صفحة جزء
فصل .

القسم الثالث : تداعيا عينا في يد غيرهما فإنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف ، وأخذها فإن كان المدعي عبدا فأقر لأحدهما لم يرجح إقراره ، وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن كان لكل منهما بينة تعارضتا ، والحكم على ما تقدم ، فإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم ترجح بذلك ، وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه ، فقال القاضي : يحلف لكل واحد منهما ، وهي له ، وقال أبو بكر : بل يقرع بين المدعيين فتكون لمن تخرج له القرعة ، وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه اشتراه من زيد ، وادعى العبد أن زيدا أعتقه ، وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج ، وإن كان العبد في يد زيد ، فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما ، وإن كان في يده عبد ، فادعى عليه رجلان ، كل واحد منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما ، لزمه الثمن لكل واحد منهما ، وإن أنكرهما حلف لها وبرئ ، فإن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه ، وحلف للآخر ، وإن كان لأحدهما بينة فله الثمن ويحلف للآخر ، وإن أقام كل واحد منهما بينة ، فأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما ، أو إطلاقهما ، أو إطلاق إحداهما وتأريخ الأخرى ، عمل بها ، وإن اتفق تاريخهما تعارضتا ، والحكم على ما تقدم ، وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بينة ، قدم أسبقهما تاريخا ، وإن لم تسبق إحداهما تعارضتا ، وإن قال أحدهما : غصبني إياه ، وقال الآخر : ملكنيه ، أو أقر لي به ، وأقام كل واحد بينة فهو للمغصوب منه ، ولا يغرم للآخر شيئا .


فصل .

( القسم الثالث : تداعيا عينا في يد غيرهما ) نقول : إذا ادعاها صاحب اليد لنفسه ، قبل قوله مع يمينه بغير خلاف ، ويحلف لكل واحد يمينا في الأشهر ، فإن نكل عنها لزمه العين لهما أو عوضها ، وإن لم يكن كذلك ( فإنه يقرع بينهما ) لما روى أبو هريرة أن رجلين تداعيا في دابة ليس لواحد منهما بينة ، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وإسناده ثقات ، ولأن القرعة تتميز عند التساوي ، ولأنه لا مزية لأحدهما ، أشبه ما لو أعتق أحد عبديه في مرضه ( فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها ) لما ذكرنا ، وقيل : يقتسمانها ، ويتحالفان ، وقيل : من قرع من المدعيين وحلف فهي له ، وذكر [ ص: 166 ] جماعة أنه إذا اعترف أنه لا يملكها ، وقال : لا أعرف صاحبها ، وصدقاه في نفي العلم لم يحلف ، وأخذت منه واقترعا ، فمن قرع صاحبه حلف أنها له وأخذها .

وإن كذباه أو أحدهما لزمه يمين واحدة بذلك ، واقترعا قبل حلفه الواجب وبعده ، وإن نكل تعين قبله .

وإن اقترعا قبل ، فلا حلف عليه كغير المقروع المكذب له ، فإن نكل لزمه القيمة ، وعنه : يقف الحكم حتى يأتيا بأمر بين ، قال : لأن إحداهما كاذبة فسقطتا ، كما لو ادعيا زوجية امرأة ، وأقام كل واحد البينة وليست بيد أحدهما ، فإنهما يسقطان كذا هنا ( فإن كان المدعي عبدا ) مكلفا ( فأقر لأحدهما لم يرجح إقراره ) هذه رواية ذكرها القاضي وغيره ؛ لأنه متهم وهو محجور عليه أشبه الطفل .

والمذهب أنه إذا صدق أحدهما فهو له كمدع واحد .

وإن صدقهما فهو لهما ، وإن جحد قبل قوله ، وحكي : لا ، وإن كان غير مكلف لم يرجح بإقراره .

مسائل : إذا أقر بها لأحدهما بعينه حلف وأخذها ، ويحلف المقر للآخر ، وإن نكل أخذ منه بدلها ، وإن أخذها المقر له فأقام الآخر بينة أخذها منه ، قال في " الروضة " : للمقر له قيمتها على المقر ، وإن أقر بها لهما ونكل عن التعيين اقتسماها ، وإن قال : هي لأحدهما وأجهله ، فإن صدقاه لم يحلف ويقرع بينهما ، فمن قرع حلف وأخذها ، نص عليه ( وإن كان لأحدهما [ ص: 167 ] بينة حكم له بها ) بغير خلاف ؛ لأنها أظهرت أنه المستحق للعين المالك لها ( وإن كان لكل منهما بينة تعارضتا ) لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى ، وسواء كان مقرا لهما أو لأحدهما لا بعينه ، أو ليست بيد أحد ( والحكم على ما تقدم ) وفيه روايتان :

إحداهما : القرعة ، وهي ظاهر الخرقي ، وصححها ابن المنجا ، وروي عن ابن عمر وابن الزبير ، وقاله إسحاق وأبو عبيد ، لما روى ابن المسيب أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ، وجاء كل واحد منهما بشهود عدول ، فأسهم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما . رواه الشافعي ، وقياسا على ما إذا لم تكن بينة .

فعلى هذا : من خرجت له القرعة أخذها من غير يمين .

وقال أبو الخطاب : عليه اليمين مع بينته ترجيحا لها .

والثانية : تقسم العين بينهما لحديث أبي موسى في البعير .

والأول أولى ؛ لأنه على أن العين في يدهما ، وفي قول : يتوقف الأمر حتى يتبين .

فرع : إذا أنكرهما من العين في يده ، وكانت لأحدهما بينة حكم له بها ، وإن أقام كل منهما بينة ، فإن قلنا تستعمل البينتان ، أخذت العين من يده وقسمت بينهما ، أو يدفع إلى من تخرج له القرعة ، وهو المشهور . [ ص: 168 ] وإن قلنا : بسقوطهما ، حلف صاحب اليد وأقرت في يده ، كما لو لم تكن بينة ( فإن أقر صاحب اليد لأحدهما لم ترجح بذلك ) كإقرار العبد لأحد المدعيين ، إذا قلنا : لا تسقط البينتان ؛ لأنه ثبت زوال ملكه فصار كالأجنبي ، وإن قلنا : بسقوطهما ، فأقر لأحدهما أو لهما قبل إقراره ، فإن أقر لأحدهما في الابتداء صار المقر له صاحب اليد ؛ لأن من في يده العين مقر بأن يده نائبة عن يده .

وإن أقر لهما جميعا فاليد لكل منهما في الجزء الذي أقر له به ، قاله في " الشرح " وغيره .

وفي " المحرر " و " الرعاية " : أنه إذا أقر لأحدهما بها أنها له مع يمينه ، ثم يحلف المقر للآخر على الأصح ، فإن نكل لزمه عوضها .

فرع : أخذ ثوبا من زيد بعشرة ، وآخر من عمرو بعشرين ، فادعى كل منهما الأكثر قيمة ، ولا بينة ، اقترعا ، فمن قرع حلف وأخذ الأكثر قيمة ، والباقي للآخر ، نص عليه ؛ لأنهما تنازعا عينا في يد غيرهما ، وفي " الرعاية " : وكذا إن اشتراها منهما اثنان أو باعه لهما واحد ( وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه ، فقال القاضي : يحلف لكل واحد منهما ، وهي له ) لأنه صاحب اليد وهو منكر ، فلزمته اليمين للخبر ، وكمن لا بينة له ( وقال أبو بكر : بل يقرع بين المدعيين ) لأنه يظهر المستحق لها دون صاحب اليد ( فتكون لمن تخرج له القرعة ) لأن بينتهما أظهرت أنهما المستحقان لها ، وأنه لا حق لصاحب اليد ، فرجحت إحدى البينتين بالقرعة ، كما لو [ ص: 169 ] أقر صاحب اليد لأحدهما لكن لا يعلمه بعينه .

تنبيه : ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده ، وادعى آخر كذلك ، أو ادعى العبد العتق وأقاما بينتين ، بذلك قدمنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ ، وإلا تعارضتا فتسقطان ، أو يقسم أو يقرع كما سبق .

وعنه : تقدم بينة العتق ، ولو كان العبد بيد أحد المتداعيين أو يد نفسه ، فالحكم كذلك إلغاء لهذه اليد ، للعلم بمستندها ، نص عليه ، واختاره أبو بكر .

وعنه : أنها يد معتبرة فلا تعارض ، بل الحكم على الخلاف في الداخل والخارج ، قاله المجد رحمه الله تعالى ( وإن كان في يد رجل عبد فادعى أنه اشتراه من زيد ، وادعى العبد أن زيدا أعتقه ، وأقام كل واحد بينة انبنى على بينة الداخل والخارج ) لأن المشتري داخل ؛ لأن يده على العبد ، والعبد خارج ؛ لأنه ليست له يد ، هذا إذا كانا بتاريخ واحد ، فإن كانا بتاريخين مختلفين قدمنا الأولى وبطلت الأخرى ؛ لأنه إن سبق العتق لم يصح البيع ، وإن صح البيع لم يصح العتق ؛ لأنه أعتق عبد غيره .

لا يقال : يحتمل أنه عاد إلى ملكه فأعتقه ، لأنه قد ثبت الملك للمشتري فلا يبطله عتق البائع ( وإن كان العبد في يد زيد ، فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا في يد غيرهما ) لأن العبد عين ، وهو في يد غير المتنازعين ، فعلى هذا : يرجع إلى قول زيد ، فإن أنكرهما فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنه منكر ، وإن أقر لأحدهما قبل إقراره [ ص: 170 ] وحلف للآخر ، وإن أقام أحدهما بينة حكم له بها ، وإن أقام كل منهما بينة قدمت السابقة ، وإن قلنا بالقرعة ، أقرع بين المشتري والعبد ، فمن خرجت له القرعة حلف وحكم له ، وإن قلنا بالقسمة ، جعل نصف العبد مبيعا ونصفه حرا ، ثم يسري إلى باقيه إن كان البائع موسرا ( وإن كان في يده عبد فادعى عليه رجلان ، كل واحد منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما ، لزمه الثمن لكل واحد منهما ) لأنه يجوز أن يكون اشتراه من أحدهما ، ثم ملكه الآخر فاشتراه منه ، فإن قال : اشتريته من واحد منكما صفقة واحدة ، فقد أقر لكل منهما بنصف الثمن ، وله تحليفه على الباقي ، ذكره في " الشرح " ( وإن أنكرهما حلف لها وبرئ ) لأن من أنكر وجب عليه اليمين ، ويحلف لكل منهما يمينا ، ذكره في " الكافي " ( وإن صدق أحدهما لزمه ما ادعاه ) لتوافقهما على صحة دعواه ( وحلف للآخر ) لأنه منكر ( وإن كان لأحدهما بينة فله الثمن ) لأن البينة مقدمة على الإنكار للخبر ( ويحلف للآخر ) لأنه منكر ( وإن أقام كل واحد منهما بينة ، فأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما ، أو إطلاقهما ، أو إطلاق إحداهما وتأريخ الأخرى ، عمل بها ) ذكره في " المحرر " و " الرعاية " و " الوجيز " ؛ لأن البينة حجة شرعية ، فإذا أمكن صدقهما من الجانبين وجب العمل بهما ، كالخبرين إذا أمكن العمل بهما ، وقيل : إذا لم تورخا أو إحداهما تعارضتا ، كما لو اتحد تاريخهما .

وفي " الكافي " : باحتمال استواء تاريخهما ، والأصل براءة الذمة ، والأول أولى .

وذكر في " الشرح " سؤالا : وهو أنه لم قلتم : إن البائع إذا كان واحدا [ ص: 171 ] والمشتري اثنين ، فأقام أحدهما بينة أنه اشتراه في المحرم ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراه في صفر ، يكون شراء الثاني باطلا ؛

وأجاب عنه : بأنه إذا ثبت الملك للأول ، لم يبطله بأن يبيعه للثاني ثانيا ، وفي مسألتنا ثبوت شرائه من كل واحد منهما يبطل ملكه ؛ لأنه لا يجوز أن يشتري ثانيا ملك نفسه ، ويجوز للبائع أن يبيع ما ليس له فافترقا ( وإن اتفق تاريخهما تعارضتا ) لأنهما تساويا ، والتساوي يوجب التعارض ( والحكم على ما تقدم ) لأنه في معناه ، فإن قلنا بالتساقط ، رجع إلى قول المدعى عليه كما لو لم تكن بينة .

فعلى هذا : لا يلزم المدعى عليه شيء من الثمن ، وإن قلنا بالقرعة ، وجب الثمن لمن تخرج له القرعة ، ويحلف للآخر ويبرأ ، وإن قلنا بالقسمة ، قسم الثمن بينهما ، ويحلف لكل منهما على الباقي ( وإن ادعى كل واحد منهما أنه باعني إياه بألف وأقام بينة ، قدم أسبقهما تاريخا ) لأن نقل الملك حاصل لمن سبق ، فوقوع العقد بعد ذلك لا يصح ( وإن لم تسبق إحداهما تعارضتا ) لأنهما تساويا ، وهو موجب للتعارض ( وإن قال أحدهما : غصبني إياه ، وقال الآخر : ملكنيه ، أو أقر لي به ، وأقام كل واحد بينة فهو للمغصوب منه ) لأنه لا تعارض بينهما ؛ لجواز أن يكون غصبه من هذا ثم ملكه الآخر ( ولا يغرم للآخر شيئا ) لأنه لم يحل بينه وبين ما أقر به ، وإنما حالت البينة بينهما .

[ ص: 172 ] فرع : إذا ادعى عمرو عبدا بيد زيد ، وأقام بينة أنه اشتراه منه ، وأقام زيد بينة أنه اشتراه من عمرو ، قدمت بينة زيد ، قدمه في " الرعاية " وذكره القاضي ، وقال : لم يتناقض به أصلنا في تقديم بينة الخارج ؛ لأنا نقول ذلك إذا كانت الداخلة لا تفيد إلا ما تفيده اليد ، وهذه تفيد اليد والشراء .

وقيل : تقدم بينة عمرو ؛ لجواز أن يكون اشتراه من زيد ولم يقبضه ، ويحتمل أن يكون قد اشتراه زيد من عمرو وقبضه منه ، والصحيح عند السامري : التعارض والتساقط ، وأنه يبقى لزيد إن حلف ، فائدة : ادعى نكاح صغيرة في يده ، فرق بينهما وفسخه الحاكم ، إلا أن تكون له بينة ؛ لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة ، وإن صدقته إذا بلغت قبل ، ذكره في " الكافي " ، وفي " الرعاية " هو أظهر .

وإن ادعى زوجية امرأة فأقرته بذلك قبل إقرارها ؛ لأنها أقرت على نفسها وهي غير متهمة ، لأنها لو أرادت النكاح لم تمنع منه ، فإن ادعاها اثنان ، فأقرت لأحدهما ، لم يقبل منها بلا بينة تشهد بأصل النكاح وشروطه ، وإلا فرق بينهما ؛ لأنها متهمة ، فإنها لو أرادت ابتداء تزويج أحد المتداعيين لم يكن لها ذلك قبل الانفصال من دعوى الآخر ، وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا فلا نكاح ، وإن اختلف تاريخهما فهي للأسبق تاريخا ، فإن جهل الأسبق عمل بقول الولي ، نص عليه .

قال ابن حمدان : المجبر ، فإن جهل فسخا ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية