صفحة جزء
ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم ، وقلة الطمع . ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة . ويتخذ كاتبا مسلما مكلفا عدلا حافظا عالما يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه ، ويجعل القمطر مختوما بين يديه . ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود . ولا يحكم لنفسه ، ولا لمن لا تقبل شهادته له . ويحكم بينهم بعض خلفائه ، وقال أبو بكر : يجوز ذلك .


( ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ) تنبيها لهم على الفعل الجميل اللائق بمجالس الحكام والقضاة ( ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة ) لأن في ضد ذلك ضررا بالناس ، فيجب أن يوصيهم بما يزول به الضرر عنهم ، والكهول والشيوخ أولى من غيرهم ; لأن الحاكم يأتيه النساء وفي اجتماع الشباب بهن ضرر . ( ويتخذ كاتبا ) أي : يباح ، والأشهر أنه يسن ; لأنه - عليه السلام - استكتب زيدا وغيره ، ولأن الحاكم تكثر أشغاله فلا يتمكن من الجمع بينها وبين الكتابة ، فإن أمكنه ولاية ذلك بنفسه جاز ، والأولى الاستنابة . وظاهر كلام السامري : أنه لا يتخذ إلا مع الحاجة . ويشترط فيه أن يكون ( مسلما ) لقوله - تعالى - يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا [ آل عمران 118 ] . ( مكلفا ) لأن غير المكلف لا يوثق بقوله ولا يعول عليه ، فهو كالفاسق . ( عدلا ) لأن الكتابة موضع أمانة . ( حافظا علما ) لأن في ذلك إعانة على أمره ، وأن يكون عارفا قاله في " الكافي " لأنه إذا لم يكن عارفا أفسد ما يكتبه بجهله . قال في " الفروع " : ويتوجه فيه ما في عامل الزكاة . [ ص: 44 ] ويستحب أن يكون ورعا نزها جيد الخط . ( يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه ) أي : يستحب أن يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه ; لأنه أبعد للتهمة وأمكن لإملائه عليه ، وإن قعد ناحية جاز ; لأن ما يكتبه يعرض على الحاكم . مسألة : يشترط في القاسم أن يكون حاسبا ; لأنه عمله وبه يقسم ، فهو كالخط للكاتب ، والعفة للحاكم . ( ويجعل القمطر ) هو : بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء ، أعجمي معرب ، وهو الذي تصان فيه الكتب . ( مختوما بين يديه ) لأنه أحفظ له من أن يغير . ( ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود ) ليستوفي بهم الحقوق ويثبت بهم الحجج والمحاضر ، ويحرم تعيينه قوما بالقبول ; لأن من ثبتت عدالته وجب قبول شهادته . ( ولا يحكم لنفسه ) أي : لا ينفذ حكمه لنفسه ; لأنه لا يجوز أن يشهد لها ، ويتحاكم هو وخصمه إلى قاض آخر أو بعض خلفائه ; لأن عمر حاكم أبيا إلى زيد ، وحاكم عثمان طلحة إلى جبير . ( ولا لمن لا تقبل شهادته له ) ذكره بعضهم إجماعا كشهادته له . ( ويحكم بينهم بعض خلفائه ) لزوال التهمة . ( وقال أبو بكر : يجوز ذلك ) هذا رواية في " المبهج " ، وقاله أبو يوسف وأبو ثور ، واختاره ابن المنذر كالأجانب ، وسواء كان الخصم منهم أو أجنبيا ، ذكره في " الرعاية " ، فإن كان الحكم بين والديه أو ولديه لم يجز في الأشهر . وقيل : بلى ; لأنهما سواء عنده فارتفعت تهمة الميل ، وله استخلاف والده وولده كحكمه لغيره بشهادتهما ، ذكره أبو الخطاب وابن الزاغوني وأبو الوفا . [ ص: 45 ] وزاد : إذا لم يتعلق عليهما من ذلك تهمة ولم يوجب لهما بقبول شهادتهما ريبة لم تثبت بطريق التزكية . وقيل : لا ، فإذا صار ولي اليتيم حاكما حكم له على قول أبي بكر . فرع : لا يحكم وقيل : لا يفتي على عدوه ، وجوز الماوردي الشافعي حكمه على عدوه ; لأن أسباب الحكم ظاهرة ، بخلاف الشهادة . واستشكله الرافعي بالتسوية بينهما في عمودي نسبة ، وأن المشهور لا يحكم على عدوه كالشهادة ، ولا نقل عن الحنفية ، ومنعه بعض متأخريهم كالشهادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية