صفحة جزء
وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله ، قال للمدعي : زدني شهودا . وإن جهل حاله وطالب المدعي بتزكيته . ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل مرضي ولا يحتاج أن يقول : علي ولي .

وإن عدله اثنان ، وجرحه اثنان ، فالجرح أولى . وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده ، فهل يحبس ؛ على وجهين .

وإن أقام شاهدا ، وسأله حبسه حتى يقيم الآخر حبسه إن كان في المال ، وإن كان في غيره فعلى وجهين . وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرف لسانه ، ولا يقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة ، إلا قول عدلين . وعنه : يقبل قول واحد . ومن ثبتت عدالته مرة ، فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى ؛ على وجهين .


( وإن شهد عنده فاسق يعرف حاله ، قال للمدعي : زدني شهودا ) لأن ذلك يحصل المقصود مع الستر على الشاهد . ( وإن جهل حاله ) لزمه البحث . ( وطالب المدعي بتزكيته ) لقول عمر - رضي الله عنه - للشاهدين : جيئا بمن يعرفكما . ولأن العدالة شرط ، فالشك في وجودها كعدمها ، كشروط الصلاة . ( ويكفي في التزكية شاهدان يشهدان أنه عدل ) في قول أكثر العلماء ، لقوله - تعالى - : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] ، فإذا شهدا أنه عدل ثبت ذلك بشهادتهما ، فيدخل في عموم الآية . وفي " الترغيب " : إذا قلنا : ليست شهادة . [ ص: 85 ] ولا يعتبر لفظ الشهادة والعدد في الجميع ، وهي حق الشرع ، يطلبها الحاكم وإن سكت عنها الخصم . وقيل : بل حقه . ( ولا يحتاج أن يقول : لي وعلي ) لأنه إذا كان عدلا لزم أن يكون له وعليه ، وعلى سائر الناس ، وفي كل شيء ، فلا يحتاج إلى ذكره خلافا للشافعي ; لئلا يكون بينهما عداوة أو قرابة ، ولئلا يكون عدلا في شيء دون آخر . وفي " الشرح " : لا يصح أن يكون ذلك ، فإن من ثبتت عدالته لم تزل بقرابة ولا عداوة ، وإنما ترد للتهمة مع كونه عدلا ، ثم إن هذا إذا كان معلوما انتفاؤه بينهما لم يحتج إلى ذكره ، ولا نفيه عن نفسه ، كما لو شهد بالحق من عرف الحاكم عدالته ، ولأن العدو لا يمنع من شهادته له بالتزكية ، وإنما تمنع الشهادة عليه . ولا يكفي فيها أن يقول : ما أعلم إلا خيرا . تنبيه : يشترط في قبول المزكين معرفة الحاكم خبرتهما الباطنة بصحبة ومعاملة ونحوهما . وفي " الترغيب " : ومعرفة الجرح والتعديل . لقول عمر ; لأن عادة الناس إظهار الطاعات وإسرار المعاصي . وفي " الرعاية " ، وغيرها : ولا يتهم بمعصية . وتعديل الخصم وحده تعديل في حق الشاهد ، وكذا تصديقه له . ولا تصح التزكية في واقعة واحدة ، في الأشهر فيهن . قال أحمد : لا يعجبني أن يعدل ; لأن الناس يتغيرون . وقال : قيل لشريح : قد أحدثت في قضائك . قال : إنهم أحدثوا فأحدثنا . وذكر جماعة : لا يلزم المزكي الحضور للتزكية ، وفيه وجه . وإن جهل الحاكم أنه من أهل الخبرة الباطنة منعه .

قال في " الشرح " : يحتمل أن يريد الأصحاب بما ذكروه : أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل ، كما فعل عمر . ويحتمل [ ص: 86 ] أنهم أرادوا : لا يجوز للمعدل الشهادة بالعدالة ، إلا أن تكون خبرة باطنة . فأما الحاكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال ، فله أن يقبل الشهادة من غير كشف . وإن استكشف الحال كما فعل عمر فحسن . ( وإن عدله اثنان ، وجرحه اثنان ، فالجرح أولى ) في قول أكثر العلماء ؛ لأن الجارح يخبر بأمر باطن خفي على المعدل ، وشاهد العدالة يخبر عن أمر ظاهر ، ولأن الجارح مثبت والمعدل ناف ، وكذا إن زاد عدد المعدل على ذلك . فإن عدله اثنان وجرحه واحد وقبلنا جرحه قدم التعديل ، ذكره في " المحرر " و " المستوعب " و " الرعاية " ، وعلله في " الكافي " بأن بينة الجرح لم تكمل . وإن جرحه اثنان قدما إذا بينا سبب جرحه ، فإن أخبر أحدهما : بتعديله ، والآخر : بجرحه ، بعث آخرين ، فإن أخبرا بجرحه ردت شهادته ، وإن لم يبعث أحدا . قدم الجرح . فرع : إذا عصى في بلده فانتقل عنه ، فجرحه اثنان في بلده ، وزكاه اثنان في البلد الذي انتقل إليه ، قدم التزكية . ويكفي فيها الظن ، بخلاف الجرح . ( وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى يزكي شهوده ، فهل يحبس ؛ على وجهين ) .

أشهرهما : أنه يحبس ، وجزم به في " الوجيز " وزاد : لمدة ثلاثة أيام ، لأن الظاهر العدالة ، ويحبس حتى يفعل ذلك .

والثاني : لا يجيبه إلى ذلك ; لأن الأصل براءة الذمة . وقيل : يحبس في المال ونحوه فقط . وكذا الخلاف لو سأل كفيلا به حد ، أو جعل عين مدعاه في [ ص: 87 ] يد عدل قبل التزكية . ( وإن أقام شاهدا ، وسأل حبسه حتى يقيم الآخر حبسه ، إن كان في المال ) جزم به أكثر الأصحاب ; لأن الشاهد حجة فيه مع يمين المدعي . واليمين إنما تتعين عند تعذر شاهد آخر ، ولم يحصل التعذر . وقيل : لا يحبس . ( وإن كان في غيره فعلى وجهين ) :

أحدهما : لا يحبسه ; لأنه لا يكون حجة في إثباته ، أشبه ما لو لم تقم بينة .

والثاني : بلى ، كالتي قبلها . والأول أولى ; لأنه إن حبس ليقيم شاهدا آخر يتم به البينة ، فهو كالحق الذي لا يثبت إلا بشاهدين . وإن حبس ليحلف معه ، فلا حاجة إليه ; لأن الحلف ممكن في الحال ، فإن ثبت حقه وإلا لم يجب شيء .

وفي " الرعاية " : أنه يحبس في المال وغيره ثلاثة أيام ، فإن أقام شاهدا آخر وإلا حلف غريمه وأطلق .

وقيل : إن طلب يمين المنكر فأبى ، ولم تثبت عدالة الشاهد حبس ، وإلا فلا . وقيل : إن توقف الحكم على شاهد آخر ، لم يحبس غريمه حتى يقيمه ، وإلا فاحتمالان .

فرع : إذا أقام العبد شاهدين بأن سيده أعتقه ، وسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده ، فوجهان . وإن أقامت المرأة شاهدين بطلاقها ، ولم تعرف عدالة الشهود حيل بينه وبينها ، لا إن أقامت شاهدا واحدا . ( وإن حاكم إليه من لا يعرف [ ص: 88 ] لسانه ترجم له من يعرف لسانه ) لأنه لا يعرف ما يترتب الحكم عليه إلا بذلك . ( ولا يقبل في الترجمة ، والجرح والتعديل ، والتعريف ) المراد به تعريف الحاكم ، لا تعريف الشاهد المشهود عليه . قال أحمد : لا يجوز أن يقول الرجل للرجل : أنا أشهد أن هذه فلانة ، ويشهد على شهادتي . والفرق : أن الحاجة تدعو إلى ذلك في الحاكم لأنه يحكم بغلبة الظن . ( والرسالة ) والتزكية . ( إلا قول عدلين ) قدمه في " المحرر " و " المستوعب " ، وجزم به في " الوجيز " ، وهو المذهب . لأن ذلك إثبات شيء يبني الحاكم حكمه عليه ، فافتقر إلى ذلك كسائر الحقوق .

فعلى هذا لا بد من عدلين ذكرين أجنبيين يشهدا بذلك شفاها . وهذا في غير المال والزنا . أما المال : فيشهد رجلان أو رجل وامرأتان . وفي الزنا : الأصح أنه لا بد من أربعة . وذلك شهادة فيعتبر فيه ما يعتبر فيها . ( وعنه : يقبل قول واحد ) في الكل . اختاره أبو بكر لحديث زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره ، فتعلم كتاب اليهود ، حتى كتبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتبه ، وأقرأته كتبه . رواه البخاري .

وقال عمر بن الخطاب وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن ما تقول هذه ؛ فقال عبد الرحمن : هذه حاطب تخبرك بالذي صنع معها .

وقال أبو جمرة : كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس . وكالرواية وأخبار الديانات .

فعلى هذا يكفي إخبار عدل بدون لفظ الشهادة ، ولو كان امرأة أو [ ص: 89 ] والدا وولدا أو أعمى لمن خبره بعد عماه لا قبله ، وعنه : بشرط حريته . ذكرها ابن هبيرة .

وجوابه : بأنه يقبل خبر العبد كأخبار الديانات ، ويكتفى بالرقعة مع الرسول .

وعلى الأول تجب المشافهة ، وتعتبر شروط الشهادة فيمن رتبه حاكم يسأل سرا عن الشهود لتزكية أو جرح ، ومن نصبه للحكم بجرح وتعديل وسماع بينة ، قنع الحاكم بقوله وحده إذا قامت البينة عنده . ( ومن ثبتت عدالته مرة ، فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى ؛ على وجهين ) :

أحدهما : لا يحتاج ، قدمه في " المحرر " ، كالزمن القريب ، ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، فلا يزول حتى يثبت الجرح .

والثاني : بلى ، قال في " المحرر " : وهو المنصوص عنه . وصححه في " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " مع طول المدة ، لأن مع طول الزمان تتغير الأحوال .

التالي السابق


الخدمات العلمية