صفحة جزء
فصل : وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال لم يحرم ، وعليه كفارة يمين إن فعله ، ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة ، وإن قال : هو يهودي ، أو كافر ، أو بريء من الله ، أو من الإسلام ، أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، إن فعل ذلك فقد فعل محرما ، وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين . وإن قال : أنا أستحل الزنى ونحوه ، فعلى وجهين . وإن قال : عصيت الله ، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني ، أو محوت المصحف ، إن فعلت ، فلا كفارة عليه . وإذا قال : عبد فلان حر لأفعلن ، فليس بشيء ، وعنه : عليه كفارة إن حنث ، وإن قال : أيمان البيعة تلزمني ، فهي يمين رتبها الحجاج ، فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال . فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها ، وإلا فلا شيء عليه ، ويحتمل ألا تنعقد بحال إلا في الطلاق والعتاق . وإن قال : علي نذر أو يمين إن فعلت كذا ، وفعله ، فقال أصحابنا : عليه كفارة يمين . .


فصل

( وإن حرم أمته ، أو شيئا من الحلال ) كطعام ولباس ونحوهما ، سوى الزوجة ( لم يحرم ) على المذهب ، لأنه تعالى سماه يمينا ، بقوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك إلى قوله : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ ص: 273 ] واليمين على الشيء لا تحرمه ، فكذا إذا حرمه ، ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه ، كالظهار ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ، وسماه خيرا ( وعليه كفارة يمين إن فعله ) نص عليه ، لقوله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ] التحريم : 2 [ يعني التكفير ، وسبب نزولها أنه ـ عليه السلام ـ قال : لن أعود إلى شرب العسل . متفق عليه . وزاد البخاري تعليقا : وقد حلفت ، وعن ابن عباس ، وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا ، ومقتضاه : أنه إذا ترك ما حرمه على نفسه أنه لا شيء عليه ( ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة ) هذا وجه لقوله تعالى : لم تحرم ما أحل الله لك وكتحريم الزوجة ، وجوابه : أنه إذا أراد التكفير فله فعل المحلوف عليه ، وحل فعله مع كونه محرما تناقض ، وكذا تعليقه بشرط ، نحو : إن أكلته فهو علي حرام ، نقله أبو طالب ، قال في الانتصار : وطعامي علي كالميتة والدم ، واليمين تنقسم إلى أحكام التكليف الخمسة ، وهل تستحب على فعل طاعة ، أو ترك معصية فيه وجهان ( وإن قال : هو يهودي ، أو كافر ، أو بريء من الله ، أو من الإسلام ، أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، إن فعل ذلك فقد فعل محرما ) لما روى ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين الإسلام كاذبا فهو كما قال . متفق عليه . وعن بريدة مرفوعا ، قال : من قال إنه بريء من الإسلام ، وإن كان كاذبا ، فهو كما قال ، وإن كان صادقا ، لم يعد إلى الإسلام . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بإسناد جيد . وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط ( وعليه كفارة ) يمين ( إن فعل في إحدى الروايتين ) [ ص: 274 ] قدمه في المستوعب والرعاية والمحرر ، وجزم به في الوجيز ، لحديث زيد بن ثابت : أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقول هو يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو بريء من الإسلام ، في اليمين يحلف بها ، فيحنث في هذه الأشياء ، فقال : عليه كفارة يمين . رواه أبو بكر . ولأن قول هذه الأشياء يوجب هتك الحرمة ، فكان يمينا ، كالحلف بالله تعالى ، بخلاف هو فاسق إن فعله ، لإباحته في حال ، والثانية : لا كفارة عليه ، وصححها المؤلف ، لأنه لم يرد ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، وعنه : الوقف ، نقلها حرب ( وإن قال : أنا أستحل الزنى ، ونحوه ، فعلى وجهين ) إذا قال هو يستحل ما حرم الله ، أو عكس وأطلق ، أو علقه وحنث ، فوجهان ، لأن استحلال ذلك يوجب الكفر ، فيخرج على الروايتين قبلها ، وجزم في الوجيز ، وهو ظاهر ما قدمه في المحرر ، أنه إن فعل ذلك فقد فعل محرما ، وعليه كفارة يمين .

( وإن قال : عصيت الله ، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني ، أو محوت المصحف إن فعلت ، فلا كفارة عليه ) نص عليه ، وقدمه في المحرر والرعاية ، وجزم به في الكافي والشرح ، لأن هذه الأشياء لا نقص فيها يقتضي الوجوب ، ولا هي في معنى ما سبق ، فيبقى الحالف على البراءة الأصلية ، واختار في المحرر : أنه إذا قال عصيت الله في كل ما أمرني ، أنه يمين لدخول التوحيد فيه ، وقال ابن عقيل في محوت المصحف : هو يمين ، لأن الحالف لم يقصد بقوله : محوته ، إلا إسقاط حرمته ، فصار كقوله هو يهودي ، ولأنه إذا أسقط حرمته كان يمينا ، كذا إذا أتى بما في معناه [ ص: 275 ] ( وإذا قال : عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء ) أي : فلغو ، وكذا إن علقه ، لأن تعليق الشيء بالشرط رجاء أن يصير عند الشرط كالمطلق ، وإذا كان المطلق لا يوجب شيئا ، فكذا المعلق ، ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف ، لأنه لا يعتق بتنجيزه ، فالمعلق أولى ، ولا تلزمه كفارة ، لأنه حلف بإخراج مال غيره ، كما لو قال : مال فلان صدقة ( وعنه : عليه كفارة إن حنث ) لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث ، كما لو قال : لله علي أن أعتق فلانا ، والأول أصح ، والفرق بينهما : أن قوله : لله علي إلى آخره ، أنه نذر فأوجب الكفارة ، لكون النذر كاليمين ، وتعليق العتق بخلافه .

فرع : إذا قال : إن فعلت كذا فمال فلان صدقة ، أو فعلى فلان الحج ، أو هو بريء من الإسلام ، وأشباه ذلك ، فليس بيمين ، ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه ، قاله المؤلف ، وذكر السامري فيه الخلاف .

( وإن قال : أيمان البيعة تلزمني ) البيعة : المبايعة ، أن يحلف بها عند المبايعة والأمر المهم ، وكانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بالمصافحة ( فهي يمين رتبها الحجاج ) بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي ، ولاه عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير ، فحاصره بمكة ، ثم قتله ، وأخرجه فصلبه ، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين ، فوليها عشرين سنة فزلزل أهلها ، وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال : يا أهل الشام ، تجهزوا لأهل العراق ، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، اللهم عجل لهم الغلام الثقفي ، الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية ، لا يقبل من محسنهم ، ولا يتجاوز عن مسيئهم ( فتشتمل على اليمين بالله تعالى ، والطلاق ، والعتاق ، وصدقة المال ) ذكره [ ص: 276 ] الأصحاب ، زاد بعضهم : والحج ( فإن كان الحالف يعرفها ونواها ، انعقدت يمينه بما فيها ) من الطلاق والعتاق ، لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية ، فكذا ما عداهما في قول القاضي ، وقدمه في الرعاية ، واستثنى في الوجيز اليمين بالله تعالى ، وهو قول القاضي ، وجزم به في الكافي ، لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله المعظم ، ولا يوجد ذلك في الكناية ( وإلا فلا شيء عليه ) أي : إذا لم يعرفها ولم ينوها فلغو ، لأن ذلك إنما ينعقد بالكناية ، ولا مدخل لها في ذلك ، ولأنه لا يصح مع النية فيما لا يعرفه ، وسئل أبو القاسم الخرقي عنها ، فقال : لست أفتي فيها بشيء ، ثم قال : إلا أن يلتزم الحالف بجميع ما فيها من الأيمان ، فقال : يعرفها ، أو لا يعرفها ، قال : نعم ، فيؤخذ منه إذا نواها ، وإن لم يعرفها ( ويحتمل ألا تنعقد بحال ) لما ذكرنا ( إلا في الطلاق والعتاق ) لانعقادهما بالكناية ، وقيل : والصدقة ، وفي الترغيب : إن علمها لزمه عتق وطلاق .

فرع : لم يذكر المؤلف حكم أيمان المسلمين ، ويلزمه فيها : عتق ، وطلاق ، وظهار ، ونذر ، ويمين بالله بنية ذلك ، وفي اليمين بالله الوجهان ، وألزم القاضي الحالف بالكل ، ولو لم ينو ، ومن حلف بأحدها ، فقال آخر : يميني من يمينك ، أو عليها ، أو مثلها ، ينوي التزام مثلها ، لزمه ، نص عليه في طلاق ، وفي المكفرة وجهان ، وذكر السامري : أنه إذا كانت يمين الأول مما ينعقد بالكناية ، كطلاق ، وعتق انعقدت يمين الثاني ، وإلا فلا ، وفي الكافي والشرح : أن اليمين بالله لا تنعقد ، وإن لم ينو شيئا ، لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تنعقد بغير نية ، وهذا ليس بصريح .

[ ص: 277 ] ( وإن قال : علي نذر ، أو يمين إن فعلت كذا ، وفعله ، فقال أصحابنا : عليه كفارة يمين ) وجزم به في الوجيز ، لما روى الترمذي وصححه عن عقبة مرفوعا ، قال : كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين ، وإن قال : مالي للمساكين ، وأراد به اليمين ، فكفارة يمين ، ذكره في المستوعب والرعاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية