صفحة جزء
وإن قال المدعي : ما لي بينة فالقول قول المنكر مع يمينه فيعلمه أن له اليمين على خصمه . وإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله . وإن أحلفه أو حلف هو من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه وإن نكل قضى عليه بالنكول . نص عليه ، واختاره عامة شيوخنا . فيقول له : إن حلفت ، وإلا قضيت عليك ثلاثا . فإن لم يحلف قضى عليه إذا سأله المدعي ذلك وعند أبي الخطاب : ترد اليمين على المدعي ، وقال : قد صوبه أحمد ، وقال : ما هو ببعيد يحلف ويأخذ . فيقال للناكل : لك رد اليمين على المدعي . فإن ردها حلف المدعي ، وحكم له ، وإن نكل أيضا صرفهما ، فإن عاد أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك ، حتى يحتكما في مجلس آخر .


( وإن قال المدعي : ما لي بينة . [ ص: 63 ] فالقول قول المنكر مع يمينه ) للخبر ، ولأن الأصل براءة ذمته . ( فيعلمه أن له اليمين على خصمه ) لأنه موضع حاجة . ( وإن سأل إحلافه أحلفه ) لأن اليمين طريق إلى تخليص حقه . يلزم الحاكم إجابة المدعي كسماع البينة ، وتكون على صفة جوابه ، نص عليه . وعنه : بصفة الدعوى . وعنه : يكفي تحليفه : لا حق لك علي ، فإذا أحلفه ( خلى سبيله ) لأنه لم يتوجه عليه حق . وعلم منه أنه ليس له استحلافه قبل سؤاله ; لأن اليمين حق له ، كنفس الحق . ويمين المنكر على الفور ، وله تحليفه مع علمه قدرته على حقه نص عليه .

نقل ابن هانئ : إن علم أن عنده مالا يؤدي إليه حقه أرجو أن لا يأثم .

وظاهر رواية أبي طالب : مسألة : حلف يمينا واحدة عند حاكم لم يحلف ثانية عنده ، ولا عند من عرف حلفه ، وإذا لم يبطل حقه باليمين الأولى فله طلبه واحدة بكل طريق شرعي ، ويحلفه عند من جهل حلفه ; لبقاء الحق مع انقطاع الخصومة عنده ، ذكره في " المستوعب " و " الرعاية " . ( وإن أحلفه أو حلف هو من غير سؤال المدعي لم يعتد بيمينه ) لأنه أتى بها في غير وقتها . فإذا سأله المدعي أعادها له ; لأن الأولى لم تكن يمينه . وإن أمسك المدعي عن إحلاف خصمه ثم أراد إحلافه بالدعوى المقدمة جاز ; لأن حقه لا يسقط بالتأخير .

وإن أبرأه منها فله تجديد الدعوى وطلبها ; لأن حقه لم يسقط بالإبراء من اليمين ، وهذه الدعوى غير التي أبرأه من اليمين فيها . [ ص: 64 ] فإن حلف سقطت الدعوى ، ولم يكن للمدعي أن يحلف يمينا أخرى لا في هذا المجلس ولا في غيره ; لحديث الحضرمي ، وعنه : يبرأ بتحليف المدعي .

وعنه : ويحلفه له ، وإن لم يحلفه ، ذكرها الشيخ تقي الدين من رواية مهنا : أن رجلا اتهم رجلا بشيء ، فحلف له ، ثم قال : لا أحلف إلا أن يحلف لي عند السلطان . أله ذلك ؛ قال : لا ، قد ظلمه وتعنته ولا يصله باستثناء .

في " المغني " : أو بما لا يفهم ; لأن الاستثناء يزيل حكم اليمين .

وفي " الترغيب " : هي يمين كاذبة ، ولا يجوز التأويل والتورية فيها إلا لمظلوم . ( وإن نكل قضى عليه بالنكول . نص عليه ) في رواية الميموني والأثرم وحرب . ( واختاره عامة شيوخنا ) وفي " المستوعب " : هو اختيار أكثر أصحابنا ; لأن عثمان قضى على ابن عمر بنكوله عن اليمين . رواه أحمد . ( فيقول له : إن حلفت ، وإلا قضيت عليك ثلاثا ) ذكره في " المستوعب " و " الكافي " لأن النكول ضعيف ، فوجب اعتضاده بالتكرار ثلاثا ، وصرح في " المحرر " و " الفصول " : بأنه يستحب أن يكون ثلاثا ؛ لأنه لو كان كاذبا لحلف المدعي عليه على نفي دعواه .

وقدم في " الرعاية " : أن الحاكم يقول ذلك مرة ، وسواء كان مأذونا له أو مريضا أو غيرهما . ( فإن لم يحلف قضى عليه ) بالنكول ، نص عليه . وهو كإقامة بينة ، لا كإقرار ولا كبذل . ( إذا سأله المدعي ذلك ) لأن ذلك حق للمدعي [ ص: 65 ] فلم يفعل إلا بسؤاله . ( وعند أبي الخطاب ) واختاره جماعة ( ترد اليمين على المدعي ) لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد اليمين على صاحب الحق رواه الدارقطني .

وروي أيضا من رواية إبراهيم بن أبي يحيى ، عن علي ، قال : المدعى عليه أولى باليمين ، وإن نكل حلف صاحب الحق وأخذه . وهذا مذهب عمر وعثمان . ( وقال : قد صوبه أحمد ) في رواية أبي طالب . ( وقال : ما هو ببعيد يحلف ويأخذ ) لما ذكرنا ، وقياس قول أحمد يقتضيه ، وأنه حكم باليمين مع الشهادة ابتداء من غير رضى المنكر وكذا في القسامة ، فإذا رضي المنكر بيمينه كان أولى .

فعلى ذلك ، لا يشترط إذن ناكل في الرد . وشرطه أبو الخطاب ، وجزم به السامري . ويمينه كإقرار مدعى عليه ، فلا تسمع بينته بعدها بأداء ولا إبراء . وقيل : كبينة فتسمع . وقيل : يحبس حتى يجيب : إما بإقرار أو حلف . ذكره في " الترغيب " عن أصحابنا . ( فيقال للناكل : لك رد اليمين على المدعي ) لأنه موضع حاجة أشبه قوله : لك يمينه . ( فإن ردها حلف المدعي ، وحكم له ) لاستكمال الشروط المعتبرة . ( وإن نكل ) من ردت عليه اليمين . ( صرفهما ) وجملته : أنه إذا نكل سئل عن سبب نكوله ; لأنه لا يجب بنكوله حق لغيره بخلاف المدعى عليه فإن قال : امتنعت لأن لي بينة أقيمها ، أو حسابا أنظر فيه ) فهو على حق من اليمين ، ولا يضيق عليه في المدة ; لأنه لا يتأخر إلا حقه . بخلاف المدعى عليه . ( فإن عاد [ ص: 66 ] أحدهما فبذل اليمين لم يسمعها في ذلك ) المجلس ; لأنه أسقط حقه منها . ( حتى يحتكما في مجلس آخر ) لأن الدعوى فيه تصير محاكمة ثانية . فإذا استأنف الدعوى أعيد الحكم بينهما كالأول . وقال ابن حمدان : إن بذلها الناكل قبل عرضها على المدعي وبعده برضاه سمعت ، وإلا فلا . وهذا الذي ذكره المؤلف شرطه : عدم الحكم بالنكول ، وإن تعذر رد اليمين . وقلنا : به لكون المدعي وليا ونحوه ، قضي بالنكول . وقيل : يحلف الولي .

وقيل : إن باشر ما ادعاه . وقيل : يحلف حاكم . وقطع المؤلف : يحلف إذا عقل ويكتب له محضرا بنكوله . تنبيه : الذي يقضى فيه بالنكول ورد اليمين المال ، وما يقصد به المال . وهل يقضى بالنكول في دعوى الوكالة بالمال ؛ على وجهين .

وقال السامري : اختلف أصحابنا في دعوى الكفالة : هل يقضى فيها بالنكول ؛ فيه وجهان ، أوجههما : الحكم به . قاله ابن أبي موسى .

التالي السابق


الخدمات العلمية