صفحة جزء
فصل .

القسم الثاني : أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما ، وإن تنازعا مسناة بين نهر أحدهما وأرض الآخر ، تحالفا وهي بينهما ، وإن تنازعا صبيا في يديهما فكذلك ـ وإن كان مميزا ـ فقال : إني حر ، فهو حر . إلا أن تقوم بينة برقه ، ويحتمل أن يكون كالطفل ، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن كان لكل واحد منهما بينة ، قدم أسبقهما تاريخا ، فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى ، فهما سواء ، ويحتمل تقديم المطلقة ، وإن شهدت إحداهما بالملك ، والأخرى بالملك والنتاج ، أو سبب من أسباب الملك ، فهل تقدم بذلك ؛ على وجهين : ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ، ولا اشتهار العدالة ، ولا الرجلين على الرجل والمرأتين ، ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين ، وإذا تساوتا تعارضتا ، وقسمت العين بينهما بغير يمين ، وعنه : أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما ، وعنه : أنه يقرع بينهما ، فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ، فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد ، لم تسمع البينة على ذلك حتى يقول : وهي ملكه ، وتشهد البينة به ، وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه ، وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه ، وأقاما بذلك بينتين تعارضتا .

وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه أو أعتقه ، قدمت بينته ، ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة ، وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة .


فصل

( القسم الثاني : أن تكون العين في يديهما فيتحالفان وتقسم بينهما ) بغير خلاف نعلمه ؛ لأن يد كل منهما على نصفها ، والقول قول صاحب اليد مع يمينه ، وإن [ ص: 158 ] نكلا جميعا عن اليمين فكذلك ، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي له بجميعها ؛ لأنه يستحق ما في يده بيمينه ، وما في يد الآخر بنكوله ، أو بيمينه التي ردت عليه بنكول صاحبه ، وفى كل موضع قلنا : هو بينهما نصفان ، إنما يحلف كل منهما على النصف الذي نجعله له ( وإن تنازعا مسناة ) المسناة : السد الذي يرد ماء النهر من جانبه ( بين نهر أحدهما وأرض الآخر ، تحالفا وهي بينهما ) ذكره في " الكافي " و " الشرح " و " الوجيز " ؛ لأنه حاجز بين ملكهما ينتفع به كل واحد منهما ، أشبه الحائط بين الدارين ، وقيل : لرب النهر ، وقيل : لرب الأرض ، ولرب النهر الارتفاق بها في تنظيف النهر ، والحوض كالنهر في ذلك .

فرع : إذا تنازعا جرارا بين ملكهما فهو بينهما ، ويتحالفان ، ويحلف كل منهما للآخر أن نصفه له ، وفي " المغني " : يجوز أن يحلف أن كله له ( وإن تنازعا صبيا ) مجهول النسب ( في يديهما فكذلك ) أي : يتحالفان وهو بينهما ؛ لأنه لا يعبر عن نفسه ، أشبه البهيمة ، إلا أن يعرف أن سبب يده غير الملك ، مثل : أن يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقه ؛ لأن اللقيط محكوم بحريته ، فأما غيره فقد وجد فيه دليل الملك وهو اليد من غير معارضة ، فيحكم برقه وإن لم يدعه .

فعلى هذا : إذا بلغ وادعى الحرية لم تقبل منه ؛ لأنه محكوم برقه قبل دعواه ، فلو وضع يده على بدنه ، والآخر على ثوبه ، فهو وثوبه للأول ( وإن كان مميزا ، فقال : إني حر ، فهو حر ) قدمه في " المستوعب " و " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ، وذكر [ ص: 159 ] في " الشرح " : أنه الأولى ؛ لأن الظاهر الحرية ، وهي الأصل في بني آدم ، ولأنه يعرب عن نفسه ، أشبه البالغ ( إلا أن تقوم بينة برقه ) فيعمل بها ( ويحتمل أن يكون كالطفل ) أي : يكون بينهما لأنه غير مكلف ، أشبه الطفل ، وكما لو اعترف برقه .

فرع : إذا ادعيا رق بالغ فصدقهما فهو لهما ، وإن كذبهما ـ ولا بينة ـ حلف لهما وخلي ، وإن صدق أحدهما فهو له ؛ لأن رقه إنما ثبت بإقراره ، وإن جحدهما قبل قوله في الأشهر ، وفي " الرعاية " : إن سكت هو أو المميز لم يصح بيعهما .

وقيل : بلى ، فإن أقاما بينة برقيه أحدهما ، وأقام بينة بحريته تعارضتا ، وقيل : تقدم بينة الحرية ، وقيل : عكسه ( وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ) لأن البينة تظهر صاحب الحق ( وإن كان لكل واحد منهما بينة ، قدم أسبقهما تاريخا ) قال القاضي : هو قياس المذهب ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنها أثبتت لصاحبها في وقت لم تعارض فيه البينة الأخرى فيثبت الملك فيه ، ولهذا له المطالبة بالباقي ذلك الزمان ، وتعارضت البينتان في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق تحت استدامته ، مثل أن تشهد إحداهما أنها له منذ سنة ، والأخرى أنها له منذ سنتين .

وظاهر الخرقي أنهما سواء ، قدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، ورجحه في " الشرح " ؛ لأن الشاهد بالملك الحادث أولى لجواز أن يعمل به دون الأول ، فإذا لم يرجح بهذا فلا أقل من التساوي . وأجاب في " المغني " عن ثبوت الملك في [ ص: 160 ] الزمن الأول : بأن ذلك إنما يثبت تبعا للزمن الحاصل ، بدليل أنه لو انفردت الدعوى بالزمن الماضي لم تسمع ( فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى ، فهما سواء ) هذا هو المذهب ، وجزم به في " الوجيز " ونصره في " الشرح " ؛ لأنه ليس في المطلقة ما يقتضي التقديم ، فوجب استواؤهما ، كما لو أطلقتا جميعا ( ويحتمل تقديم المطلقة ) هذا وجه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ؛ لأن الملك بها يجوز أن يكون ثابتا قبل الموقتة ( وإن شهدت إحداهما بالملك ، والأخرى بالملك والنتاج أو سبب من أسباب الملك ، فهل تقدم بذلك ؛ على وجهين ) :

أحدهما : وهو اختيار الخرقي ، وقدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " : لا ترجح به ؛ لأنهما اشتركا في إثبات أصل الملك واليد فوجب استواؤهما كذلك .

والثاني : تقدم به ؛ لأنها شهدت بزيادة على الأخرى ، كتقديم بينة الجرح على التعديل .

وعنه : لا تقدم إحداهما إلا بالسبق أو سبب يفيده كالنتاج في ملكه والإقطاع ، فأما سبب الإرث أو الهبة أو الشراء فلا ، قال في " المحرر " : فعلى هاتين إن شهدت بينة بملك منذ سنة ، وأطلقت الأخرى ، فهل هما سواء أو تقدم المطلقة ؛ على وجهين ، فإن شهدت بينة كل واحد بسبق الملك أو سببه قدمت بينة الخارج . [ ص: 161 ] وقيل : هما كغيرهما في السقوط وغيره .

وكذا إذا اتفق تاريخهما ، قاله في " الرعاية " ( ولا ترجح إحداهما بكثرة العدد ، ولا اشتهار العدالة ، ولا الرجلين على الرجل والمرأتين ) هذا هو المعمول به ، وقاله أكثر العلماء ؛ لأن الشرع قدر الشهادة بمقدار معلوم وبالعدالة وبالرجل والمرأتين ، فلم يختلف ذلك بالزيادة .

وعنه : ترجح باشتهار العدالة ، اختاره ابن أبي موسى وأبو الخطاب وأبو محمد الجوزي ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه أبلغ ، وهو قول في الرجلين وتخريج في كثرة العدد ؛ لأن أحد الخبرين يرجح بذلك ، والشهادة خبر ، ولأن الظن يقوى بذلك ( ويقدم الشاهدان على الشاهد واليمين في أحد الوجهين ) صححه في " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن الشاهدين حجة متفق عليها ، فتقدم على المختلف فيه .

والثاني : لا ترجح بذلك ، وقدمه في " الفروع " : بل تتعارضان ؛ لأنهما حجتان أشبهتا البينتين ( وإذا تساوتا تعارضتا ) لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى ( وقسمت العين بينهما ) على المذهب ، وصححه في " الشرح " ، وفي " الكافي " : أنه الأولى ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لما روى أبو موسى أن رجلين اختصما في بعير ، وأقام كل منهما شاهدين ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالبعير بينهمارواه أبو داود . ولأن كلا منهما داخل في نصف العين خارج في نصفها الآخر ( بغير يمين ) وهو قول أكثرهم لظاهر ما ذكرناه ( وعنه : أنهما يتحالفان كمن لا بينة لهما ) ذكره الخرقي ، وقدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، فعلى هذا : يحلف كل منهما [ ص: 162 ] على النصف المحكوم له به وكالخبرين المتساويين .

وجوابه : الفرق أن كل بينة في نصف العين ، والبينة الراجحة يحكم بها من غير يمين ، ونصر في " عيون المسائل " : يستهمان على من يحلف ، وتكون العين له ، ونقله صالح ( وعنه : أنه يقرع بينهما ) لأن القرعة مشروعة في موضع الإبهام ، وهو موجود هنا ( فمن قرع صاحبه حلف ) لأنه يحتمل أن تكون العين لصاحبه ( وأخذها ) لأن ذلك فائدة القرعة ، والمقدم في " الفروع " : أنه يأخذها من غير يمين ، ثم قال : وهل يحلف كل منهما للآخر ؛ فيه روايتان ( فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد ، لم تسمع البينة على ذلك حتى يقول : وهي ملكه ، وتشهد البينة به ) لأن مجرد الشراء لا يوجب نقل الملك ؛ لجواز أن يقع من غير مالك ، فلم يكن بد من انضمام الملك للبائع ، ولأن مجرد الشراء لو أفاد لتمكن من أراد انتزاع ملك من يد شخص بذلك ، بأن يوافق شخصا لا ملك له على إيقاع الشراء على الملك الذي في يد ذلك الشخص ، وينتزعه منه ، وذلك ضرر عظيم ( وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه ، وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه ، وأقاما بذلك بينتين تعارضتا ) لأنهما استويا في السبب وثبوت الملك وذلك يوجب التعارض .

وظاهره : ولو أرضا . وهي رواية ، وهي المذهب .

والثانية : يقدم أسبقهما تاريخا ، وإن كانت في يد أحدهما فهي [ ص: 163 ] للخارج .

فرع : من ادعى دارا في يده ، فأقام زيد بينة أنه اشتراها من عمرو حين كانت ملكه ، وسلمها إليه فهي لزيد ، وإلا فلا .

وكذا دعوى وقفها عليه من عمرو ، وهبتها له منه ، ومن أقر لزيد بشيء ادعاه ، وذكر تلقيه من سمع ، وإلا فلا .

وإن أخذ منه ببينة ثم ادعاه ، فهل يلزم ذكر تلقيه منه ؛ قال ابن حمدان : يحتمل وجهين :

إذا قال : أجرتك هذا البيت بعشرة ، فقال المستأجر : بل جميع الدار ، وأقاما بينتين تعارضتا وقيل : يقدم قول المستأجر ( وإن أقام أحدهما بينة أنها ملكه ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه أو أعتقه قدمت بينته ) لأنها شهدت بأمر خفي على بينة الملك ، ولا تعارض بينهما ، فثبت الملك للأول والشراء منه للثاني ، ولم ترفع يده بل تقر في يده ، ولا تؤخذ منه ؛ لأنه قد حكم بأن بينته مقدمة ، بخلاف الحكم في مسألة الداخل والخارج ، فإن اليد ترفع فيها ؛ لأن صاحب اليد هو الداخل ، كقوله : أبرأني من الدين ؛ لأن معها زيادة علم .

أما لو قال : لي بينة غائبة طولب بالتسليم ؛ لأن تأخيره يطول .

وقال الشيخ تقي الدين في بينة شهدت له بملك إلى حين وقفه ، وأقام [ ص: 164 ] وارث بينة أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه : قدمت بينة الوارث ؛ لأن معها مزيد علم ، كتقديم من شهد بأنه ورثه من أبيه ، وآخر أنه باعه ( ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة ، وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة ) لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضي لنقل الملك ، وقول الابن : إن أباه تركها تركة لا تعارضها ، وإن نافيها في مستندها فيه هو الاستصحاب ، وقد تبين قطعه بقيام البينة على سبب النقل ، فإن لم يكن لها بينة فيصدق الابن إن حلف .

تنبيه : إذا كانت دار بيد زيد ، فأقام كل واحد بينة أنه اشتراها من زيد بكذا وقبل ، أو لم يقل : وهي ملكه ، بل كانت تحت يده وقت البيع ، واتحد تاريخهما تعارضتا .

فإن قلنا : تقسم تحالفا ، ورجع كل واحد على زيد بما وزن له .

وقيل : بنصف الثمن ، وله الخيار في فسخ البيع ؛ لأن الصفقة تبعضت عليه .

فإن فسخ أحدهما فللآخر طلب كل الدار ، إلا أن يكون الحاكم قد حكم له بنصف السلعة ونصف الثمن فلا يعود النصف الآخر إليه ، وإن أقرعنا فهي لمن قرع ، وفي اليمين الخلاف السابق ، وإن سقطتا فكما سبق .

وإن اختلف تاريخهما حكم بالأسبق وغرم البائع الثمن للثانية وإن أرخت إحداهما أو لم تؤرخا تعارضتا في الملك في الحال ، لا في الشراء لجواز [ ص: 165 ] تعدده وتجدده ، وإن ادعاها زيد لنفسه حلف لهما مرة ، قدمه في " الرعاية " .

‌‌‌‌ وقيل : إن قلنا : يسقطان ، حلف لكل واحد يمينا وأخذها ، وإن قلنا بالقرعة فمن قرع منهما غير زيد حلف أنها له وحده وأخذها .

وإن قلنا : تقسم ، فلكل منهما نصفها بنصف الثمن ، ذكره في " الكافي " ، وقد نص أحمد ـ في رواية الكوسج ـ في رجل أقام البينة أنه اشترى سلعة بمائة ، وأقام آخر بينة أنه اشتراها ، فكل منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن ، فيكونان شريكين .

التالي السابق


الخدمات العلمية