صفحة جزء
ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير ولا ما غالبه الحرير ، ولا افتراشه إلا من ضرورة ، فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين ، ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به ، فإن استحال لونه فعلى وجهين . وإن لبس الحرير لمرض أو حكة ، أو في الحرب ، أو ألبسه الصبي فعلى روايتين ، ويباح حشو الجباب والفرش به ، ويحتمل أن يحرم ، ويباح العلم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون . وقال أبو بكر : يباح ، وإن كان مذهبا ، وكذلك الرقاع ، ولبنة الجيب ، وسجف الفراء . ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر


( ولا يجوز للرجل ) ولا الخنثى ولو كافرا ( لبس ثياب الحرير ) في الصلاة وغيرها في غير حال العذر . حكاه ابن المنذر إجماعا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تلبسوا الحرير ، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه حتى تكة ، وشرابة ، نص عليه ، والمراد شرابة مفردة كشرابة البريد لا تبعا فإنها كزر ، وعلل القاضي والآمدي إباحة كيس المصحف لأنه يسير ، فعلى هذا يستثنى ( ولا ما غالبه الحرير ) لأن الغالب له حكم الكل ، فحرم لعموم الخبر ، والقليل مستهلك فيه ، أشبه الضبة من الفضة ، وقال ابن عبد البر : مذهب ابن عباس وجمع أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره ، وسيأتي ، وظاهر كلام أحمد أن الاعتبار بالظهور ، وجزم به في " الوجيز " وقيل : بالوزن [ ص: 379 ] قدمه في " الرعاية " ( ولا افتراشه ) لما روى حذيفة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يلبس الحرير والديباج ، وأن يجلس عليه رواه البخاري . قال أحمد في رواية صالح وجعفر : افتراش الحرير كلبسه ، وكذا الاستناد إليه ، ثم استثنى من ذلك بقوله ( إلا من ضرورة ) لأنها تبيح المحرم بدليل أكل الميتة ، وظاهره إباحته للنساء مطلقا ، لما روى أبو موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي ، وحرم على ذكورها رواه جماعة منهم الترمذي ، وصححه ، وأغرب ابن عقيل في " فنونه " فجوز لهن لبسه دون الاستناد والافتراش .

فرع : يحرم تعليقه ، وستر الجدر به غير الكعبة المشرفة وفاقا ، وحرم الأكثر استعماله مطلقا فدل أن في شخانة ، وخيمة ، وبقجة ، وكمران ، ونحوه الخلاف ( فإن استوى هو ، وما نسج معه فعلى وجهين ) كذا في " الفروع " وغيره ، أحدهما : يباح ، جزم به في " الوجيز " لقول ابن عباس : إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت من قز ، أما السدى أو العلم فلا يرى به بأسا ، رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد حسن ، ولأن الحرير ليس أغلب ، أشبه الأقل ، والثاني : يحرم قال ابن عقيل : هو الأشبه لعموم الخبر ، ولأن النصف كثير ، لأنه لا يطلق على ما نسج معه من الكتان والقطن ، كتان ولا قطن ، وقيل : يكره ولا يحرم ، كما لو شك في كثرة الحرير أو مساواته غيره مع إباحة النصف .

تنبيه : أباح أحمد لبس الخز ، وهو ما سدي بإبريسم ، وألحم بوبر أو صوف للخبر ، ولفعل الصحابة ، وجعله ابن عقيل كغيره في الثياب المنسوجة من الحرير ، [ ص: 380 ] وغيره . وفرق بينهما أحمد بأن هذا لبسه الصحابة ، وبأنه لا سرف ولا خيلاء ، وعلم منه إباحة الصرف ، وكذا الكتان إجماعا ، والنهي عنه من حديث جابر لا أصل له ، ونقل عبد الله عن أبيه يكره للرجال ، ولعله محمول على حالة لم ينبه عليها عبد الله مع أنه لبسه الصحابة وغيرهم ، وكالقطن .

( ويحرم ) على ذكر بلا حاجة ( لبس المنسوج بالذهب ، والمموه به ) أي : المطلي ، وكذا عبر في " الوجيز " ولا فرق في الذهب بين خالصه ومشوبه ، والمنفرد والخليط ، بخلاف الحرير لما تقدم في خبر أبي موسى ، وظاهره أن المنسوج والمموه بالفضة ليس كذلك ، والأشهر أنه كالذهب ، قدمه ابن تميم ، وفي " الفروع " وقال في " الرعاية " : وقيل : أو فضة ، وقيل : يكره إلا في مغفر ، وجوشن ، وخوذة ، أو في سلاحه لضرورة ( فإن استحال لونه ) ولم يحصل منه شيء ، وقيل : مطلقا ( فعلى وجهين ) أحدهما : يحرم للخبر ، والثاني : يباح ، وهو ظاهر " الوجيز " وصححه في " الفروع " لزوال علة التحريم من السرف ، والخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء ، وقيد ابن تميم : إن كان بعد استحالته لا يحصل منه شيء فهو مباح وجها واحدا ، وقيل : المنسوج بذهب كحرير .

فرع : ما حرم استعماله حرم تملكه ، وتمليكه كذلك ، وعمل خياطته لمن حرم عليه .

( وإن لبس الحرير لمرض أو حكة ) بكسر الحاء ، وهو الجرب أو من [ ص: 381 ] أجل القمل جاز في ظاهر المذهب قاله في " الشرح " وصححه في " الفروع " لأن أنسا روى : أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - القمل ، فرخص لهما في قميص الحرير ، فرأيته عليهما في غزاة رواه البخاري ، وفيه وفي مسلم عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لهما في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على اختصاصه به ، وقسنا على المنصوص مما ينفع فيه لبس الحرير ، ووهم في " الشرح " فأورد الرخصة في القمل فقط ، وعنه : لا يباح لعموم الخبر ، والرخصة يحتمل أن تكون خاصة بهما ، وعلى الأول : لا بد ، وأن يؤثر في زوالها ( أو في الحرب ) المباح لغير حاجة روايتان ، إحداهما : الإباحة ، وهي ظاهر كلام الإمام في رواية الأثرم ، وهو قول عطاء ، وعروة ، وكان له يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا يلبسه في الحرب ، ولأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء غير مذموم في الحرب ، ومحله عند مفاجأة العدو ، وقيل : عند القتال ، وقيل : في دار الحرب ، وعنه : مع نكاية العدو .

والثانية : التحريم للعموم ، ونصره في " التحقيق " لكن إذا احتاج إليه مثل أن يكون بطانة لبيضة أو درع أو نحوه أبيح ، وقال بعض أصحابنا : يجوز مثل ذلك من الذهب لدرع مموه به لا يستغنى عن لبسه ، وهو محتاج إليه .

فرع : المذهب أنه يباح الحرير لحاجة برد أو حر ، ونحوه لعدم ، وذكر [ ص: 382 ] ابن تميم أنه من احتاج إلى لبس الحرير لحر أو برد أو تحصين من عدو ونحوه أبيح ( أو ألبسه الصبي فعلى روايتين ) إحداهما : يحرم على وليه إلباسه حريرا أو ذهبا ، نص عليه في رواية الجماعة ، وصححه في " الشرح " لقوله عليه السلام : وحرم على ذكورها وعن جابر قال : كنا ننزعه عن الغلمان ، ونتركه على الجواري رواه أبو داود ، وشقق عمر ، وابن مسعود ، وحذيفة قمص الحرير رواه الخلال .

ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر ، وكونهم محلا للزينة مع تحريم الاستمتاع بهم أبلغ في التحريم .

فعلى هذا لو صلى فيه لم تصح على المذهب ، والثانية : يباح لعدم تكليفه ، قال سعيد : حدثنا هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي قال : كانوا يرخصون للصبي في خاتم الذهب ، فإذا بلغ ألقاه .

( ويباح حشو الجباب والفرش ) بضم الراء جمع فراش ، وقد تسكن ( به ) لأنه لا خيلاء فيه ( ويحتمل أن يحرم ) وذكره ابن عقيل رواية كبطانة ، وللعموم ، وفي تحريم المهر فيه وجهان ( ويباح العلم ) بفتح اللام ( الحرير ) وهو طراز الثوب ( إذا كان أربع أصابع ) مضمومة ( فما دون ) أي : فأقل ، نص عليه . وقدمه غير واحد لما روى عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة رواه مسلم ، وفي " الوجيز " دونها ، وفي " الرعاية " وغيرها : قدر كف عرضا ، فلو لبس أثوابا في كل واحد قدر ما يعفى عنه ، ولو جمع صار ثوبا فقيل : لا بأس ، وقيل : يكره ( وقال أبو بكر : يباح [ ص: 383 ] وإن كان مذهبا ) واختاره المجد ، وحفيده ، وهو رواية لما روى معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا رواه أحمد ، وأبو داود بإسناد حسن ، ولأنه يسير أشبه الحرير ويسير الفضة ، والمذهب أنه يحرم يسير ذهب تبعا ، نص عليه كالمفرد .

مسألة : يجوز بيع حرير لكافر ، ولبسه له ، قاله الشيخ تقي الدين ، وظاهر كلام أحمد والأصحاب التحريم كما هو ظاهر الأخبار ، وجزم به في شرح مسلم ، وقال عن خلافه : قد يتوهمه متوهم ، وهو وهم باطل ، وليس في الخبر أنه أذن له في لبسها . قد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وأسامة كما بعث إلى عمر ، ولم يلزم منه إباحة لبسه ، وهو مبني على مخاطبتهم بفروع الإسلام ، وفائدتها : زيادة العقاب في الآخرة ( وكذلك ) تباح ( الرقاع ) وهو جمع رقعة ، وهي الخرقة المعروفة ( ولبنة ) بفتح اللام ، وكسر الباء ( الجيب ) قال صاحب " المطالع " جيب القميص طوقه الذي يخرج منه الرأس ، فعلى هذه لبنته الزيق ( وسجف ) جمع سجاف بضم السين مع ضم الجيم ، وسكونها ( الفراء ) بكسر الفاء ممدودا واحده فرو بغير هاء ، قاله الجوهري ، وأثبتها ابن فارس ، لأن ذلك كله مساو للعلم ، وكذا حكم الخياطة به ، والأزرار .

( ويكره للرجل لبس المزعفر ) نقله الأكثر ، وهو مذهب ابن عمر وغيره لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال عن المزعفر متفق عليه ، وذكر الأزجي ، والقاضي تحريمه عليه ، وقيل : يعيد من صلى به أو بمعصفر ، [ ص: 384 ] اختاره أبو بكر ، وقدم جماعة : لا يكره ، نص عليه ، وقيل : في غير الصلاة ( والمعصفر ) لما روى علي : قال نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كذا ، وعن لبس المعصفر رواه مسلم ، وله أيضا : إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ويستثنى منه إلا في الإحرام فإنه لا يكره ، نص عليه ، وظاهره أنه يباح للنساء لتخصيص الرجل بالنهي ، قلت : ويلتحق بما ذكره الأحمر المصمت ، نص عليه ، واختار في " المغني " و " الشرح " أنه لا بأس به ، والمذهب : يكره ، ونقل المروذي يكره للمرأة كراهة شديدة لغير زينة ، وكذا طيلسان في وجه ، وجلد مختلف في نجاسته وافتراشه في الأشهر ، ومشيه في نعل واحدة بلا حاجة .

وعلم منه أنه يباح الأبيض ، والأصفر ، والأخضر ، وكذا الأسود ، لأنه عليه السلام دخل مكة عام الفتح ، وعليه عمامة سوداء ، وعنه : يكره الأسود للجند ، وقيل : في غير حرب ، ونقل المروذي : فيمن ترك ثيابا سودا يحرقها الوصي ، لأنها لباس الجند أصحاب السلطان والظلمة .

تذنيب : يستحب التواضع في اللباس لما روى أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن زهير بن محمد عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن أبي أمامة عن أبيه مرفوعا : البذاذة من الإيمان رجاله ثقات ، قال أحمد في رواية الجماعة : وهو التواضع في اللباس ، ونقل المروذي : يكره الرقيق للحي ، ولا بأس بغسله من العرق والوسخ ، نص عليه ، وكان ابن مسعود يعجبه إذا قام إلى الصلاة الريح الطيبة [ ص: 385 ] والثياب النقية ، وقال غير واحد : يباح المورد والممسك ، ويكره للرجل أن يلبس ثياب المرأة ، والعكس ، نص عليه ، كالزيق العريض للرجل ، واختلفت عنه في كراهته للنساء . قال القاضي : إنما كرهه أحمد لإفضائه إلى الشهرة .

فصل

يسن الرداء ، وقيل : يباح ، كفتل طرفه ، نص عليه ، ويسن إرخاء ذؤابة خلفه ، نص عليه ، وإطالتها كثيرا من الإسبال ، قاله الشيخ تقي الدين ، وإن أرخى طرفها بين كتفيه ، فحسن ، قاله الآجري ، وتسن السراويل ، وفي " التلخيص " لا بأس قال صاحب " النظم " وفي معناه التبان ، وجزم بعضهم بإباحته ، والأول أظهر ، قال أحمد : السراويل أستر من الإزار ، ولباس القوم كان الإزار ، فدل على أنه لا يجمع بينهما ، ويستحب القميص ، قاله القاضي ، ويباح القباء ، قال صاحب " النظم " : ولو للنساء ، والمراد ، ولا تشبه ، قاله في " الفروع " وظاهر كلامهم لا فرق بين الجديد والعتيق ، قال عبد الله بن محمد الأنصاري : ينبغي للفقيه أن يكون له ثلاثة أشياء جديدة ، سراويله ، ومداسه ، وخرقة يصلي عليها ، ويجدد عمامته كيف شاء .

فرع : ما حرم استعماله حرم بيعه ، وخياطته ، وكذا أجرتها ، نص عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية