صفحة جزء
فصل .

ومن كان له على إنسان حق ، ولم يمكنه أخذه بالحاكم ، وقدر له على مال ، لم يجز له أن يأخذ قدر حقه . نص عليه ، واختاره عامة شيوخنا . وذهب بعضهم من المحدثين إلى جواز ذلك . فإن قدر على جنس حقه أخذ بقدر حقه ، وإلا قومه وأخذ بقدر حقه متحريا للعدل في ذلك ، لحديث هند : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ، وكقوله - عليه السلام - : الرهن مركوب ومحلوب

وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن . وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أنه يزيل العقود والفسوخ .


فصل .

( ومن كان له على إنسان حق ، ولم يمكنه أخذه بالحاكم ، وقدر له على مال ، لم يجز له ) أي : يحرم . ( أن يأخذ قدر حقه . نص عليه ، واختاره عامة شيوخنا ) وهو المشهور في المذهب ، ونصره في " الشرح " وغيره ، ورواه ابن القاسم عن مالك ، لقوله عليه السلام : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك . [ ص: 98 ] وقوله : لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه ولأن التعيين والمعارضة بغير رضا المالك ، إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه بحاكم فله ذلك .

فعلى ما ذكره : لو أخذ شيئا لزمه رده أو مثله أو قيمته ، فإن كان من جنس دينه تساقطا في قياس المذهب . وإن كان من غير جنسه غرمه . وتقدم لو غصبه مالا ، أو كان عنده عين ماله أخذه قهرا ، زاد في " الترغيب " : ما لم يفض إلى فتنة .

قال : ولو كان لكل منهما دين على الآخر من غير جنسه ، فجحد أحدهما ، فليس للآخر أن يجحد . وجها واحدا ; لأنه كبيع دين بدين لا يجوز ، ولو رضيا . ( وذهب بعضهم من المحدثين إلى جواز ذلك ) هذه رواية ، فعلى هذا يجب أن يتحريا الأخذ بالعدل . ( فإن قدر على جنس حقه أخذ بقدر حقه ) من غير زيادة على ذلك ( وإلا ) أي : وإن لم يقدر على جنس حقه . ( قومه وأخذ بقدر حقه ) لأن الزائد على ذلك لا مقابل له . ( متحريا للعدل في ذلك ، لحديث هند : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ، ولقوله عليه السلام : الرهن مركوب ومحلوب ) .

والأول أولى ; لأن حديث هند قد أشار أحمد إلى الفرق ، وهو أن حق الزوجية واجب في كل وقت ، والمحاكمة في كل لحظة تشق ، بخلاف من له دين .

وفرق أبو بكر وهو أن قيام الزوجية كقيام البينة ; لأن المرأة لها من البسط [ ص: 99 ] في ماله بحكم العادة ما يؤثر في أخذ الحق ، وبذل اليد فيه ، بخلاف الأجنبي .

وعلى الجواز ، ليس له الأخذ من غير جنسه مع قدرته على جنس حقه ، وإن لم يجد إلا من غير جنس حقه .

فيحتمل أنه لا يجوز له تملكه ; لأنه لا يجوز أن يبيعه من نفسه ، وهذا يبيعه من نفسه ، ويلحقه فيه تهمة . ويحتمل أن يجوز ، كما قالوا في الرهن يركب بقدر النفقة .

فأما إن كان مقرا به باذلا له ، أو كان مانعا له لأمر يبيح المنع كالتأجيل والإعسار ، أو قدر على استخلاصه بالحاكم ، لم يجز له الأخذ بغير خلاف .

فرع : نص أحمد في رواية ابنيه وحرب : على أن للابن أن يأخذ من مال أبيه بغير إذنه إذا احتاج إليه . ذكره الخلال في " جامعه " . ويتخرج جوازه بناء على تنفيذ الوصي الوصية ما في يده إذا كتم الورثة تعيين التركة . ( وحكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن ) وهذا قول جمهور العلماء ; لقوله - عليه السلام - في حديث أم سلمة : فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار متفق عليه . ولأنه حكم بشهادة زور فلا يحل له ما كان محرما عليه ، كالمال المطلق . ( وذكر ابن أبي موسى عنه رواية أنه يزيل العقود والفسوخ ) لما روي عن علي أن رجلا ادعى على امرأة نكاحا ، فرفعا إلى علي ، فشهد شاهدان بذلك ، فقضى بينهما بالزوجية ، فقالت : والله ما تزوجني ، اعقد بيننا عقدا حتى أحل له . فقال : شاهداك زوجاك . [ ص: 100 ] فعلى هذا : يحل لمدعي النكاح وطء المرأة المشهود عليها . والتصرف في العين المبيعة . ولمن علم كذب شهود الطلاق أن يتزوج بالمرأة . والأول أصح . وحديث علي بتقدير صحته لا حجة فيه ; لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه . لكن اللعان ينفسخ به النكاح ، وإن كان أحدهما كاذبا فالبينة أولى .

وجوابه : بأن اللعان حصلت به الفرقة لا بصدق الزوج . ولهذا لو قامت به البينة لم ينفسخ النكاح . لكن أجاب حنبلي بأن اللعان وضعه الشرع لستر الزانية وصيانة النسب ، فتعقب الفسخ الذي لا يمكن الانفكاك إلا به ، وما وضعه الشرع للفسخ به زوال الملك ، وليس من مسألتنا إلا جهل الحاكم بباطن الأمر ، وعلمهما وعلم الشهود أكثر من النص في الدلالة ; لأن النص معلوم وهذا محسوس .

وقدم في " المحرر " " كالمقنع " ثم استثنى : إلا في أمر مختلف فيه قبل الحكم ، فإنه على روايتين . قطع في " الواضح " وغيره : أنه يحيل الشيء عن صفته في مختلف فيه قبل الحكم .

فلو حكم حنفي لحنبلي شفعة جوار ، زال باطنا في الأعرف . ولو حكم لمجتهد أو عليه بما يخالف اجتهاده ، عمل باطنا بالحكم . ذكره القاضي . وقيل : باجتهاده . وإن باع حنبلي - متروك التسمية - ، فحكم بصحته شافعي ، نفذ عند أصحابنا إلا أبا الخطاب . وعلى المذهب ، من حكم له بزوجية امرأة ببينة زور ، حلت له حكما ، ثم إن وطأ مع العلم فكزنا ، ويصبح نكاحها غيره ، خلافا [ ص: 101 ] للمؤلف . وإن حكم بطلاقها ثلاثا بشهود زور ، فهي زوجته باطنا ، نص عليه . ويكره أن يجتمع بها ظاهرا ، ولا يصح نكاحها غيره ممن يعلم الحال ، نص عليه . فإن وطئها فهل يحد ؛ فيه وجهان .

وقال القاضي : يصح النكاح . وجوابه : أنه يفضي إلى الجمع بين الوطء للمرأة من اثنين : أحدهما يطأها بحكم الظاهر ، والآخر بحكم الباطن . وهذا فساد . وكالمتزوج بلا ولي .

مسائل : الأولى : إذا رد حاكم شهادة واحد برمضان ، لم يؤثر كملك مطلق ، وأولى ، لأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت وإنما هو فتوى ، فلا يقال : حكم بكذبه ، أو بأنه لم يره . وفي " المغني " : أن رده ليس بحكم هنا ، لتوقفه في العدالة ، ولهذا لو ثبتت حكم .

قال الشيخ تقي الدين : أمور الدين والعبادات المشتركة بين المسلمين لا يحكم فيها إلا الله ورسوله ، إجماعا . فدل على أن إثبات سبب الحكم كرؤية الهلال ، والزوال ليس بحكم . فمن لم يره سببا لم يلزمه شيء . وعلى ما ذكره المؤلف : أنه حكم . الثانية : إذا رفع إليه حكم في مختلف فيه لا يلزمه نقضه لينفذه ، لزمه تنفيذه في الأصح . وقيل : مع عدم نص يعارضه . وكذا إن كان نفس الحكم مختلفا فيه ، كحكمه بعلمه ونكوله وشاهد ويمين .

وفي " المحرر " : لا يلزمه ، إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله . الثالثة : إذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده فقط ، وأقر بأنه نافذ الحكم ، حكم بصحته ، [ ص: 102 ] فله إلزامهما ذلك ، ورده والحكم بمذهبه .

وقال الشيخ تقي الدين : إنه كالبينة . ثم ذكر أنه قياس المذهب ، كبينته إن عينا الحاكم . الرابعة : من قلد في صحة نكاح لم يفارق بتغير اجتهاده ، كحكم بخلاف مجتهد نكح ثم رأى بطلانه ، في الأصح .

وقيل : ما لم يحكم به حاكم ، ولا يلزم إعلام المقلد بتغيره في الأصح . وإن بان خطؤه في إتلاف بمخالفة قاطع ضمن ، لا مستفتيه ، وفي تضمين مفت ليس أهلا وجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية