صفحة جزء
فصل : ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة ، والذبح بآلة كالة ، وأن يحد السكين والحيوان يبصره ، وأن يكسر عنق الحيوان ، أو يسلخه حتى يبرد . فإن فعل أساء وأكلت ، وإذا ذبح الحيوان ، ثم غرق في ماء ، أو وطئ عليه شيء يقتل مثله ، فهل يحل ؛ على روايتين . وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه ، كذي الظفر لم يحرم علينا . وإن ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم ، وهو شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد ، واختاره ابن حامد ، وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد ، واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه . وإن ذبح لعيده ، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم ، نص عليه ، ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا ، أو طائرا فوجد في حوصلته حبا ، أو وجد الحب في بعر الجمل ، لم يحرم ، وعنه : يحرم .


فصل

( ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة ) قاله ابن عمر وابن سيرين ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة ، وقال : وجهت وجهي الآيتين الأنعام 79 80 ، ولأنه قد يكون قربة كالأضحية ، فكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة كالأذان ، فيسن توجيهها إلى القبلة على شقها الأيسر ، ورفقه بها ، وحمله على الآلة بقوة ، وإسراعه بالشحط ( والذبح بآلة كالة ) لقوله عليه السلام : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته .

قال الشيخ تقي الدين في هذا الحديث : إن الإحسان واجب على كل حال ، حتى في حال إزهاق النفوس ، ناطقها وبهيمها ، ولأن الذبح بآلة كالة فيه تعذيب للحيوان ( وأن يحد السكين ، والحيوان يبصره ) لأن عمر رأى رجلا وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة ، ويكره ذبح شاة ، والآخر ينظر إليه كذلك ( وأن يكسر عنق الحيوان ، أو يسلخه حتى يبرد ) أي : حتى تزهق نفسه ، لقوله عليه السلام : لا تعجلوا الأنفس أن تزهق . رواه الدارقطني بإسناد ضعيف . وعن عمر معناه ، ولأن في ذلك تعذيبا للحيوان ، وحرمهما القاضي وغيره ، نقل حنبل : لا يفعل ، وفي الترغيب : يكره قطع [ ص: 227 ] رأسه قبل سلخه ، ونقل حنبل : لا يفعل ، وكذا يكره قطع عضو منه قبل الزهوق ، وقاله الأكثر ( فإن فعل أساء ، وأكلت ) لأن ذلك حصل بعد حلها وذبحها ، سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها ، فقال : يأكلها ، قيل له : والذي بان منها ؛ ، قال : نعم ، قال البخاري : قال ابن عمر وابن عباس : إذا قطع الرأس فلا بأس به ، فلو قطع منه شيئا وفيه حياة مستقرة ، فهو ميتة . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال : حسن غريب ، والعمل عليه عند أهل العلم ، ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح ، وليس هذا بذبح ، نقلابن منصور : أكره نفخ اللحم ، قال في المغني : الذي للبيع ، لأنه غش ( وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله ، فهل يحل ؛ على روايتين ) .

أنصهما : لا يحل ، وذكره الخرقي ، وجزم به في الوجيز ، لأن ذلك يعين على زهوق النفس ، فيحصل من سبب مبيح ومحرم .

والثانية : بلى ، قدمها في الرعاية ، وذكر في الكافي والشرح : أنها قول أكثر أصحابنا ، وهي قول أكثر الفقهاء ، لحصول ذبحه ، وطرئان الأسباب المذكورة حصل بعد الموت بالذبح ، فلم يؤثر ما أصابه ، لحصوله بعد الحكم بحله ( وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر ) من الإبل ونحوها ( لم يحرم علينا ) في ظاهر كلام أحمد ، قال ابن حمدان : وهو أظهر ، لأنه من أهل الذكاة ، وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم ، وقدم في المحرر والرعاية ، وجزم به في الوجيز : أنه يحرم ، وقيل : لا ، كظنه تحريمه عليه ، فلم يكن ، ذكر أبو الحسين : أن الخلاف في ذي الظفر كالخلاف في تحريم الشحوم المحرمة عليهم ، وعلم منه أنها تحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها ، لأن الحكم لاعتقادنا .

[ ص: 228 ] مسألة : ذو الظفر ما ليس بمنفرج الأصابع ، كإبل ونعام وبط ووز ، قاله ابن عباس وجمع ، وقيل : هي الإبل خاصة ، وعند ابن قتيبة : هي كل ذي حافر من الدواب ، ومخلب من الطير ( وإن ذبح ) أي : الكتابي ( حيوانا غيره ) أي : ما يحل له ( لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم ، وهو شحم الثرب ) وهو بوزن فلس ، يغشي الكرش والأمعاء رقيق ( والكليتين ) واحدها كلية وكلوة ، بضم الكاف فيها ، والجمع كليات وكلى ( في ظاهر كلام أحمد ، واختاره ابن حامد ) وأبو الخطاب ، وجزم به في الوجيز ( وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد ) لما روى عبد الله بن مغفل ، قال : أصبت من شحم يوم خيبر فالتزمته ، فقلت : لا أعطي اليوم أحدا شيئا ، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما . رواه مسلم . ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم ، كذكاة المسلم ، وكذبح حنفي حيوانا فتبين حاملا ونحوه ، وعلم منه أنه يحرم على اليهود شحم الثرب والكلية من بقر وغنم ، نص عليه ، لقوله تعالى : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ] الأنعام : 146 [ أي : حرمنا على اليهود كل ذي ظفر وجميع شحوم البقر والغنم ، وهي الثرب والكلى ( إلا ما حملت ظهورهما ) ما علق بالظهر والجنب من داخل ( أو الحوايا ) وهي : المصارين ( أو ما اختلط بعظم ) هو شحم الإلية ، لما فيها من العظم ( واختار أبو الحسن التميمي والقاضي ) وأبو بكر وأبو حفص البرمكي ، واختاره الأكثر ، قاله في الواضح ، وصححه في عيون المسائل ، لقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم [ المائدة : 5 [ ، وهذا ليس من طعامهم ، ولأنه جزء من البهيمة لم تبح لذابحها ، فلم تبح لغيره كالدم ، [ ص: 229 ] وعلله القاضي بأن الذكاة تفتقر إلى القصد ، والكتابي لم يقصد ذكاة هذا الشحم ، وجوابه : أن الآية حجة لنا ، فإن معنى طعامهم ذبائحهم ، فعلى هذا يجوز تملكها منهم .

فرع : يحرم علينا إطعامهم شحما من ذبحنا ، نص عليه ، وقال ابن عقيل : نسخ في حقهم أيضا .

( وإن ذبح لعيده ، أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم ، نص عليه ) لأنه من جملة طعامهم ، فدخل في عموم الآية ، ولأنه قصد الذكاة ، وهو ممن تحل ذبيحته ، وعنه لا تحل ، اختاره الشيخ تقي الدين ، لأنه أهل به لغير الله تعالى ، والأول هو المعول عليه ، لما روي عن العرباض بن سارية ، قال : كلوا وأطعموني . رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش ، عن بشر بن كريت الأملولي ، وعن أبي أمامة ، وأبي الدرداء كذلك ، رواهما سعيد من رواية إسماعيل بن عياش ، عن أبي بكر بن أبي مريم الشامي ، وهو ضعيف ، وفي الرعاية : إنه مكروه ، نص عليه ، ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله ، ونقل عبد الله : لا يعجبني ما ذبح للزهرة والكواكب والكنيسة ، وكل شيء ذبح لغير الله ، وذكر الآية ، وعلم منه أن ما ذبحه مسلم لكتابي أو مجوسي من ذلك فإنه يحل ، نص عليه .

( ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا ) أو سمكة في بطن أخرى ( أو طائرا ، فوجد في حوصلته حبا ، أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم ) صححه المؤلف والجد ، ونصره في الشرح ، لقوله عليه السلام : أحل لنا [ ص: 230 ] ميتتان ودمان . الخبر . ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر ، لا تعتبر له ذكاة ، فأبيح كالطافي ( وعنه : يحرم ) لأنه رجيع ، فيكون مستخبثا ، وفي عيون المسائل : يحرم جراد في بطن سمك ، لأنه من صيد البر ، وميتته حرام ، لا العكس كحل ميتة صيد البحر .

تنبيه : يحرم بول طاهر كروثه ، وأباحه القاضي ، وذكر رواية في بول الإبل وفاقا لمحمد بن الحسن ، ونقل الجماعة فيه : لا ، وكلامه في الخلاف يدل على حل بوله وروثه ، لأنه معتاد يحلله كاللبن ، وبأنه تبع للحم ، واحتج في الفصول بإباحة شربه كاللبن ، ودلت على الوصف قصة العرنيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية