صفحة جزء
[ ص: 147 ] وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام : أحدها : أن تكون في يد أحدهما ، فهي له مع يمينه أنها له ، لا حق للآخر فيها ، إذا لم تكن بينة ، ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل ، والآخر بكمه ، فهو آخذ للابسه .

وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص فهما للخياط ، وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب ، وإن تنازعا عرصة فيها شجر ، أو بناء لأحدهما فهي له ، وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده ، أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه ، أو له عليه أزج فهو له ، وإن كان محلولا من بنائهما ، أو معقودا بهما فهو بينهما ، ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه الآجر ، والتزويق والتجصيص ومعاقد القمط في الخص .

وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة ، فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون بينهما .

وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما ، وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار ، فهو لصاحبها ، وإلا فهو بينهما .

وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما ، وادعى الآخر نصفها ، جعلت بينهما نصفين ، واليمين على مدعي النصف .

وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت ، فما كان يصلح للرجل فهو للرجل ، وما يصلح للنساء فهو للمرأة ، وما يصلح لهما فهو بينهما ، وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما ، حكم بآلة كل صناعة لصاحبها ، في ظاهر كلام أحمد والخرقي ، وقال القاضي : إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك ، وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال ، وكل من قلنا فهو له مع يمينه إذا لم تكن بينة ، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن كان لكل واحد منهما بينة حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب ، وعنه : إن شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في ملكه ، أو قطيعة من الإمام ، قدمت بينته ، وإلا فهي للمدعي ببينته ، وقال القاضي فيهما : إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها ، رواية واحدة ، وقال أبو الخطاب ـ في رواية أخرى ـ : أنها مقدمة بكل حال ، وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج ، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل ، فقال القاضي : تقدم بينة الداخل ، وقيل : تقدم بينة الخارج .


( وإذا تداعيا عينا لم تخل من أقسام ثلاثة : أحدها : أن تكون في يد أحدهما ، فهي له مع يمينه أنها له ، لا حق للآخر فيها ، إذا لم تكن بينة ) لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه . متفق عليه .

ولقوله في قضية الحضرمي والكندي : شاهداك أو يمينه ، ليس لك منه إلا ذلك ، رواه مسلم لأن اليد دليل الملك ظاهرا ، أو لأن من ليست له يحتمل أن تكون له ، فشرعت اليمين في حق صاحبه من أجل ذلك .

وظاهره : أنه إذا كان له بينة تظهر الحق أنه لا يحلف معها ، لكن لا يثبت الملك بذلك كثبوته بالبينة ، فلا شفعة له بمجرد اليد ، ولا عاقلة صاحب الحائط بمجرد اليد ؛ لأن الظاهر لا تثبت فيه الحقوق وإنما ترجح به الدعوى ، وفي " الروضة " : أن اليد دليل الملك ، وفي " التمهيد " : ببينة ( ولو تنازعا دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل ) الحمل : بالكسر ، ما على رأس وظهر ، وبالفتح : ما في بطن الحبلى ، وفي حمل الشجرة بهما ( والآخر آخذ بزمامها ) وقيل : غير مكار ( فهي للأول ) لأن تصرفه أقوى ، ويده آكد ، لأنه المستوفي للمنفعة ، فإن كان لأحدهما عليها حمل ، والآخر راكبها فهي للراكب ، فإن ادعيا الحمل فهو للراكب ؛ لأن يده على الدابة والحمل معا ، أشبه ما لو اختلف الساكن ومالك الدار في قماش فيها ، بخلاف السرج فإنه في العادة لصاحب الفرس ( وإن تنازعا قميصا ، أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه ، فهو للابسه ) لأنه أحسن حالا من الراكب مع الأخذ [ ص: 148 ] بالزمام ، فالراكب أولى ، فكذا ما هو أحسن حالا منه ، فإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر ، أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها بيد الآخر ، تحالفا وهي بينهما ، فيمين كل واحد على النصف الذي أخذه .

وعنه : يقرع بينهما ، فمن قرع حلف وأخذها ، إلا أن يدعي واحد نصفها فأقل ، والآخر كلها أو أكثر مما بقي ، فيصدق مدعي الأقل بيمينه ، نص عليه ، وذكر جمع : يتحالفان ( وإن تنازع صاحب الدار والخياط الإبرة والمقص ) بكسر الميم ، وتسمى كل فردة مقصا ( فهما للخياط ) لأن تصرف الخياط في ذلك أظهر ، والظاهر معه فكان أقوى ، وإن نازعه الخياط في قميص يخيطه فيها ، أو النجار في خشب ينجره فيها ، أو في فرش وقطن وصوف ، فهو لصاحب الدار عملا بالعادة ( وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب ) لما ذكرنا بخلاف الخابية والجرار فإنهما لصاحب الدار ( وإن تنازعا عرصة فيها شجر أو بناء لأحدهما فهي له ) لأن ذلك دليل الملك ظاهرا ، وقال ابن حمدان : إن ثبتا بالاقتدار فهو بينهما ( وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده ، أو متصلا به اتصالا لا يمكن إحداثه ، أو له عليه أزج ) قال الجوهري : هو ضرب من الأبنية ، وقال ابن المنجا : هو القبو ( فهو له ) لأن ذلك يرجح قول مدعيه ، فكان له عملا بالظاهر ، وهو قول أكثرهم ، ويحلف لخصمه .

وظاهره : أنه إذا أمكن إحداثه لم يرجح بذلك ، وهو قول القاضي ، لاحتمال أن يكون فعل ذلك ليتملك الحائط المشترك . [ ص: 149 ] ظاهر الخرقي : أنه يترجح بهذا الاتصال عملا بالظاهر ( وإن كان محلولا من بنائهما ، أو معقودا بهما فهو بينهما ) لأنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر ، ويحلف كل منهما لصاحبه أن نصف الحائط له ، وإن حلف كل واحد على جميعه أنه له وما هو لصاحبه جاز ، وإن نكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان ، وإن نكل أحدهما قضي عليه وكان الكل للآخر ، فإن أقام كل منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما ( ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ) قاله الأصحاب ؛ لأن هذا مما يسمح به الجار ، وهو عندنا حق يجب التمكين منه ، أشبه إسناد متاعه إليه وتزويقه .

ويحتمل أن ترجح به الدعوى ، ورجحه في " الشرح " كالباني عليه ، ولأن كونه مستحقا تشترط له الحاجة إلى وضعه ، وأكثر الناس لا يتسامحون به ، ولأن الحائط يبنى لذلك ، فترجح به كالأزج .

والظاهر : أنها لا ترجح ، بخلاف الجذعين ونحوهما ؛ لأن الحائط يبنى لهما ( ولا بوجوه الآجر والتزويق والتجصيص ) والتحسين ، ولا يكون لأحدهما له على الآخر سترة غير مبينة ؛ لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه ( ومعاقد القمط ) المعاقد : جمع معقد - بكسر القاف - ما تشد به الأخصاص ( في الخص ) وهو بيت يعمل من خشب وقصب ، وجمعه أخصاص ، سمي به لما فيه من الفروج والأنقاب .

وحاصله : أنها لا يرجح الدعوى بكون الدواخل إلى أحدهما والخوارج ، [ ص: 150 ] ووجوه الآجر والحجارة ، ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي أحدهما ، ولا معاقد القمط في الخص ، يعني الخيوط التي يشد بها الخص .

والحديث المروي عن عمران ـ رواه سعيد وابن ماجه ـ ضعفه جماعة منهم : أحمد وإسحاق وابن المنذر ولأن العرف جار بأن من بنى حائطا جعل وجه الحائط كما إذا لبس ثيابه ، فيجعل أحسنها أعلاها الظاهر للناس ، ليروه فيتزين به ( وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوب أو درجة ) منصوبة ، ( فهي لصاحب العلو ) لأن الظاهر أن ذلك له ، لكونه يراد للصعود ، والعرصة التي عليها الدرجة له أيضا لانتفاعه بها وحده ( إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون بينهما ) لأن يدهما عليها لكونها سقفا للسفلاني وموطئا للفوقاني .

قال في " الشرح " : وإن كان تحتها طاق صغير لم تبن الدرجة لأجله ، وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جب الماء ، فهي لصاحب العلو ؛ لأنها بنيت لأجله .

ويحتمل أن تكون بينهما ؛ لأن يدهما عليها وانتفاعهما حاصل بها ، فهي كالسقف .

وفي " المحرر " و " الرعاية " : فإن كان في الدرجة طاقة ونحوها ، فهل تكون بينهما ؛ على وجهين .

مسألة : إذا كانت دار فيها أربعة أبيات : واحد ساكن في أحد أبياتها ، وآخر ساكن في البواقي ، واختلفا فيها ، كان لكل واحد ما هو ساكن فيه ؛ [ ص: 151 ] لأن كل بيت ينفصل عن صاحبه ، ولا يشارك الخارج منه الساكن فيه لثبوت اليد عليه ، وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت ، فهي بينهما نصفان ؛ لاشتراكهما في ثبوت اليد عليها ( وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما ) جزم به في " المحرر " و " المستوعب " و " الوجيز " ؛ لأنه حاجز بين ملكيهما ينتفعان به ، غير متصل ببناء أحدهما اتصال البنيان ، فكان بينهما كالحائط بين الملكين ، ويتحالفان .

وقال ابن عقيل : هو لصاحب العلو ؛ لأنه لا يمكنه السكنى إلا به .

وقال ابن حمدان : إن أمكن إحداثه بعد بناء العلو فهو لهما من غير يمين ، وإن تعذر ، فهو لرب السفل إن حلف . وإن تنازعا حائط العلو أو سقفه فهو لربه ؛ لأنه مختص به ، وإن تنازعا حائط السفل فهو لربه ، لم يذكر في " الشرح " غيره ؛ لأنه المنتفع به وهو من جملة البيت ، فكان لصاحبه ، وقيل : هو بينهما ؛ لأنه لنفعهما ، فهو كالسلم تحت مسكن ( وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع له شكل منصوب في الدار ، فهو لصاحبها ، وإلا فهو بينهما ) قاله معظم أصحابنا ؛ لأن الظاهر أن الرف والمصراع تابع للمنصوب ، وذلك لصاحب الدار فكذا ما يتبعه ، وإما كونه بينهما ؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، ويتحالفان .

وذكر في " الكافي " و " الشرح " : أن ما يتبع الدار في البيع لرب الدار ؛ لأنه [ ص: 152 ] من توابعها ، أشبه الشجرة المغروسة فيها ، وما لا يتبعها للمكتري ؛ لأن يده عليها ، والعادة من أن الإنسان يؤجر داره فارغة .

ونصه لمؤجر مطلقا كما لو لم يدخل في بيع ، وكذا ما لا يدخل في البيع وجرت العادة به ، وما لم تجر العادة به فلمكتر ( وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها ، جعلت بينهما نصفين ، واليمين على مدعي النصف ) نص عليه ؛ لأن مدعي الكل في يده نصف لا منازع فيه ، ومدعي النصف في يده نصف مدعى عليه به ، وهو ينكره ، والقول قول المنكر مع يمينه للخبر . ولا أعلم فيه خلافا ، إلا ما حكي عن ابن شبرمة أن لمدعي الكل ثلاثة أرباعها ؛ لأن النصف لا منازع فيه ، والنصف الآخر يقسم بينهما على حسب دعواهما فيه . وجوابه : سبق .

وذكر أبو بكر وابن أبي موسى أنهما يتحالفان ، وهي بينهما نصفان ، وكذا لو ادعى أحدهما ثلثها ، والآخر جميعها ، وإن أقام كل منهما بينة ، فظاهر المذهب : أنها للمدعي بتقدم بينته ؛ لأنه خارج في النصف ، وإن قدمنا بينة الداخل فالنصف لمدعيه ، وقيل : إن سقطتا فالتسوية ، وفي اليمين روايتان ، وإن كانت بيد ثالث فلمدعي الكل ثلاثة أرباعها ، ولمدعي النصف ربع مع البينة والتحالف ، نص عليه .

وعنه : هي لهما نصفين للتساقط ، وقيل : يقترعان على النصف . وإن كانت [ ص: 153 ] بيد ثلاثة فادعى أحدهم نصفها ، والآخر ثلثها ، والثالث سدسها ، فهي لهم كذلك ، سواء أقام كل واحد منهم بينة أم لا ( وإن تنازع الزوجان ) حرين كانا أو رقيقين ، أو أحدهما أو بعضه ( أو ورثتهما ) أو أحدهما وورثة الآخر ( في قماش البيت ، فما كان يصلح للرجال ) كالسيف والعمامة ( فهو للرجل ) لأنه الظاهر ( وما يصلح للنساء ) كالحلي وزينتهن ( فهو للمرأة ) لما ذكرنا ( وما يصلح لهما فهو بينهما ) لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ، وقيل : ولا عادة ، نقل الأثرم : المصحف لهما ، فإن كانت لا تعرف تكتب ولا تقرأ بذلك فهو له ( وإن اختلف صانعان في قماش دكان لهما ، حكم بآلة كل صناعة لصاحبها ، في ظاهر كلام أحمد والخرقي ) قدمه في " المحرر " و " المستوعب " ، وجزم به في " الوجيز " ، ونصره في " الشرح " عملا بالظاهر ، ولأن الآلة بالنسبة إلى الصانع كالقماش الصالح للرجل بالنسبة إليه ، وكما لو تنازعا فيما في أيديهما ، أشبه ما لو كان في اليد الحكمية ( وقال القاضي ) في المسألتين ( إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك ، وإن كانت من طريق المشاهدة فهو بينهما على كل حال ) لأن المشاهدة أقوى من اليد الحكمية ، بدليل ما لو تنازع الخياط وصاحب الدار الإبرة والمقص وإن كان في يد أحدهما المشاهدة فهو له .

واعلم أنه لا ترجيح مما خرج عن المسكن والدكان بالصلاحية فقط بحال ، لأنه ليس لهما يد حكمية أشبه سائر المختلفين ( وكل من قلنا فهو له مع يمينه ) لأنه يحتمل أن لا يكون له ، فشرعت اليمين من أجل ذلك ( إذا لم [ ص: 154 ] تكن بينة ) لأنها تظهر الحق ( وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ) بغير خلاف ، ولم يحلف لحديث الحضرمي وغيره ، ولأن البينة أحد حجتي الدعوى ، فيكتفى بها كاليمين ، وهذا قول أهل الفتيا من أهل الأمصار .

وقال شريح والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى : يستحلف الرجل مع بينته . قيل لشريح : ما هذا الذي أحدثت في القضاء ؛ فقال : رأيت الناس أحدثوا فأحدثت ، قال الشيخ شمس الدين ابن القيم : وهذا ليس ببعيد ، لا سيما مع التهمة ، ويخرج في مذهب أحمد وجهان .

قال الخلال في " جامعه " : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا مهنا ، قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يقيم الشهود ، أيستقيم للحاكم أن يقول لصاحب الشهود : احلف ؛ قال : قد فعل ذلك علي .

قلت : من ذكره ؛ قال : ثنا حفص بن غياث ، ثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن حنيس ، قال : استحلف علي عبيد الله بن الحر الشهود ( وإن كان لكل واحد منهما بينة ) وهي بيد أحدهما ، أقيمت بينة منكر بعد زوال يده أو لا ( حكم بها للمدعي في ظاهر المذهب ) وهو المشهور عنه ، وقاله الخرقي ، ونصره في " الشرح " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة في جنبة المدعى بقوله : البينة على المدعي فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة ، ولأن بينة المدعي أكثر فائدة ؛ لأنها تثبت شيئا لم يكن ، فوجب تقديمها كبينة الجرح على التعديل ، وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا [ ص: 155 ] دلت اليد عليه فلم تفد ، ولأنه يجوز أن يكون مستند بينة المنكر رؤية التصرف ، ومشاهدة اليد أشبهت اليد المفردة .

والثانية : تقدم بينة المنكر مطلقا ، اختارها أبو محمد الجوزي ، وقاله أكثر الفقهاء ، وأبو عبيد ؛ لأنهما تعارضتا ومع صاحب اليد ترجيح بها ، فقدمت كالنصين إذا تعارضا ومع أحدهما القياس ( وعنه : إن شهدت بينة المدعى عليه أنها له نتجت في ملكه ، أو قطيعة من الإمام ، قدمت بينته ) لحديث جابر أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دابة أو بعير ، وأقام كل منهما البينة أنها له أنتجها ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم أنها للذي في يده ولأنها إذا شهدت بالسبب أفادت ما لا تفيده اليد ، وترجحت باليد فوجب ترجيحها ( وإلا ) أي : وإن لم يشهد بذلك ( فهي للمدعي ببينته ) .

قال أحمد : البينة للمدعي ، ليس لصاحب الدار بينة ، وعنه : تقدم بينة الداخل ، إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فإنها تقدم ، وعلى هذا يكفي مطلق السبب .

وعنه : تعتبر إفادته للسبق ، فإن شهدت بينة كل منهما أنها أنتجت في ملكه تعارضتا ، وقدم في " الإرشاد " : تقدم بينة خارج ( وقال القاضي فيهما : إذا لم يكن مع بينة الداخل ترجيح لم يحكم بها ، رواية واحدة ) لأن بينة الخارج أقوى منها ، لأنها لا يجوز أن يكون مستندها اليد ، بخلاف بينة الداخل ( وقال أبو [ ص: 156 ] الخطاب ـ في رواية أخرى ـ : أنها ) أي : بينة الداخل ( مقدمة بكل حال ) لأن جنبته أقوى من جنبة الخارج ، بدليل أن يمينه تقدم على يمينه ( وإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج ، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل ، فقال القاضي : تقدم بينة الداخل ) قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه هو الخارج في المعنى ، لأنه ثبت بالبينة أن المدعي صاحب اليد ، وأن يد الداخل نائبة عنه ( وقيل : تقدم بينة الخارج ) لأنه المدعي ، ولأن اليمين في حق الداخل فتكون البينة في حق الخارج ، وقيل : يتعارضان ، فلو ادعى الخارج أن العين ملكه أودعها إياه أو آجره ، وأنكر الآخر ، وأقاما بينتين ، فبينة الخارج أولى ؛ نصره في " الكافي " و " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " وكما لو لم يدع الوديعة .

وقال القاضي : بينة الداخل مقدمة ؛ لأنه هو الخارج في المعنى .

ومثله : لو ادعى أن الداخل غصبه إياها .

فرع : إذا أقام المدعي بينة ولم يعدلها ، لم تسمع بينة الداخل ، وفيه احتمال ، وتسمع بعد التعديل قبل الحكم وبعده قبل التسليم ، ولا تسمع قبل سماع بينة الخارج ، وتعديلها بعد الحكم والتسليم ، فإن لم يكن للداخل بينة حاضرة ، فرفعنا يده فجاءت بينته ، وقد ادعى ملكا مطلقا في بينة خارج ، وإن ادعاه مستندا إلى ما قبل رفع يده ، فبينة داخل ، والمراد فمن يقدم بينة الداخل يقدمها وينقض الحكم ببينة الخارج ، والمراد إن كان يرى تقديمها عند التعارض ؛ لأنه إنما حكم بناء على [ ص: 157 ] عدم بينة داخل ، فقد بين إسناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم ، وهو الأشهر للشافعية .

مسائل : الأولى : إذا كان في يد إنسان شاة مسلوخة وباقيها في يد آخر ، فادعاها كل منهما ولا بينة ، فلكل ما في يده مع يمينه ، وإن أقاما بينتين ـ وقلنا بتقديم بينة الخارج ـ فلكل ما في يده من غير يمين .

الثانية : إذا كان في يد كل منهما شاة ، فادعى كل منهما أن الشاة التي في يد صاحبه له ، وأقاما بينتين فلكل منهما الشاة التي في يد صاحبه ولا تعارض ، وإن قال كل منهما : الشاة التي في يدك من نتاج شاتي هذه ، فالتعارض في النتاج لا في الملك .

الثالثة : إذا ادعى شاة بيد عمرو ، وأقام بينة قضي له ، فإن أقام عمرو بينة أنها ملكه لم تسمع ؛ لأنها بينة داخل له يد .

الرابعة : إذا كان في يده شاة ، فادعى عمرو أنها له منذ سنة وأقام البينة ، وادعى زيد أنها في يده منذ سنتين وأقام بينة ، فهي لعمرو بغير خلاف ؛ لإمكان الجمع ، فإن شهدت بينة عمرو بأنها ملكه منذ سنتين فقد تعارض الترجيحان ، وفيه روايتان ، فإن شهدت بينة الداخل أنه ملكها منذ سنة ، وشهدت بينة الخارج أنه ملكها منذ سنتين ، قدمت بينة الخارج ، على المشهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية