صفحة جزء
فصل : الثاني : الآلة ، وهي نوعان ، محدد ، فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ، ولا بد من جرحه به ، فإن قتله بثقلة لم يبح . وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه ، وإن نصب مناجل أو سكاكين ، وسمى عند نصبها ، فقتلت صيدا أبيح ، وإن قتل بسهم مسموم ، لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله . ولو رماه فوقع في ماء ، أو تردى من جبل ، أو وطئ عليه شيء فقتله ، لم يحل ، إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة ، فهل يحل ؛ على روايتين . وإن رماه في الهواء فوقع على الأرض ، فمات ، حل . وإن رمى صيدا فغاب عنه ، ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه ، حل ، وعنه : إن كانت الجراح موحية حل ، وإلا فلا ، وعنه : إن وجده في يومه حل ، وإلا فلا . وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح ، وإن ضربه فأبان منه عضوا ، وبقيت فيه حياة مستقرة ، لم يبح ما أبان منه ، وإن بقي معلقا بجلدة حل ، وإن أبانه ومات في الحال ، حل الجميع ، وعنه : لا يباح ما أبان منه ، وإن أخذ قطعة من حوت ونحوه ، وأفلت حيا ، أبيح ما أخذ منه . وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ ، فلا يباح ما قتل به ، لأنه وقيذ .


فصل .

( الثاني : الآلة وهي نوعان محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ) لأنها مما لا بد منها فيجب أن يشترط للمحدد ما يشترط لآلة الذكاة ( ولا بد من جرحه به ) نص عليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعدي : ما رميت بالمعراض فخرق فكله ، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله . متفق عليه ( فإن قتله بثقلة لم يبح ) لأنه وقيذ ، [ ص: 237 ] فيدخل في عموم الآية ، وسواء أكان بشبكة أو فخ أو بندقة ، ولو شدخته ، نقله الميموني ( وإن صاد بالمعراض ) قال في المشارق : هو خشبة محددة الطرف ، وقيل : فيه حديدة ( أكل ما قتل بحده ) قال أحمد : المعراض يشبه السهم ، يحذف به الصيد ، فربما أصاب الصيد بحده ، فخرق ، فهو مباح ( دون عرضه ) للخبر ، وفي الترغيب والمستوعب : ولم يجرحه ، وهو ظاهر نصوصه ، لأنه وقيذ ، وهو قول الأكثر ، وحكم الصوان الذي له حد كالمعراض ( وإن نصب مناجل أو سكاكين ، وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح ) إذا جرحه ، روي عن ابن عمر ، وقاله الحسن وقتادة ، لأن النصب جرى مجرى المباشرة في الضمان ، فكذا في الإباحة ، وقال الشافعي : لا يباح بحال ، كما لو نصب سكينا فذبحت شاة ، ولأنه لو رمى سهما ، وهو لا يرى صيدا ، فقتل صيدا لم يحل ، وهذا أولى ، وجوابه : قوله عليه السلام : كل ما ردت عليك يدك ولأنه قتل الصيد بما له حد ، جرت العادة بالصيد به ، أشبه ما لو رماه وفارق ما إذا نصب سكينا ، فإن العادة لم تجر بالصيد بها ، وإذا رمى سهما وهو لا يرى صيدا ، فليس ذلك بمعتاد ، والظاهر أنه لا يصيب صيدا فلم يصح قصده بخلاف هذا ، وقيل : يحل مطلقا ، فإن بان منه عضو ، فحكمه حكم البائن بضربة الصائد ، وحيث حل فظاهره يحل ، ولو ارتد أو مات ( وإن قتل بسهم مسموم ، لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله ) كذا عبر به في الهداية والمذهب والمحرر والوجيز ، لأنه اجتمع مبيح ومحرم ، فغلب المحرم ، وكسهمي مسلم ومجوسي ، ولأنه يخاف من ضرر السم ، فعلى هذا : إن لم يغلب على ظنه أن السم أعان على قتله فهو مباح ، وفي الكافي [ ص: 238 ] وغيره : إذا اجتمع في الصيد مبيح ومحرم ، مثل أن يقتله بمثقل ومحدد ، أو بسهم مسموم وغيره ، إلى آخره ، لم يبح ، لقوله عليه السلام : وإن وجدت معه غيره فلا تأكل وبأن الأصل الحظر ، فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله ، ونقل ابن منصور : إذا علم أنه أعان لم يأكل ، قال في الفروع : وليس هذا في كلام أحمد بمراد ، وفي الفصول : إذا رمي بسهم مسموم لم يبح ، لعل السم أعان عليه ، فهو كما لو شارك السهم تغريق بالماء ( ولو رماه فوقع في ماء ، أو تردى من جبل ، أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل ) لأنه يغلب على الظن موته بالمشارك ( إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة ، فهل يحل ؛ على روايتين ) كذا في المحرر ، أشهرهما ، واختارها الخرقي : أنه يحرم ، لأنه اجتمع مبيح ومحرم ، أشبه المتولد بين مأكول وغيره ، والثانية : يحل ، وجزم به أكثر الأصحاب ، لأنه قد صار في حكم الميت بالذبح ، وجوابه : قوله عليه السلام : فإن وجدته غريقا في الماء فلا . متفق عليه . وهذا ظاهر قول ابن مسعود ، رواه سعيد ، وإسناده ثقات ، ولا خلاف إذا كانت موحية ، ويستثنى من ذلك ما لو وقع في الماء على وجه لا يقتله : مثل أن يكون رأسه خارجا من الماء ، أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء ، أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان ، فلا خلاف في إباحته ، لأن التردي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا ، أو معينا على القتل ، وهذا منتف هنا ( وإن رماه في الهواء ) أو على شجرة أو جبل ، ولو عبر بالعلو لعم ( فوقع على الأرض فمات ، حل ) لأن الظاهر زهوق روحه بالرمي ، لا بالوقوع ، وعنه : يحل بجرح موح ، جزم به في الروضة ، لقوله تعالى : [ ص: 239 ] والمتردية ] المائدة : 3 [ وجوابه : أن سقوطه لا يمكن الاحتراز عنه ، فوجب أن يحل ، كما لو أصابه فوقع على جنبه ، والماء يمكن الاحتراز عنه ، بخلاف الأرض ( وإن رمى صيدا فغاب عنه ، ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه ، حل ) في الأشهر عن أحمد ، وهو الأصح ، لحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أفتني في سهمي ، قال : ما رد عليك سهمك فكل ، قال : فإن تغيب عني ، قال : وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه غير سهمك . رواه أبو داود . ولأن جرحه بسهمه سبب إباحته ، وقد وجد يقينا ، والمعارض له مشكوك فيه ، وكما لو وجده بفم كلبه ، أو وهو يعبث به ، أو سهمه فيه ، ولا فرق فيه بين أن تكون الجراحة موحية أو لا ، وجده ميتا في يومه أو في غيره ، لكن لو غاب قبل تحقق الإصابة ، ثم وجده عقيرا وحده والسهم والكلب ناحية ، لم يبح ( وعنه : إن كانت الجراح موحية حل ) لأنه إذا كان كذلك ظهر إسناد الزهوق إليه ( وإلا فلا ) أي : إذا لم يكن موحيا لم يظهر إسناد الزهوق إليه ( وعنه : إن وجده في يومه حل ، وإلا فلا ) لما روى ابن عباس ، قال : إذا رميت فأقعصت فكل ، وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل ، وإن غاب عنك فلا تأكل ، لأنك لا تدري ما حدث بعدك ، لا يقال : الأول مطلق ، وهذا مقيد ، فيحمل عليه ، لأنه متبين له ، وقد جاء مصرحا به ، في حديث عدي مرفوعا ، قال : إذا رميت الصيد فوجدته بعد يومين ، ليس فيه إلا أثر سهمك ، فكل ، وعنه : إن غاب مدة قريبة حل ، وإلا فلا ، ونقل ابن منصور : إن غاب نهارا حل ، لا ليلا ، قال ابن عقيل وغيره : لأن الغالب من [ ص: 240 ] حال الليل تخطف الهوام ، وعنه : يكره أكل ما غاب ( وإن وجد به غير أثر سهمه ، مما يحتمل أن يكون أعان على قتله ، لم يبح ) نص عليه للأخبار ، وكما لو وجد مع كلبه كلبا سواه ، ولم يعتبروا هنا بالظن ، كالسهم المسموم ، قال في الفروع : وتتوجه التسوية لعدم الفرق ، وأن المراد بالظن الاحتمال ، فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله ، فهو مباح ، لأن هذا يعلم أنه لم يقتله .

فرع : إذا غاب قبل عقره ، ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ، ففي المنتخب والمغني : إنه حلال ، وعنه : يحرم كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحيته ، وظاهر رواية الأثرم وحنبل حله ، وجزم به في الروضة ( وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة ، لم يبح ما أبان منه ) هذا المذهب ، لقوله عليه السلام : ما أبين من حي فهو ميت وعنه إن ذكي حل البائن ، وإن كثر كبقيته ، وإن قطعه قطعتين ، أو قطع رأسه ، حل الجميع ، فإن لم تبق فيه حياة معتبرة فروايتان ، أشهرهما : إباحتهما ، روي عن علي ، والثانية : لا يباح ما أبان منه ، لعموم الخبر ، والأول المذهب ، لأن ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لجميعه ، كما لو قده نصفين ، والخبر يقتضي أن يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا .

( وإن بقي معلقا بجلدة حل ) رواية واحدة ، لأنه لم يبن ( وإن أبانه ومات في الحال ، حل الجميع ) على المشهور ، كما لو قطعه قطعتين ( وعنه : لا يباح ما أبان منه ) للخبر ، ولأن ما أبين منه لا يمنع بقاء الحياة في العادة ، فلم يبح كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة ، وجوابه سبق ، بدليل المذبوح ، فإنه ربما بقي ساعة ، وربما مشى حتى يموت ، ومع هذا هو حلال ( وإن أخذ قطعة من [ ص: 241 ] حوت ونحوه ، وأفلت حيا ، أبيح ما أخذ منه ) لأن أقصى ما فيه أنه ميتة ، وميتته حلال للخبر .

تذنيب : قال أحمد : لا بأس بصيد الليل ، قال يزيد بن هارون : ما علمت أحدا كرهه ، ولم يكره أحمد صيد الفراخ الصغار من أوكارها ، وفي المستوعب : لا بأس بصيد الصيد الوحشي بالليل من غير أوكارها ، ويكره في غيرها ، وقال الحسن : لا بأس بالطريدة ، كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم ، واستحسنه أبو عبد الله ، ومعناها أن يقع الصيد بين القوم ، فيقطع كل منهم قطعة بسيفه ، حتى يؤتى على آخره ، وهو حي ، قال : وليس هو عندي إلا أن يصيد الصيد ، يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته ، ويأخذونه قطعا ، ذكره في المغني والشرح ( وأما ما ليس بمحدد كالبندق ، والحجر ) الذي لا حد له ( والعصا ، والشبكة ، والفخ ، فلا يباح ما قتل به ) بغير خلاف نعلمه ، إلا عن الحسن ، وروى شعبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن المسيب ، قال عمار : إذا رميت بالحجر أو المعراض أو البندقة فذكرت اسم الله فكل ، وإن قل ، وجوابه : قوله تعالى : حرمت عليكم الآية ] المائدة : 3 [ ( لأنه وقيذ ) لأنه قتله بغير محدد ، فوجب ألا يباح ، كما لو ضرب شاة بعصا فماتت ، قال ابن قتيبة : الموقوذة التي تضرب حتى توقذ ، أي : تشرف على الموت ، قال قتادة : كانوا يضربونها بالعصا ، فإذا ماتت أكلوها ، دليل الأكثر ما روى سعيد ، ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عدي مرفوعا : إذا رميت [ ص: 242 ] فسميت فخرقت فكل ، وإن لم تخرق فلا تأكل ، ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت ، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت . ورواه أحمد أيضا ، وإبراهيم لم يلق عديا ، قال في المغني : ولو شدخه أو خرقه ، نص عليه .

فائدة : يكره الصيد بمثقل لا يجرح ، وعن عبد الله بن مغفل قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف ، وقال : إنها لا تصيد صيدا ، ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن ، وتفقأ العين . أخرجاه في الصحيحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية