صفحة جزء
فصل : وإن حلف لا يتزوج ، ولا يتطهر ، ولا يتطيب ، فاستدام ذلك ، لم يحنث . وإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك ، حنث ، وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها ، فأقام فيها ، حنث عند القاضي ، ولم يحنث عند أبي الخطاب . وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ، فدخل فلان عليه فأقام معه ، فعلى الوجهين ، وإن حلف لا يسكن دارا ، أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه ، فلم يخرج في الحال حنث ، إلا أن يقيم لنقل متاعه ، أو يخشى على نفسه الخروج ، فيقيم إلى أن يمكنه ، وإن خرج دون متاعه وأهله حنث ، إلا أن يودع متاعه أو يعيره ، أو تأبى امرأته الخروج معه ، ولا يمكنه إكراهها ، فيخرج وحده ، فلا يحنث ، وإن حلف لا يساكن فلانا ، فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث ، وإن كان في الدار حجرتان ، كل حجرة تختص ببابها ومرافقها ، فسكن كل واحد حجرة ، لم يحنث . وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة ، فخرج وحده دون أهله بر ، وإن حلف ليخرجن من الدار ، فخرج دون أهله لم يبر ، وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة ، أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل ، فهل له العود إليها ؛ على روايتين .


فصل

( وإن حلف لا يتزوج ، ولا يتطهر ، ولا يتطيب ، فاستدام ذلك لم يحنث ) [ ص: 316 ] في قولهم جميعا ، لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة ، فلا يقال : تزوجت شهرا ، ولا تطهرت شهرا ، ولا تطيبت شهرا ، وإنما يقال : منذ شهر ، ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة استدامته في الإحرام ( وإن حلف لا يركب ، ولا يلبس ) ولا يقوم ، ولا يقعد ، ولا يسافر ( فاستدام ذلك ، حنث ) وهو قول أكثرهم ، لأن المستديم يطلق عليه ذلك ، بدليل أنه يقال : ركب شهرا ، ولبس شهرا ، وقد اعتبر الشارع هذا في الإحرام ، حيث حرم لبس المخيط ، فأوجب الكفارة باستدامته ، كما أوجبها في ابتدائه ، وقال أبو محمد الجوزي : في اللبس استدامة حنث إن قدر على نزعه ، ويلحق ما لو حلف لا يلبس من غزلها ، وعليه منه شيء ، نص عليه ، أو لا يطأ ، فاستدام ذلك ، ذكره في الانتصار ، أو لا يضاجعها على فراش فضاجعته ودام ، نص عليه ، لأن المضاجعة تقع على الاستدامة ، ولهذا يقال : اضطجع على الفراش ليلة ، قال القاضي وابن شهاب : الخروج والنزع لا يسمى سكنا ولا لبسا ، والنزع جماع ، لاشتماله على إيلاج وإخراج ، فهو شطره ، وجزم في منتهى الغاية لا يحنث بالنزع في الحال وفاقا ، وكذا إذا حلف لا يمسك ، ذكره في الخلاف ، أو لا يشاركه فدام ، ذكره في الروضة ( وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها ، حنث عند القاضي ) لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره ، وجزم به في الوجيز ، وصححه في الفروع ، لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم ( ولم يحنث عند أبي الخطاب ) لأن الدخول لا يستعمل في الاستدامة ، ولهذا يقال : دخلتها منذ شهر ، ولا يقال : دخلتها شهرا ، فجرى مجرى التزويج ، ولأن الانفصال من خارج إلى داخل ، ولا يوجد في الإقامة ، قال أحمد : أخاف أن يكون قد [ ص: 317 ] حنث ، قال السامري : فحمله أبو الخطاب على أنه قصد الامتناع من الكون في داخلها ، وإلا فلا يحنث ، حتى يبتدئ دخولها ، وقيل : لا يحنث ، إلا أن ينوي فرقة أهلها ، أو عدم الكون فيها ، أو السبب يقتضيه وإلا إذا دخل ( وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا ، فدخل فلان عليه ، فأقام معه ، فعلى الوجهين ) لأن الإقامة هنا كالإقامة في المسألة التي قبلها ، والأصح الحنث ، إن لم تكن له نية ( وإن حلف لا يسكن دارا ) وهو ساكنها ، أو لا يركب دابة هو راكبها ، أو لا يلبس ثوبا هو لابسه ( أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه ، فلم يخرج في الحال ، حنث ) لأن استدامة السكنى سكنى ، بدليل أنه يصح أن يقال : سكن الدار شهرا ( إلا أن يقيم لنقل متاعه ) وأهله ، ذكره في المغني وغيره ، لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال ، ويكون نقله على ما جرت به العادة ، لا ليلا ، وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع ، أو عيادة مريض ، لم يحنث ، ذكره في الكافي ، ونصره في الشرح ، لأن هذا ليس بسكنى ، وقال القاضي : يحنث إن دخلها ، وإن تردد زائرا فلا ، لأنها ليست سكنى ، ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا ، ولو طالت مدتها ( أو يخشى على نفسه الخروج ، فيقيم إلى أن يمكنه ) لأنه أقام لدفع الضرر ، وإزالته عند ذلك مطلوبة شرعا ، فلم يدخل تحت النهي ( وإن خرج دون متاعه ) المقصود ( وأهله ) مع إمكان نقلهم ، وظاهر نقل ابن هانئ ، وهو ظاهر الواضح وغيره ، أو ترك له به شيئا ( حنث ) وهو قول أكثرهم ، لأن السكنى تكون بالأهل والمال ، ولهذا يقال : فلان ساكن في البلد الفلاني ، وهو غائب عنه ، [ ص: 318 ] وإن نزل بلدا بأهله وماله ، فيقال : سكنه ، لكن إن خرج عازما على السكنى بنفسه منفردا عن أهله الذين في الدار ، لم يحنث ، زاد في الشرح : فيما بينه وبين الله تعالى ، وقيل : إن خرج بأهله ، فسكن بموضع ، وقيل : أو وجده بما يتأثث به فلا .

فرع : إذا أقام في الدار لإكراه ، أو ليل ، أو يحول بينه وبين الخروج أبواب مغلقة ، أو لعدم ما ينقل عليه متاعه ، أو منزل ينتقل إليه أياما وليالي في طلب النقلة ، لم يحنث ، وإن أقام غير ناو لها حنث ، ذكره في الكافي والشرح .

( إلا أن يودع متاعه أو يعيره ) أو يزول ملكه عنه ( أو تأبى امرأته الخروج معه ، ولا يمكنه إكراهها ، فيخرج وحده ، فلا يحنث ) لأن زوال اليد والعجز لا يتصور معهما حنث ( وإن حلف لا يساكن فلانا ، فبنيا بينهما حائطا ، وهما متساكنان ، حنث ) هذا هو المذهب ، إذا كانا في دار حالة اليمين ، وتشاغلا ببناء الحائط ، لأنهما متساكنان قبل انفراد إحدى الدارين من الأخرى ، لا نعلم فيه خلافا ، قاله في الشرح ، وذكر السامري والمجد قولا بأنه لا يحنث ، فإن خرج أحدهما منها ، وقسماها حجرتين ، وفتحا لكل واحدة منهما بابا ، وبينهما حاجز ، وسكن كل واحد حجرة ، لم يحنث لأنهما غير متساكنين ، وقال مرة : لا يعجبني ذلك ، ويحتمله قياس المذهب ، لكونه عين الدار ، والأول أصح ، لأنه لم يساكنه فيها ( وإن كان في الدار حجرتان ، كل حجرة تختص ببابها ومرافقها ، فسكن كل واحد حجرة ) ولا نية ، ولا سبب ، قاله في الرعاية والفروع ( لم يحنث ) [ ص: 319 ] لأن كل واحد ساكن في حجرته ، فلا يكون مسكنا لغيره ، وكذا إن سكنا في دارين متجاورتين ، قال في الفنون فيمن قال : أنت طالق ثلاثا إن دخلت علي البيت ، ولا كنت لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك ، فكتبت له بعد ستة عشر يوما ، تقع الثلاث ، لأنه يقع باستدامة المقام ، فكذا استدامة الزوجية .

( وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة ، فخرج وحده دون أهله بر ) لأن حقيقة الخروج لم يعارضها معارض ، فوجب حصول البر لحصول الحقيقة ، وكذا إن حلف ليخرجن من الدار ولا يأوي أو ينزل فيها ، نص عليهما ، أو لا يسكن البلد ، أو ليرحلن منه ، فكحلفه لا يسكن الدار ، قاله في الفروع ( وإن حلف ليخرجن من الدار ، فخرج دون أهله لم يبر ) لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة ، وظاهر حاله إرادة المعتاد ، بخلاف البلد ، وإن حلف لا يسكنها وهو خارج عنها فدخلها ، أو كان فيها غير ساكن فدام جلوسه ، فوجهان ، وقيل : إن قصد الامتناع من الكون فيها حنث ، وإلا فلا ، وقيل : إن انتقل إليها برحله الذي يحتاجه الساكن حنث ، وإلا فلا ، وقال القاضي : ولو بات ليلتين فلا حنث ، وفي الشرح : إذا حلف على الرحيل عن بلد لم يبر إلا برحيل أهله ( وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة ، أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل ، فهل له العود إليها ؛ على روايتين ) .

إحداهما : لا شيء عليه في العود ، قدمه في الرعاية ، ورجحه في الكافي والشرح ، وصححه في الفروع ، لأن يمينه على الخروج ، وقد خرج فانحلت يمينه ، وإذا كان كذلك صار بمنزلة [ ص: 320 ] من لم يحلف ، ولقوله : إن خرجت فلك درهم ، استحق بخروج أول ، ذكره القاضي وغيره .

والثانية : يحنث بالعود ، لأن ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه ، والعود ينافي مقصود يمينه ، فأما إن كان له نية ، أو سبب ، أو قرينة ، عمل بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية