صفحة جزء
ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ، ويجوز أن يوليه خاصا في أحدهما ، أو فيهما . فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ، ومن طرأ إليه أو يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة ، أو في قدر من المال لا يتجاوزه ، أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها . ويجوز أن يولي قاضيين أو أكثر في بلد واحد ، يجعل إلى كل واحد عملا ، فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس ، وإلى الآخر عقود الأنكحة دون غيرها . فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز . وعند القاضي : لا يجوز ، وإن مات المولي ، أو عزل المولى مع صلاحيته ، لم تبطل ولايته في أحد الوجهين ، وتبطل في الآخر ، وهل ينعزل قبل العلم بالعزل ؛ على وجهين ، بناء على الوكيل ، وإذا قال المولي : من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان ، فهو خليفتي ، أو قد وليته ، لم تنعقد الولاية لمن ينظر . وإن قال : وليت فلانا وفلانا ، فمن نظر منهم فهو خليفتي . انعقدت الولاية .


فصل

( ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل ) بأن يوليه القضاء في سائر الأحكام وسائر البلدان . ( وأن يوليه خاصا في أحدهما ) بأن يوليه الحكم في سائر الأحكام في بلد أو محلة من المحال ، وكذا عكسه .

( أو فيهما ) بأن يوليه الحكم في المداينات ، أو عقود الأنكحة في بعض البلاد أو المحال . ( فيوليه عموم النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤه في أهله ) وهو ظاهر . ( من طرأ إليه ) لأن الطارئ يعطى حكم أهله في كثير من الأحكام ، بدليل أن الدماء الواجبة لأهل مكة يجوز تفريقها في الطارئ إليها كأهلها . ( أو يجعل إليه الحكم في [ ص: 15 ] المداينات خاصة أو في قدر من المال لا يتجاوزه ، أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها ) لأن الخيرة في التولية إلى الإمام فكذا في صفتها ، وله الاستنابة في الكل ، فكذا في البعض ، وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستنيب أصحابه كلا في شيء ، فولى عمر القضاء ، وبعث عليا قاضيا باليمن ، وكان يرسل بعضهم لجمع الزكاة وغيرها ، وكذلك الخلفاء من بعده . ( ويجوز أن يولي ) من غير مذهبه ، قاله القاضي في " الأحكام السلطانية " و " الرعايتين " و " الحاوي " و " النظم " ؛ لأن على القاضي أن يجتهد رأيه في قضائه ، وقد سبق في الوكالة . ( قاضيين أو أكثر في بلد واحد ، يجعل إلى كل واحد عملا ، فيجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس ، وإلى الآخر عقود الأنكحة ) لأن الإمام كامل الولاية فوجب أن يملك ذلك ، إذ لا ضرر عليه كتولية القاضي الواحد . ( فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز ) صححه في " المغني " ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنها نيابة فجاز جعلها إلى اثنين كالوكالة ، ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد ، فالإمام أولى . عند أبي الخطاب : ( لا يجوز ) لأنهما قد يختلفان في الاجتهاد فتقف الحكومة .

وجوابه : أن كل حاكم يحكم باجتهاده ، وليس للآخر الاعتراض عليه . ويقدم قول الطالب ولو عند نائب ، فإن كانا مدعيين اختلفا في ثمن مبيع باق ، اعتبر أقرب الحاكمين منهما مجلسا ، فإن استويا أقرع ، وقيل : يعتبر [ ص: 16 ] اتفاقهما على حاكم .

قال حرملة : قال الشافعي : لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق ، كان يجيء إلى الرجل فيقول له : لتحدث وإلا استعديت عليك السلطان . وفي " الرعاية " : يقدم منهما من طلب حكم المستنيب . وفي " الترغيب " : إن تنازعا أقرع .

وقال ابن عقيل : إن كانا في الحاجز كدجلة والفرات ، ليس الحاكم في ولاية أحدهما ، فإلى الوالي الأعظم . ( وإن مات المولي ) بكسر اللام ( أو عزل المولى ) بفتحها ( مع صلاحيته لم تبطل ولايته في أحد الوجهين ) هذا هو الأشهر ، وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ؛ لأنه عقد لمصلحة المسلمين ، كما لو عقد الولي النكاح على مولاته ثم مات أو فسخه . ( وتبطل في الآخر ) وجزم به في " الوجيز " ، في الثانية : لا ، الأولى : كالوكيل ، قال عمر : لأعزلن أبا مريم ، وأولي رجلا إذا رآه الفاجر فرقه . فعزله وولى كعب بن سور ، وولى علي أبا الأسود ثم عزله ، فقال : لم عزلتني وما جنيت ؛ قال : رأيتك يعلو كلامك على الخصمين . وجزم في " الترغيب " : بأنه ينعزل نائبه في أمر معين ، وسماع شهادة معينة ، وإحضار مستعد عليه . فعلى هذا : لو عزله في حياته لم ينعزل .

وقال ابن حمدان : إن قلنا : الحاكم نائب الشرع لم ينعزل ، وإن قلنا : [ ص: 17 ] نائب من ولاه انعزل . وفي " الشرح " : لا ينعزل بالموت ، وهل ينعزل بالعزل ؛ فيه وجهان لأن فيه ضررا ، وهنا لا ضرر فيه ؛ لأنه لا ينعزل قاض حتى يولى آخر مكانه . ولهذا لا ينعزل الوالي بموت الإمام وينعزل بعزله . قال الشيخ تقي الدين : كعقد وصي ، وناظر عقدا جائزا كوكالة وشركة ومضاربة . ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين ، كوال ومن نصبه لجباية مال وصرفه ، وأمر الجهاد ، ووكيل بيت المال ، والمحتسب ، وهو ظاهر كلام غيره . ( وهل ينعزل قبل العلم بالعزل ؛ على وجهين ، بناء على الوكيل ) لأنه في معناه ، وجزم في " الوجيز " : بأنه ينعزل كالوكيل ، والأشهر عدمه ؛ لأنه يتعلق به قضايا الناس وأحكامهم فيشق ، بخلاف الوكيل فإنه متصرف في أمر خاص . تنبيه : إذا تغير حال القاضي بزوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو اختل فيه بعض الشروط فإنه يتعين على الإمام عزله وجها واحدا .

وفي " المغني " : أنه ينعزل ، فإن استخلف القاضي خليفة فإنه ينعزل بموته أو عزله كالوكيل ، وله عزل نفسه في الأرض .

وفي " الرعاية " : إن لم يلزمه قبوله ، وفيها له عزل نائبه بأفضل منه . وقيل : بمثله . وقيل : بدونه ؛ لمصلحة في الدين .

وقال القاضي : عزل نفسه يتخرج على الروايتين في أنه وكيل للمسلمين أم لا ؛ فيه روايتان منصوصتان في خطأ الإمام ، وفي " الرعاية " في [ ص: 18 ] نائبه في الحكم ، وقيم الأيتام ، وناظر الوقف ، ونحوه أوجه .

ثالثها إن استخلفهم بإذن من ولاه فلا .

ورابعها : إن قال : استخلف عنك . انعزلوا . وإن قال : عني . فلا ، ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل في الأشهر . ومن عزل أو انعزل حرم عليه الحكم ، ولزمه إعلام ولي الأمر . فلو تاب الفاسق وحسن حاله ، أو أفاق من جنون أو إغماء ، وقيل : ينعزل به ، فهل يعود قاضيا بلا تولية جديدة ؛ فيه وجهان .

ومن أخبر بموت قاضي بلد ، وولي غيره فبان الأول حيا ، لم ينعزل في الأقوى . ( وإذا قال المولي : من نظر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان فهو خليفتي ، أو قد وليته لم تنعقد الولاية لمن ينظر ) ذكره القاضي وغيره ، وجزم به في " الرعاية " و " الوجيز " ؛ لأنه لم يعين بالولاية أحدا منهم ، وكما لو قال : بعتك أحد الثوبين .

ويحتمل أن تنعقد لمن نظر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق ولاية الإمارة بعد زيد على شرط ، فكذا ولاية الحكم . ( وإن قال : وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي . انعقدت الولاية ) لمن نظر لأنه ولاهما جميعا ، ثم عين السابق منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية