صفحة جزء
فصل : إذا حلف لا يدخل دارا ، فحمل فأدخلها ، ويمكنه الامتناع فلم يمتنع ، أو حلف لا يستخدم رجلا ، فخدمه وهو ساكت ، فقال القاضي : يحنث ، ويحتمل أن لا يحنث ، وإن حلف ليشربن الماء ، أو ليضربن غلامه غدا ، فتلف المحلوف عليه قبل الغد ، حنث عند الخرقي ، ويحتمل أن لا يحنث ، وإن مات الحالف لم يحنث ، وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه ، فهل يحنث ؛ على وجهين . وإن مات المستحق ، فقضى ورثته ، لم يحنث ، وقال القاضي : يحنث ، وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد ، وحنث عند القاضي ، وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر ، وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي ، فهرب منه ، حنث ، وقال الخرقي : لا يحنث ، وإن فلسه الحاكم ، وحكم عليه بفراقه ، خرج على الروايتين . وإن حلف : لا افترقنا ، فهرب منه ، حنث ، وقدر الفراق ما عده الناس فراقا ، كفرقة البيع .


فصل

( إذا حلف لا يدخل دارا ، فحمل فأدخلها ) ولم يمكنه الامتناع ، لم يحنث ، نص عليه ، ولا نعلم فيه خلافا ، فإن حمل بغير أمره ( ويمكنه الامتناع ، فلم يمتنع ) حنث في المنصوص ، واختاره القاضي كما لو حمل بأمره ، وقال أبو الخطاب : فيه وجهان .

أحدهما : يلي لما تقدم .

والثاني : لا يحنث ، كما لو لم يمكنه الامتناع ، وعلى الأول : كيفما دخل باختياره ، حنث مطلقا ، ولو بابها ، ويستثنى منه ما لو أكره بضرب ونحوه ، فالأصح أنه لا يحنث للخبر والمعنى ( أو حلف لا يستخدم رجلا ، فخدمه وهو ساكت ، فقال القاضي : يحنث ) لأنه قصد اجتناب خدمته ، ولم يحصل ( ويحتمل أن لا يحنث ) وهو وجه ، لأنه استخدمه ، والسكوت لا يدل على الرضى ، ولهذا يملك الذي شق ثوبه مطالبة الذي شقه ، وقيل : إن كان عبده حنث ، لأن عبده يخدمه عادة ، فمعنى يمينه لأمنعنك خدمتي ، فإذا لم ينهه ، ولم يمنعه ، فإنه يحنث ، بخلاف عبد غيره ، وقال أبو الخطاب : يحنث فيهما ، واقتصر عليه ابن هبيرة ( وإن حلف ليشربن الماء ، أو ليضربن غلامه غدا ، فتلف المحلوف عليه قبل الغد ، حنث عند الخرقي ) نصره في الشرح ، وجزم به في الوجيز ، وصححه ابن المنجا ، وقدمه في الفروع ، كما لو حلف ليحجن [ ص: 321 ] العام ، فلم يقدر على الحج لمرض ، أو ذهاب نفقة ، لأن الامتناع لمعنى في المحل ، أشبه ما لو ترك ضرب العبد لصغر به ، أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق ، ويحنث عقيب تلفهما ، نص عليه ، وقدمه في المحرر والرعاية ، وجزم به في الوجيز ، وقيل : في آخر الغد ( ويحتمل أن لا يحنث ) وقاله الأكثر ، لأنه تعذر عليه ، لا من جهته ، أشبه المكره ، أما لو تلف المحلوف عليه بفعله واختياره ، فإنه يحنث وجها واحدا ، قال في الشرح : فإن تلف العبد في غد قبل التمكن من ضربه ، فكما لو مات في يومه ، وإن مات في غد قبل التمكن من ضربه ، حنث وجها واحدا ، وإن ضربه اليوم لم يبر ، نصره في الشرح ، وقدمه في الرعاية ، كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة ، فصام يوم الخميس ، وقال القاضي : يبر ، وقال ابن حمدان : إن أراد أنه لا يتجاوزه ، وإلا حنث ، وإن جن العبد فضربه بر ، وإلا فلا ( وإن مات الحالف ) أي : قبل الغد ، أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد ( لم يحنث ) لأن الحنث إنما يحصل عليه في وقته ، وهو الغد ، والحالف قد خرج أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك ، فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه ، والأصح أنه إذا مات فيه ، فإنه يحنث في آخر حياته ، فإن مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه ، فلم يضربه ، حنث وجها واحدا ، وكذا إن هرب العبد أو مرض ، أو الحالف فلم يقدر على ضربه ( وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه ) منه قبل مجيئه ( فهل يحنث ؛ على وجهين ) هما مبنيان على ما إذا حلف على فعل شيء فتلف قبل فعله .

أحدهما : الحنث ، لأن الحلف على القضاء ، والإبراء ليس بقضاء ، بدليل أنه يصح أن يقال : [ ص: 322 ] ما قضاني حقي ، وإنما أبرأته منه .

والثاني ، وهو الأصح : عدمه ، لأن الغرض من القضاء حصول البراءة منه ، فلا يحنث ، وفي الترغيب : أصلهما إذا منع من الإيفاء في غد كرها لا يحنث على الأصح ، وأطلق في التبصرة فيهما الخلاف ( وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث ) قاله أبو الخطاب ، وقدمه السامري والمجد ، وجزم به في الوجيز ، لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته ، فكذلك في يمينه ( وقال القاضي : يحنث ) كما لو حلف ليضربن عبده غدا ، فمات العبد اليوم ، والأول هو المنصور ، لأن موت العبد يخالف ذلك ، لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه ( وإن باعه بحقه عرضا ، لم يحنث عند ابن حامد ) قدمه السامري والمجد ، وجزم به في الوجيز ، وصححه في الفروع ، لأنه قضاه حقه ( وحنث عند القاضي ) لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه ، فإن كانت يمينه : لا فارقتك ولي قبلك حق ، لم يحنث وجها واحدا ، وإن منع منه فالروايتان ، وهما في المذهب إن كره ( وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال ) أو مع رأسه ، أو إلى رأسه ، أو إلى استهلاله ، أو عند رأس الشهر ( فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر ) على المذهب ، لأن ذلك هو عليه ، لأن غروب الشمس هو آخره ، ولو تأخر فراغ كيله لكثرته ، ذكره في المغني ، وذكر السامري ، وقدمه في الرعاية ، أنه إذا قضاه قبل الغروب في آخر الشهر بر ، وإن فاته حنث ، ثم قال في الرعاية : قلت : فيخرج ضده إن عذر ، ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه ، وفي الترغيب : لا تعتبر المقارنة ، فتكفي حالة الغروب ( وإن حلف لا فارقته حتى [ ص: 323 ] أستوفي حقي فهرب منه حنث ) نص عليه ، وذكره ابن الجوزي ظاهر المذهب ، لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة ، وقد حصل ، وكإذنه ولقوله : لا افترقنا ( وقال الخرقي : لا يحنث ) هذا رواية ، قدمها في الكافي والترغيب ، ونصرها في الشرح ، وصححها ابن حمدان ، لأن اليمين على فعل نفسه ، ولم توجد المفارقة إلا من غيره ، واختار في المحرر ، وجزم به في الوجيز : أنه إن أمكنه متابعته وإمساكه حنث ، وإلا فلا ، فإن أذن له الحالف في الفرقة ففارقه ، فالمذهب أنه يحنث ( وإن فلسه الحاكم ، وحكم عليه بفراقه ، خرج على الروايتين ) في الإكراه إذا فلسه الحاكم وصده عنه ، والمذهب الحنث ، وكذا إن لم يحكم بفراقه ، ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته ، نص عليه ، وإن لم يصده الحاكم بعد فلسه حنث ، وقيل : إن قضاه حقه من غير جنسه وهو ناو الوفاء ، ففارقه ، فلا ، وقال القاضي : إن كان لفظه : لا فارقتك ولي قبلك حق ، لم يحنث ، وإن قال : حتى أستوفي حقي منك حنث ، وكذا إن أحاله به ، فقبل وانصرف ، وإن ظن أنه بر ، فوجهان ، وإن فارقه عن كفيل ، أو رهن ، أو أبرأه منه ، حنث ، وإن وجدها مستحقها وأخذها ، خرج على الروايتين في الناسي .

فرع : إذا حلف المطلوب ألا يعطيه شيئا ، فوفاه عنه غيره بلا إذنه ، فلا حنث ، وإن حلف : لا فارقتك حتى آخذ حقي ، ففر الغريم ، حنث الحالف ، وإن أكره على إطلاقه ، فوجهان ، وإن فر الحالف ، فلا على الأشهر .

( وإن حلف : لا افترقنا ، فهرب منه ، حنث ) لأن يمينه تقتضي ألا تحصل بينهما فرقة بوجه من جهة اللفظ والمعنى ، وقد حصلت ، وإن حلف لا أخذت حقك مني ، فأكره على دفعه [ ص: 324 ] حنث ، وإن وضعه الحالف بين يديه ، أو في حجره ، فلم يأخذه لم يحنث ، لأنه لا يضمن بمثل هذا مال ولا صيد ، ويحنث لو كانت يمينه : لا أعطيك ، لأنه يعد عطاء ، إذ هو تمكين وتسليم بحق ، فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة ، وإن أخذه حاكم فدفعه إلى الغريم وأخذه حنث ، نص عليه ، كقوله : لا تأخذ حقك علي ، وعند القاضي : لا ، كقوله : ولا أعطيكه ( وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقة البيع ) لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ، ولم يبين مقداره ، فوجب الرجوع فيه إلى العادة ، كالقبض والحرز

التالي السابق


الخدمات العلمية