صفحة جزء
[ ص: 386 ] باب اجتناب النجاسات

وهو الشرط الرابع ، فمتى لاقى ببدنه نجاسة أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها ، أو حملها لم تصح صلاته


باب اجتناب النجاسات

وهو الشرط الرابع لقوله تعالى وثيابك فطهر قال ابن سيرين ، وابن زيد : أمر بتطهير الثياب من النجاسة التي لا يجوز الصلاة معها ، وذلك لأن المشركين كانوا لا يتطهرون ، ولا يطهرون ثيابهم ، وهذا أظهر الأقوال فيها ، وهو حمل اللفظ على حقيقته ، وهو أولى من المجاز ، فيكون شرطا بمكة لكن صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الهجرة في ظل الكعبة ، فانبعث أشقى القوم فجاء بسلا جزور بني فلان ، ودمها ، وفرثها فطرحه بين كتفيه ، وهو ساجد ، حتى أزالته فاطمة رواه البخاري من حديث ابن مسعود ، قال المجد : لا نسلم أنه أتى بدمها ، ثم الظاهر أنه منسوخ ، لأنه كان بمكة قبل ظهور الإسلام ، ولعل الخمس لم تكن فرضت ، والأمر بتجنب النجاسة مدني متأخر ، بدليل خبر النعلين ، وصاحب القبرين ، والأعرابي الذي بال في طائفة المسجد ، وحديث جابر بن سمرة : أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي ؛ قال : نعم ، إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله رواه أحمد ، وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، إلى غير ذلك من الأحاديث ، فثبت بها أنه مأمور باجتنابها ، ولا يجب ذلك في غير الصلاة ، فتعين أن يكون [ ص: 387 ] فيها ، والأمر بالشيء نهي عن ضده ، وعنه : ليس بشرط للخبر السابق ، وعلى الأول : فطهارة بدن المصلي ، وسترته ، وبقعته محل بدنه ، والمذهب : وثيابه مما لا يعفى عنه شرط كطهارة الحدث .

فائدة : طهارة الحدث فرضت قبل التيمم ذكره القاضي ، وجماعة في قياس الوضوء على التيمم في النية مع تقدمه عليه ، وفي " الصحيحين " أن عائشة قالت : أنزلت آية التيمم قيل : هي آية المائدة أو سورة النساء ، وقال أبو بكر بن العربي : لا نعلم أية آية عنت عائشة بقولها : فأنزلت آية التيمم ، قال : وحديثها يدل على أن التيمم قبل ذلك لم يكن معروفا ، ولا مفعولا لهم ، وقال القرطبي : معلوم أن غسل الجنابة لم يفرض قبل الوضوء كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ افترضت عليه الصلاة بمكة لم يصل إلا بوضوء مثل وضوئنا اليوم ، قال : فدل أن آية الوضوء إنما نزلت ليكون فرضها المتقدم متلوا في التنزيل ، وفي قولها : فنزلت آية التيمم ، ولم تقل آية الوضوء ، ما يبين أن الذي طرأ لهم من العلم في ذلك الوقت حكم التيمم لا حكم الوضوء ( فمتى لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها أو حملها ) زاد في " المحرر " أو حمل ما يلاقيها ( لم تصح صلاته ) أقول : متى باشرها بشيء من بدنه أو ثوبه لم تصح ، ذكره معظم الأصحاب ، وفي " التلخيص " أنه الأظهر ، وزاد : إلا أن يكون يسيرا ، وذكر ابن عقيل : في سترته المنفصلة عن ذاته إذا وقعت حال سجوده على نجاسة أنها لا تبطل ، فإن كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلي إلى جانبه ، وحائط لا يستند إليه صحت ، قاله ابن عقيل ، وصححه في " الفروع " لأنه ليس بموضع لصلاته ، ولا محمولا فيها [ ص: 388 ] واختار السامري ، والمجد ، وجماعة : أنها تبطل ، لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليه ، فلو استند إليها حال قيامه أو ركوعه أو سجوده بطلت ، وظاهره أنه لو قابلها حال ركوعه أو سجوده من غير مباشرة أنها لا تبطل ، ذكره في " الكافي " و " المستوعب " وفيه وجه ، كما لو باشرها ببعض أعضائه ، فإن كانت بين رجليه لم يصبها ، والقياس أنها كذلك ، وذكر السامري ، وابن حمدان فيها الصحة ، وشرطها أن تكون النجاسة غير معفو عنها ، لأن المعفو عنه لا أثر له ، وأما إذا حملها لم تصح كما لو كانت على بدنه فلو حمل آجرة باطنها نجس ، أو قارورة مسدودة الرأس فيها نجاسة ، لم تصح ، لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها أشبه حملها في كمه ، وكذا حمل مستجمر ، والأصح فيه الصحة ، وفي حمل بيضة فيها فرخ ميت وجهان ، وعلم منه أنه إذا حمل طاهرا طائرا أو غيره أنها لا تبطل للخبر ، ولأن النجاسة في معدنها فهي كالنجاسة في بدن المصلي .

فرع : إذا جهل كونها في الصلاة ، أو سقطت عليه فأزالها ، أو زالت سريعا ، صحت في الأصح للخبر ، ولأنه زمن يسير فعفي عنه ، كاليسير في القدر ، وفيه وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية