظننت أنه روي في هذا شيء ، وليس الأمر عندي كما قال ، ولأن الضب إذا تأنست لم تحرم ، كالأهلي إذا توحش لم يحل ( والزرافة ) في المنصوص ، لأنها تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه ، وجسمها ألطف من جسمه وأعلا منه ، وذلك لا أثر له في تحريمها ، ولأنها مستطابة ليس لها ناب ، ولا هي من المستخبثات ، أشبهت الإبل ، وعنه : الوقف فيها ، وحرمها أبو الخطاب ، والأول أصح ( والنعامة ) بغير خلاف علمناه ، لقضاء الصحابة فيها بالفدية إذا قتلها المحرم ( والأرنب ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله . متفق عليه . وأمر بأكلها ، رواه أبو داود ، ولأنه حيوان مستطاب ليس بذي ناب ، أشبه الظباء ، ولا نعلم قائلا بتحريمه ، إلا ما روي عن عمرو بن العاص ، قاله في " الشرح " ، وذكر السامري ، وابن حمدان رواية بتحريمها ( والضبع ) وقد علم حكمها فيما سبق ، وفيها رواية قاله : ابن البنا ، وهي قول أكثر العلماء ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع ، فقال : ومن يأكل الضبع ؛ [ ص: 201 ] لكن هذا حديث تفرد به عبد الملك بن المخارق ، وهو متروك الحديث .

وفي " الروضة " : إن عرف منه أكل ميتة فكجلالة ( والضب ) قال ابن هبيرة : رواية واحدة ، وقاله الأكثر ، لما روى ابن عباس ، قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ ، فرفع يده ، فقلت : أحرام هو يا رسول الله ، قال : لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ، قال خالد : فاحتززته ، فأكلته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر . متفق عليه . وحديث النهي فيه ليس بثابت ( والزاغ ) وهو صغير أغبر ( وغراب الزرع ) وهو أسود كبير يطير مع الزاغ ، ولأن مرعاهما الزرع ، والحبوب ، أشبها الحجل ، وقيل : هما واحد ( وسائر ) أي : باقي ( الطير ) كالفواخت ، والقنابر ، والقطا ، والكركي ، والكروان ، والبط ، والإوز ، والحبارى ، لقول سفينة : أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبارى ، رواه أبو داود ، وكذلك الغرانيق ، والطواويس ، وطير الماء ، وأشباه ذلك .

ونقل مهنا : يؤكل الأيل ، قيل : إنه يأكل الخبائث ، فعجب من ذلك ( وجميع حيوان البحر ) لقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه ] المائدة : 96 [ ، ولقوله عليه السلام لما سئل عن ماء البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . رواه مالك . وفي الخبر أن الله أباح كل شيء في البحر لابن آدم ( إلا الضفدع ) نص عليه ، وقدمه أكثر الأصحاب ، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي . وقول الشعبي : لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم ، لا يعارضه ( والحية ) لأنها من الخبائث ، وفيها وجه وأطلقهما [ ص: 202 ] في " الفروع " ( والتمساح ) وفي " الوجيز " كـ " المقنع " : والأصح أنه محرم ، ونص عليه ، وعلله بأنه يأكل الناس . قال أحمد : يؤكل كل شيء في البحر ، إلا : الضفدع ، والحية ، والتمساح . وفيه رواية أنه يباح ، لأنه حيوان البحر ، ( وقال ابن حامد ) والقاضي ( وإلا الكوسج ) وهو مقتضى تعليل أحمد في التمساح ، وصحح في " الرعاية " أنه حلال ، وهو مقتضى مذهب الشافعي ، والأول أشهر ، وهو : سمكة في البحر لها خرطوم كالمنشار تفترس ، وربما التقمت ابن آدم وقصمته نصفين ، وهي القرش ، ويقال : إنها إذا صيدت ليلا وجدوا في جوفها شحمة طبية ، وإن صيدت نهارا لم يجدوها ( وقال أبو علي النجاد ) وحكاه ابن عقيل ، عن أبي بكر النجاد ، وحكاه في " التبصرة " رواية ( لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإنسانه ) لأن ذلك غير مباح في البر ، ويدخل فيه كلب الماء ، والمذهب أنه مباح ، لما روى البخاري أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه جلد من جلود كلاب الماء ، وهو قول أكثر العلماء ( وتحرم الجلالة التي أكثر علفها ) أي : غذائها ( النجاسة ) كذا في " المحرر " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ، لما روى ابن عمر ، قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب . وفي رواية لأبي داود : نهي عن ركوب الجلالة ، وفي أخرى له : نهي عن ركوب جلالة الإبل . وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية ، وعن ركوب الجلالة ، وأكل لحمها . رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي . قال القاضي : هي التي تأكل العذرة ، فإذا كان أكثر علفها النجاسة [ ص: 203 ] حرم لحمها ولبنها ، وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم ، قال المؤلف : وتحديدها بكون أكثر علفها النجاسة لم أسمعه عن أحمد ، ولا هو ظاهر كلامه ، لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها ، ويعفى عن اليسير ( ولبنها ) لما روى ابن عباس ، قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وإسناده ثقات ( وبيضها ) ولحمها ولبنها ، ولأنه متولد من النجاسة ( حتى تحبس ) إذ المنع يزول بحبسها ( وعنه : تكره ، ولا تحرم ) قال في " الشرح " : والعمل عليها ، لأنهم مختلفون في حرمته ، ولأنه حيوان أصله الإباحة لا ينجس بأكل النجاسات ، لأن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه ، والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يحكم بنجاسة ظاهره ، إذ لو نجس لما طهر بالإسلام والاغتسال ، وعلى الأول ( وتحبس ثلاثا ) أي : تحبس ثلاثة أيام ، نص عليه ، وهو المذهب ، لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا ، وأطعمت الطاهرات ( وعنه : يحبس الطائر ثلاثا ، والشاة سبعا ، وما عدا ذلك ) من الإبل والبقر ( أربعين يوما ) قدمها في " الكافي " ، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة ، أن يؤكل لحمها ، ولا يشرب لبنها ، ولا يحمل عليها إلا الأدم ، ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة . رواه الخلال . ولأنها أعظم جسما ، وعنه : يحبس غير طائر أربعين ، وعنه : والبقر ثلاثين ، ذكره في " الواضح " ، وهو وهم ، قاله ابن بطة ، وجزم به في " الروضة " ، وقيل : الكل أربعين ، وهو ظاهر رواية الشالنجي ، قال في " المحرر " : لا يجوز أن تعلف الإبل ، والبقر التي لا يراد ذبحها [ ص: 204 ] بالقرب الأطعمة النجسة أحيانا . انتهى . ويحرم علفها نجاسة ، تؤكل قريبا ، أو تحلب قريبا ، وإن تأخر ذبحه أو حلبه ، وقيل : بقدر حبسها المعتبر جاز في الأصح كغير المأكول على الأصح فيه ، وعنه : يكره إطعام الميتة كلبا معلما ، أو طائرا معلما ، والنص جوازه ، ونقل جماعة تحريم علفها مأكولا ، وقيل : يجوز مطلقا .

فرع : كره أحمد ركوبها ، لأنها ربما عرقت فأصابه ، وعنه : يحرم ، وسأله ابن هانئ : بقرة شربت خمرا أيجوز أكلها ؛ ، قال : لا ، حتى تنتظر أربعين يوما ، ذكره ابن بطة ، وأطلق في " الروضة " تحريم الجلالة ، وأن مثله خروف ارتضع من كلبة ، ثم شرب لبنا طاهرا ، وهو معنى كلام غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية