صفحة جزء
فصل

النوع الثاني : قسمة الإجبار : وهي ما لا ضرر فيها ، ولا رد عوض ، كالأرض الواسعة والقرى والبساتين ، والدور الكبار والدكاكين الواسعة ، والمكيلات والموزونات من جنس واحد ، سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر ، أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان . فإذا طلب أحدهما قسمه وأبى الآخر أجبر عليه ، وهذه القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب ، وليست بيعا فتجوز قسمة الوقف وإن كان نصف العقار طلقا ونصفه وقفا ، جازت قسمته .

وتجوز قسمة الثمار خرصا ، وقسمة ما يكال وزنا ، وما يوزن كيلا ، والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض وإذا حلف لا يبيع ، فقسم لم يحنث . وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع ، فلا يجوز فيها ذلك . وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا ، وبعضها بعلا ، أو في بعضها نخل ، وفي بعضها شجر ، فطلب أحدهما قسم كل عين على حدة ، وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة ، قسمت كل عين على حدة إذا أمكن .


فصل .

( النوع الثاني : قسمة الإجبار ) لأنه يلي الأول ، وهو قسمة التراضي . ( وهي ما لا ضرر فيها ، ولا رد عوض ، كالأرض الواسعة والقرى والبساتين ، [ ص: 129 ] والدور الكبار والدكاكين الواسعة ) والمراد به أحدها ـ سواء أكانت متساوية الأجزاء أو لا ـ إذا أمكن قسمها بالتعديل ، بأن لا يجعل شيء معها ، فلهما قسم أرض بستان وحدها وغلته والجميع ، فإن قسما الجميع أو الأرض فقسمة إجبار ، ويدخل الشجر تبعا .

وإن قسما الشجر فقط فتراض ، ولأن جواز قسم الأرض مع اختلافها يدل على جواز قسم ما لا يختلف بطريق التنبيه ، سواء قلنا : القسمة بيع أو إفراز ( والمكيلات والموزونات من جنس واحد ) لأن الغرض تمييز الحق ، وذلك لا يختلف بالنسبة إلى ذلك . فإن كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب ، فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته ، أجبر الممتنع ، وإن طلب قسمها أعيانا بالقيمة ، لم يجبر ؛ لأن هذا بيع نوع بنوع آخر ، وليس بقسمة ، فلم يجبر عليه كغير الشريك ، فإن تراضيا عليه جاز ، وكان بيعا يعتبر له التقابض قبل التفرق فيما يعتبر فيه التقابض وسائر شروط البيع ( سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر ، أو لم تمسه كخل العنب والأدهان والألبان ) ونحوها ، لما قلنا من أن الغرض تمييز الحق ( فإن طلب أحدهما ) القسم ( وأبى الآخر أجبر ) الممتنع هو أو وليه ، وكذا حاكم في الأشهر ( عليه ) لأنه يتضمن إزالة الضرر الحاصل بالشركة ، وحصول النفع للشريكين ؛ لأن نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ، ويتمكن من إحداث الغراس والبناء ، وذلك لا يمكن مع الاشتراك [ ص: 130 ] ويشترط له ـ مع ما ذكره المؤلف ـ أن يثبت عند الحاكم أنه ملكهما ببينة ؛ لأن في الإجبار عليهما حكما على الممتنع منهما ، فلا يثبت إلا بما يثبت به الملك لخصمه ، بخلاف حالة الرضى ؛ فإنه لا يحكم على أحدهما ، ولم يذكره آخرون ، وجزم به في " الروضة " ، واختاره الشيخ تقي الدين كبيع مرهون وجان .

ونقل حرب : فيمن أقام بينة بسهم من ضيعة بيد قوم ، فهربوا منه ، يقسم عليهم ويدفع إليه حقه .

قال الشيخ تقي الدين : وإن لم يثبت ملك الغائب ، فدل أنه يجوز ثبوته ، وأنه أولى .

وفي " المحرر " : يقسم حاكم على غائب قسمة إجبار ، وفي " المبهج " و " المستوعب " : بل مع وكيله فيها الحاضر ، واختاره في " الرعاية " في عقار بيد غائب ( وهذه القسمة إفراز ) يقال : فرزت الشيء وأفرزته إذا عزلته ، والإفراز : مصدر أفرز ( حق أحدهما من الآخر في ظاهر المذهب ) وقاله في " المحرر " ، وصححه في " المستوعب " ، وجزم به في " الوجيز " لأنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ، ولا تجب فيها شفعة .

ويلزم بإخراج القرعة ، ويتقدر أحد النصيبين بمقدر ، ويدخلها الإجبار ( وليست بيعا ) لأنها تخالفه في الأحكام والأسباب ، فلم تكن بيعا كسائر العقود [ ص: 131 ] ( فتجوز قسمة الوقف ) أي : تصح بلا رد من أحدهما ( وإن كان نصف العقار طلقا ) الطلق : - بكسر الطاء - الحلال ، وسمي المملوك طلقا ؛ لأن جميع التصرفات فيه حلال ، والموقوف ليس كذلك ( ونصفه وقفا جازت قسمته ) إن طلبها صاحب الطلق ، فإن كان فيها رد ، عوض وفعلا ذلك في وقف لم يجز ؛ لأن بيعه غير جائز ، وإن كان من أهل الوقف جاز ؛ لأنهم يشترون بعض الطلق ، ذكره معظم الأصحاب ( وتجوز قسمة الثمار خرصا ) أي : التي تخرص ( وقسمة ما يكال وزنا وما يوزن كيلا ) لأن الغرض التمييز ، زاد فيهما في " الترغيب " على الأصح .

فرع : يجوز قسم لحم رطب بمثله ، ولحم هدي وأضاح ، ولا يجوز بيعه ( والتفرق في قسمة ذلك قبل القبض ) لأن التفرق إنما منع منه في البيع ( وإذا حلف لا يبيع فقسم ، لم يحنث ) لأن ذلك ليس ببيع ( وحكي عن أبي عبد الله بن بطة ما يدل على أنها كالبيع ) لأنه يبذل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر ، وهذا حقيقة البيع ( فلا يجوز فيها ذلك ) فلا تجوز قسمة ما كله وقف أو بعضه .

وفي " المحرر " عليهما : إن كان الرد من رب وقف لرب الطلق ، جازت قسمته بالتراضي في الأصح .

وفي " الترغيب " عليهما : ما كله وقف لا تصح قسمته في الأصح ، ولا شفعة مطلقا لجهالة ثمن ويفسخ بعيب . [ ص: 132 ] وقيل : يبطل لفوات التعديل ، وإن بان غبن فاحش لم تصح .

وعلى الثاني : كبيع ، ويصح بقوله : رضيت ؛ بدون لفظ القسمة ، وفيه على الثاني في " الترغيب " وجهان .

ملحق : قال القاضي : في " الخلاف " وابن الزاغوني في " الواضح " : ويثبت في القسمة الخياران على المذهبين جميعا ؛ لأن وضعهما للنظر ، وهذا يحتاج إليه هنا .

وفي " النهاية " : القسمة إفراز حق على الصحيح ، فلا يدخلها خيار المجلس ، وإن كان فيها رد احتمل أن يدخلها خيار المجلس ( وإن كان بينهما أرض بعضها يسقى سيحا ، وبعضها بعلا ، وفي بعضها نخل ، وفي بعضها شجر ، فطلب أحدهما قسمة كل نوع على حدة ، وطلب الآخر قسمها أعيانا بالقيمة ، قسمت كل عين على حدة إذا أمكن ) لأنه أقرب إلى التعديل ، لأن لكل واحد منهما حقا في الجميع ، ولأن الحامل على القسمة زوال الشركة ، وهو حاصل فيما ذكر .

وحينئذ فتتعين إجابة طالبه ، لأن ضرر صاحبه يزول بإجابته ، وإذا لم يمكن قسمة كل عين على حدة قسم الجميع إن كان قابلا لها ، وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية