صفحة جزء
فصل : ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط ، أحدها : أن تكون اليمين منعقدة ، وهي التي يمكن فيها البر والحنث ، وذلك الحلف على مستقبل ممكن . وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة ، وهي نوعان : يمين الغموس ، وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بكذبه ، وعنه : فيها الكفارة . ومثلها الحلف على مستحيل ، كقتل الميت وإحيائه ، وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه ، الثاني : لغو اليمين ، وهو أن يحلف على شيء يظنه ، فيبين بخلافه ، فلا كفارة فيها .


فصل

( ويشترط لوجوب الكفارة ) وهي على الحالف ، في قول ابن عمر وأهل المدينة والعراق ، وحكي عنه على المحنث ( ثلاثة شروط : أحدها : أن تكون اليمين منعقدة ) المنعقدة : إما غموس ، أو نحوها ، وإما لغو ، ولا كفارة في واحد منهما ( وهي التي يمكن فيها البر والحنث ) لأن اليمين للحنث والمنع ( وذلك الحلف على مستقبل ممكن ) لقوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان الآية ] المائدة : 89 [ [ ص: 265 ] فأوجب الكفارة بالأيمان المنعقدة ، قال ابن جرير : معناها أوجبتموها على أنفسكم ، فظاهره إرادة المستقبل من الزمان ، لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي ، قال ابن عبد البر : اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع هي اليمين على المستقبل من الأفعال ( وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة ) لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث ، وذلك في الماضي متعذر ، وحاصله ـ كما قاله في الرعاية ـ أن الحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه ممكن بقول يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه ، والحلف على الماضي إما بر ، وهو الصادق ، وإما غموس ، وهو الكاذب ، أو لغو وهو ما لا أجر فيه ولا إثم ولا كفارة ، والأولى أنها عبارة الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته ( وهي نوعان : يمين الغموس ) وهي اليمين الكاذبة الفاجرة ، يقتطع بها حق غيره ، وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار ، وغموس للمبالغة ( وهي التي يحلف بها ) على الماضي ( كاذبا عالما بكذبه ) ظاهر المذهب : أن يمين الغموس لا كفارة فيها ، ونقله عن أحمد الجماعة ، وهو قول أكثر العلماء ، لأنها منعقدة ، ولا توجب برا ، ولا يمكن فيها ، أشبهت اللغو ، ولأن الكفارة لا ترفع إثمها ، فلا تشرع فيها ، قال ابن مسعود : كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس ، رواه البيهقي بإسناد جيد ، وهي من الكبائر ـ للخبر الصحيح ـ التي لا تمحوها الكفارة ( وعنه : فيها الكفارة ) لأنها تجمع الحلف بالله تعالى ، والمخالفة مع القصد ، فوجبت فيها الكفارة [ ص: 266 ] كالمستقبل ، وحينئذ يأثم ، كما يلزمه عتق ، وطلاق ، وظهار ، وحرام ، ونذر ، فيكفر كاذب في لعانه ( ومثلها الحلف على مستحيل ، كقتل الميت وإحيائه ، وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه ) أما المستحيل عقلا كصوم أمس ، والجمع بين الضدين ، فإذا حلف لم تنعقد يمينه ، قاله أبو الخطاب ، وقدمه في الكافي وغيره ، لعدم تصور البر فيها كاليمين الغموس ، وقال : يمينه موجبة للكفارة في الحال ، وهو قياس المذهب ، لأنها يمين على مستقبل ، ولا فرق بين أن يعلم استحالته أو لا ، وأما المستحيل عادة كإحياء الميت وقلب الأعيان ، فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه ، قاله القاضي وأبو الخطاب ، وقطع به السامري ، لأنه يتصور وجوده ، وتلزمه الكفارة في الحال ، لأنه مأيوس منه ، وقياس المذهب : أنها غير منعقدة كالتي قبلها ، قاله في الكافي ، وجزم بهما في الوجيز ، وفي الرعاية أوجه : ثالثها : تنعقد في المحال عادة فقط .

( الثاني : لغو اليمين ، وهو أن يحلف على شيء ) ماض ( يظنه فيبين بخلافه ، فلا كفارة فيها ) وحكاه ابن عبد البر إجماعا ، وفي الكافي : هو ظاهر المذهب ، لقوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وهذا منة ، ولأنه يكثر ، فلو وجبت فيه الكفارة لشق وتضرروا به ، وهو منتف شرعا ، وكيمين الغموس ، وعنه : فيه الكفارة ، وليس من لغو اليمين ، وذكره ابن عقيل بمعناه ، قالت عائشة : أيمان اللغو ما كان في المراء ، والمزاحة ، والهزل ، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على جد من الأمر ، في غضب أو غيره . إسناده جيد ، واحتج به الأصحاب ، وذكر ابن هبيرة عن [ ص: 267 ] الأكثر : أن لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يظنه فيتبين بخلافه ، سواء قصده أم لم يقصده ، وخصه أحمد بالماضي فقط ، وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق ، لوجود الصفة ، وقيل : إن عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه ، فكمن حلف على فعل شيء ، وفعله ناسيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية