صفحة جزء
فصل الثالث : أن يقطع الحلقوم والمريء ، وعنه : يشترط مع ذلك قطع الودجين ، وإن نحره أجزأه ، وهو أن يطعنه بمحدد في لبته ، والمستحب أن ينحر البعير ، ويذبح ما سواه ، فإن عجز عن ذلك ، مثل أن يند البعير ، أو يتردى في بئر ، فلا يقدر على ذبحه ، صار كالصيد ، إذا جرحه في أي موضع أمكنه ، فقتله حل أكله ، إلا أن يموت بغيره ، مثل أن يكون رأسه في الماء ، فلا يباح ، وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ ، فأتت السكين على موضع ذبحها ، وهي في الحياة أكلت ، وإن فعله عمدا ، فعلى وجهين . وكل ما وجد فيه سبب الموت ، كالمنخنقة ، والمتردية ، والنطيحة ، وأكيلة السبع ، إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت ، وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل .


فصل .

( الثالث : أن يقطع ) من الحيوان المقدور عليه ( الحلقوم والمريء ) وهي : الوهدة التي تربط بين أصل العنق والصدر ، ولا يجوز في غير ذلك إجماعا ، قال [ ص: 218 ] عمر : النحر في اللبة ، والحلق لمن قدر ، احتج به أحمد ، وروى سعيد ، والأثرم ، عن أبي هريرة قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في فجاج بيتنا : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة . رواه الدارقطني بإسناد جيد . وأما حديث أبي العشراء عن أبيه ، قال : قلت : يا رسول الله ، أما تكون الذكاة في الحلق واللبة ؛ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأك . رواه أحمد . وقال أبو العشراء ليس بمعروف ، وحديثه غلط ، وأبو داود والترمذي ، وقال : غريب ، وقال البخاري : في حديثه ، واسمه ، وسماعه من أبيه نظر ، وقال المجد في أحكامه : هذا فيما لم يقدر عليه ، فعلى هذا يشترط قطع الحلقوم والمريء ، وهما مجرى الطعام والنفس ، اختاره الخرقي ، وقدمه في " الرعاية " ، و " الكافي " ، وذكر أنه أولى ، ورجحه في " الشرح " ، لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة معه ، أشبه ما لو قطع الأربعة ، واختص الذبح بالمحل المذكور ، لأنه مجمع العروق بالذبح فيه الدماء السيالة ، ويسرع زهوق الروح ، فيكون أطيب للحم ، وأخف على الحيوان ( وعنه : يشترط مع ذلك قطع الودجين ) اختاره أبو محمد الجوزي ، وجزم به في " الروضة " ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان ، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ، ولا تفري الأوداج ، رواه أبو داود ، وقال سعيد : ثنا إسماعيل بن زكريا ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، عن ابن عباس قال : إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل ، إسناده حسن ، وهما عرقان محيطان بالحلقوم ، وعنه : أو أحدهما ، وفي " الإيضاح " : الحلقوم والودجين ، وفي " الإرشاد " : المريء والودجين ، وفي " الكافي " ، و " الرعاية " : يكفي قطع الأوداج وحدها ، لكن لو قطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل ، قاله الشيخ تقي الدين ، وذكر وجها : يكفي [ ص: 219 ] قطع ثلاث من الأربعة ، وظاهره : لا يضر رفع يده إن أتم الذكاة على الفور ، واعتبر في " الترغيب " قطعا تاما ، فلو بقي من الحلقوم جلدة ، ولم ينفذ القطع ، وانتهى الحيوان إلى حركة المذبوح ثم قطع الجلدة لم يحل .

فرع : إذا أبان رأسه بالذبح ، لم يحرم به المذبوح قدمه في " المحرر " ، وأكله مباح ، قاله في " المستوعب " ، وفي " الرعاية " : يكره ويحل ، وعنه : لا يحل ، والأول المذهب ، قال أحمد : لو أن رجلا ضرب رأس بطة ، أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكل ، روي عن علي ، وعمران ، لأنه اجتمع قطع ما لا تبقى الحياة معه مع الذبح ( وإن نحره أجزأه ) أي : إذا نحر ما يذبح أجزأه في قول الأكثر كعكسه ، لقوله عليه السلام : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكل وقالت أسماء : نحرنا فرسا ، وفي رواية : ذبحنا ، وقالت عائشة : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة ، ولأنه ذكاه في محله ، فجاز أكله كالحيوان الآخر ، ونقل ابن أبي موسى أنه توقف في ذبح البقر ، قال : والأول عنه أظهر ، وعنه : يكره ذبح إبل ، وعنه : ولا تؤكل ( وهو أن يطعنه بمحدد في لبته ) فبيان لمعنى النحر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هكذا يفعلون ، ونقل الميموني : أن ابن عباس ، وابن عمر قالا : النحر في اللبة ، والذبح في الحلق ، والذبح والنحر في البقر واحد ( والمستحب أن ينحر البعير ، ويذبح ما سواه ) بغير خلاف ، قاله في " الشرح " ، لقوله تعالى : فصل لربك وانحر ] الكوثر : 2 [ ولقوله تعالى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ] البقرة : 67 [ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنحر ، لأن أغلب ماشية قومه الإبل ، وأمر بنو إسرائيل بالذبح ، لأن غالب ماشيتهم البقر ، ولأنه عليه السلام نحر البدن ، وذبح كبشين أملحين بيده ، [ ص: 220 ] متفق عليه . وفي " الترغيب " رواية : ينحر البقر ، وعند ابن عقيل : إن ما صعب وضعه في الأرض نحر ( فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير ) أي : إذا ذهب على وجهه شاردا ( أو يتردى ) أي : يسقط ( في بئر فلا يقدر على ذبحه ، صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله ) روي عن علي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وقاله أكثر العلماء ، لما روى رافع بن خديج ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير ، وفي القوم خيل يسيرة ، فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم ، فقال النبي : صلى الله عليه وسلم : إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش ، فما غلبكم فاصنعوا به هكذا . متفق عليه . ولأن الاعتبار في الذكاة بحال الحيوان وقت ذبحه ، لا بأصله ، بدليل الوحشي إذا قدر عليه وجبت ذكاته في الحلق ، واللبة ، فكذلك الأهلي إذا توحش ، وذكر أبو الفرج : يقتل مثله غالبا ، وقال مالك : لا يجوز أكله ، إلا أن يذكى ، قال أحمد : لعله لم يبلغه حديث رافع ( إلا أن يموت بغيره ، مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح ) نص عليه ، وهو قول الأصحاب ، لأنه لا يعلم أن الذبح قتله ، ولأن الماء أعان على قتله فحرم ، كما لو جرح الصيد مسلم ومجوسي ، وقيل : يحل إن جرحه بجرح موح ( وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ ، فأتت السكين ) ولو عبر بالآلة لعم ( على موضع ذبحها وهي في الحياة ) أي : فيه حياة مستقرة ، ويعلم ذلك بوجود الحركة ، وعنه : أو لا ، وفي " المغني " : غلب بقاؤها ( أكلت ) قدمه في " المستوعب " و " الفروع " ، وجزم به في " المحرر " و " الوجيز " ، لأنها حلت بالذبح ، وفي " الترغيب " رواية : يحرم مع حياة مستقرة ، وهو ظاهر ما رواه جماعة .

[ ص: 221 ] ( وإن فعله عمدا فعلى وجهين ) وفي " المحرر " و " الفروع " : هما روايتان ، إحداهما : لا تباح ، روي عن علي ، وهو ظاهر الخرقي ، لأنه محل الذبح ، كما لو بقر بطنها . والثانية : تحل إذا بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء ، وقاله القاضي ، وهي أصح ، لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة حل كالمتردية ، وعنه : ما يدل على إباحته مطلقا ، وفي " الشرح " : إن ذبحها من قفاها ، ولم يعلم هل كانت فيه حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا ، نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك ، لحدة الآلة وسرعة القطع ، فالأولى إباحته ، وإن كانت كآلة ، وأبطأ قطعه ، وطال تعذيبه لم يبح .

فرع : ملتو عنقه كمعجوز عنه ، قاله القاضي ، وقبل : حكمه كذلك . ( وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة ، والمتردية ، والنطيحة ، وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها ، وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت ) لقوله تعالى : إلا ما ذكيتم ] المائدة : 3 [ ، ولحديث جارية كعب ، ولما روى سعيد ، ثنا سفيان ، حدثني الزبير بن الربيع ، عن أبي طلحة الأسدي ، قال : أتيت ابن عباس ، فسمعته يقول في شاة وقع قصبتها ، أي : الأمعاء بالأرض ، فأدركها فذبحها بحجر ، يلقي ما أصاب الأرض ، ويأكل سائرها ، وسواء انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ، قاله في " الشرح " ، وقدم السامري : أنها إذا بلغت مبلغا لا تعيش لمثله لم تحل ، قال ابن هبيرة : هو أظهر الروايتين ، وذكره ابن أبي موسى : إن رجا حياتها حلت ، وفي " المحرر " و " الوجيز " : أنها تحل بشرط أن تتحرك عند الذبح ، ولو بيد ، أو رجل ، أو طرف ذنب ، وحكاه في " الفروع " قولا .

[ ص: 222 ] وقيل : أو لا ، ونقل الأثرم وغيره ما تيقن أنه يموت بالسبب ، وعنه : لدون أكثر يوم ، لم يحل . والصحيح : أنها إذا كانت تعيش زمانا يكون بالموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح ، وعنه : يحل مذكى قبل موته مطلقا ، وفي كتاب الآدمي البغدادي : وتشترط حياة يذهبها الذبح ، اختاره أبو محمد الجوزي ، وعنه : إن تحرك ، ذكره في " المبهج " ، ونقله عبد الله والمروذي وأبو طالب ، وفي " الترغيب " : لو ذبح وشك في الحياة المستقرة ، ووجد ما يقارب الحركة المعهودة في التذكية المعتادة ، حل في المنصوص ، ومرادهم بالحياة المستقرة ما جاز بقاؤها أكثر اليوم ( وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل ) لأنه صار في حكم الميتة ، كما لو ذبحها بعد ذبح الوثني ، وكذا في " الكافي " ، وغيره .

فرع : ومريضة ، وما صيد بشبكة ، أو شرك ، أو أحبولة ، أو فخ ، أو أنقذه من مهلكة ، فهو كمنخنقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية