صفحة جزء
النوع الثاني : الجارحة ، فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة ، إلا الكلب الأسود البهيم ، فلا يباح صيده . والجوارح نوعان : ما يصيد بنابه ، كالكلب والفهد ، فتعليمه بثلاثة أشياء : بأن يسترسل إذا أرسل ، وينزجر إذا زجر ، وإذا أمسك لم يأكل ، ولا يعتبر تكرر ذلك منه ، فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ، ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين . والأخرى : يحل . والثاني : ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين ، فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ، ويجيب إذا دعي ، ولا يعتبر ترك الأكل ، ولا بد أن يجرح الصيد ، فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح ، وقال ابن حامد : يباح . وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله ؛ على وجهين .


( النوع الثاني : الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة ) لقوله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم ] المائدة : 4 [ قال ابن حزم اتفقوا فيما إذا قتله الكلب الذي هو غير معلم ، وكل سبع من طير أو ذي أربع غير معلم ، ولم يدرك فيه حياة أصلا أنه لا يحل ، ولو ذكي ، وحينئذ ما قتلته الجارحة جرحا ، وعنه : وصدما وخنقا ، اختاره ابن حامد وأبو محمد الجوزي ، فيباح ( إلا الكلب الأسود البهيم ) وهو ما لا بياض فيه ، نص عليه ، وذكر السامري والمؤلف : هو الذي لا يخالط لونه لون سواه ، وقال ثعلب وإبراهيم الحربي : كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم ، قيل لهما : من كل لون ، قالا : نعم ، قال أحمد : ما أعلم أحدا يرخص فيه ، يعني من السلف ( فلا يباح صيده ) نص عليه ، لأنه عليه السلام أمر بقتله ، وقال : إنه شيطان . رواه مسلم . وهو العلة ، والسواد علامة ، كما يقال إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله ، فإنه مرتد فالعلة الردة ، ونقل إسماعيل بن سعيد الكراهة ، [ ص: 243 ] وأباحه الأكثر لعموم الآية والخبر وكغيره من الكلاب ، والأول المذهب ، وعنه بلى ومثله في أحكامه ما بين عينيه بياض ، جزم به في المغني والشرح ويحرم اقتناؤه كخنزير ، قال جماعة : يقتل ، فدل على وجوبه ، ونقل موسى بن سعيد لا بأس به . ( والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد ) وفي المذهب والترغيب : والنمر ( فتعليمه بثلاثة أشياء : بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر ) لا في وقت رؤيته للصيد ، قاله في المغني وغيره ( وإذا أمسك لم يأكل ) لقوله عليه السلام فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه متفق عليه ، ولأن العادة في المعلم ترك الأكل ، فكان شرطا كالانزجار إذا زجر ، وهذا لم يذكره الآدمي البغدادي ، قال في المغني : لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب ، فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر ، والفهد لا يكاد يجيب داعيا وإن عد متعلما فيكون التعليم في حقه بترك الأكل خاصة ، أو بما يعده أهل العرف متعلما ( ولا يعتبر تكرر ذلك منه ) اختاره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وقدمه في المحرر والرعاية ، لأنه تعلم صنعة أشبه سائر الصنائع ، وقال القاضي : يعتبر تكرر ذلك منه حتى يصير في العرف معلما ، وأقل ذلك ثلاث ، نصره في المغني ، لأن ترك الأكل يحتمل أن يكون لشبع أو عارض فيعتبر تكراره ، وحينئذ يعتبر ثلاثا كالاستجمار والأقراء والشهور في العدة والصنائع ، لا يمكن من فعلها إلا من تعلمها ، وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره ، فعلى هذا يحل في الرابعة ، وقيل : مرتين فيحل في الثالثة ( فإن أكل بعد تعلمه [ ص: 244 ] لم يحرم ما تقدم من صيده ) رواية واحدة ، قاله في المستوعب ، واقتصر عليه في الكافي والشرح ، وصححه في المحرر ، وهو قول أكثرهم ، لعموم الآية والأخبار ، ولأنه قد وجد مع اجتماع شروط التعليم فيه ، فلا يحرم بالاحتمال ، وقيل : يحرم ، لأنه لو كان معلما ما أكل ( ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين ) وهي الصحيحة ، لقوله عليه السلام : فإن أكل فلا تأكل . ورواه سعيد ، ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، ورواه أيضا عن أبي هريرة ، وقيل : حين الصيد ، جزم به ابن عقيل ، وقيل : قبل مضيه ، ولا يخرج بأكله عن كونه معلما ، فيباح صيده بعد ذلك ، وفيه احتمال ( والأخرى : يحل ) روي عن سعد ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، حكاه عنهم أحمد ، ولقوله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم ] المائدة : 4 [ ولا حجة فيها ، مع أن حديثنا هو المعمول به وأصح ، فلو شرب من دمه ، ولم يأكل منه ، لم يحرم ، نص عليه ، وفي الانتصار : من دمه الذي جرى ، وكرهه الشعبي والثوري .

( والثاني : ذو المخلب كالبازي ، والصقر ، والعقاب ، والشاهين ، فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ، ويجيب إذا دعي ، ولا يعتبر ترك الأكل ) لقول ابن عباس : إذا أكل الكلب فلا تأكل ، وإن أكل الصقر فكل . رواه الخلال . ولأن تعليمه بالأكل ، ويتعذر تعليمه بدونه ، فلم يقدح في تعليمه ، بخلاف الكلب ( ولا بد أن يجرح الصيد ، فإن قتله بصدمته ، أو خنقه ، لم يبح ) قدمه في الكافي والمستوعب والرعاية ، وجزم به في الوجيز ، وقاله الأكثر ، لأنه قتل بغير جرح ، أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق ( وقال ابن حامد : يباح ) لعموم [ ص: 245 ] الآية والخبر . والأول أولى ، لأن العموم فيهما مخصوص بما ذكر من الدليل الدال على عدم إباحته .

( وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله ؛ على وجهين ) كذا في المحرر ، وهما روايتان في الفروع .

أحدهما : يجب ، قدمه في الكافي والرعاية ، وصححه في المستوعب كغيره من المحال .

والثاني : لا ، وجزم به في الوجيز ، لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ، ولم يأمرا بغسله .

التالي السابق


الخدمات العلمية