صفحة جزء
ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع .

والرؤية تختص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها ، والسماع على ضربين : سماع من المشهود عليه ، نحو الإقرار والعقود والطلاق والعتاق ، وسماع من جهة الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك كالنسب والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل ، وما أشبه ذلك .


( ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه ) لقوله تعالى : ولا يملك الذين يدعون [ الزخرف : 86 ] قال المفسرون : من شهد بالحق وهو توحيد الله تعالى ، وهو يعلم ما شهد به عن بصيرة وإتقان .

ومعناه : لكن من شهد بالحق ، فيكون الاستثناء منقطعا ، وقال ابن عباس : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة ، قال : ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع رواه الخلال ، ولأن الشهادة بغير علم رجم بالغيب ، وذلك حرام .

ومدرك العلم الذي تحصل به الشهادة ( برؤية أو سماع ) غالبا ، زاد في [ ص: 194 ] " المستوعب " و " الرعاية " : حال التحمل ، لقوله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء : 36 ] . ويختص الثلاث في الآية بالسؤال ؛ لأن العلم بالفؤاد ، وهو يستند إلى السمع والبصر ، لأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع ، وهما بالبصر والسمع دون ما عداهما من مدارك العلم ، وهو المس والذوق والشم لا حاجة إليها في الشهادة في الأغلب ( والرؤية تختص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها ) كالعيوب المرئية في المبيع ونحوها ( والسماع على ضربين : سماع من المشهود عليه ، نحو الإقرار والعقود والطلاق والعتاق ) وحكم الحاكم ، فلا يجوز التحمل فيها إلا بسماع القول ومعرفة القائل يقينا ، ذكره في " الكافي " .

وحينئذ يلزمه أن يشهد على من سمعه ، وإن لم يشهده به لاختفائه ، أو مع العلم به ؛ لأن العلم يحصل بذلك ، وإن حصل العلم بدونه كمعرفة صوت القائل كفى ؛ لأنه علم المشهود عليه كما لو رآه ، وهو قول ابن عباس وجمع ، وقال جماعة من العلماء : لا تجوز الشهادة حتى يشاهد القائل المشهود عليه ؛ لأن الأصوات تشتبه ، وأجيب : بأن جواز الاشتباه في الأصوات كجواز اشتباه الصور .

وعنه : لا يلزمه فيخير ، وعنه : يحرم في إقرار وحكم ، وعنه : وغيرهما حتى يشهده .

وعنه : إن أقر بحق سابق نحو : كان له ، فحتى يشهده . [ ص: 195 ] وظاهر كلامهم : أن الحاكم إذا شهد عليه شهد ، سواء وقت الحكم أو لا .

وقال أبو الخطاب وأبو الوفا : إذا كان بعده ، فيقولان : أخبرنا أنه حكم ، ولا يقولان : أشهدنا . وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان : لا تشهدوا علينا بما جرى بيننا ، لم يمنع ذلك الشهادة ولزم إقامتها على الأشهر .

تنبيه : إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه ، جاز أن يشهد عليه مطلقا ، وإن لم يعرف ذلك لم يشهد عليه في غيبته ، وفي " الفروع " : وإن كان غائبا فعرفه به من يسكن إليه جاز أن يشهد في الأصح ، وظاهر ما نقله مهنا : الاكتفاء بمعرفة الاسم ؛ لأنه إذا حصل به التمييز فلا حاجة إلى معرفة النسب ، والمرأة كالرجل .

قال أحمد : إلا لمن تعرف ، وعلى من تعرف ، وقال : لا تشهد على امرأة حتى تنظر إلى وجهها ، وهو محمول على من لم يتيقن معرفتها ، ونص أحمد على المنع على من لا يعرفه بتعريف غيره .

قال القاضي : هو محمول على الاستحباب لتجويزه الشهادة بالاستفاضة .

ونقل حنبل : لا يشهد عليها إلا بإذن زوجها ، وعلله بأنه أملك لعصمتها ، وقطع به ، وحمل على أنه لا يدخل بيتها إلا بإذن زوجها للخبر .

فأما الشهادة عليها في غير بيتها فجائز ؛ لأن إقرارها وتصرفها صحيح إذا [ ص: 196 ] كانت رشيدة ( وسماع من جهة الاستفاضة مما يتعذر علمه في الغالب إلا بذلك ) لأن المنع منها يؤدي إلى عدم ثبوت ما ذكر ـ غالبا ـ في بعضها ، وهو ضرر عظيم ، وهو منفي شرعا ( كالنسب ) وهو محل إجماع كالولادة ؛ لأنه لا سبيل إلى معرفته إلا بالاستفاضة ( والموت والملك ) المطلق ، قيده به جماعة ، مثل أن يستفيض عنده أنه ملك فلان ( والنكاح ) قال جماعة : دوامه ، لا أنه تزوجها ( والخلع والوقف ) أي : أنه وقف زيد ، لا أنه وقفه ( ومصرفه ) وحكاه في " المغني " عن الأصحاب ، وجزم به في " الكافي " ، وفي " الرعاية " : أن الوقف ومصرفه يثبت بها ، في الأصح فيهما ( والعتق ) أي : أنه عتيق وحر ، لا أن سيده أعتقه ( والولاء والولاية والعزل ) لأن العلم في ذلك كله يتعذر غالبا ، أشبه النسب .

لا يقال : يمكن العلم به بمشاهدة سببه ؛ لأن الإمكان لا ينافي التعذر غالبا ، ولأن وجود السبب لا يعلم به المسبب قطعا ؛ لجواز أن يبيع مثلا غير ملكه ، وذكر ابن هبيرة عن أحمد : أنه يثبت في الملك المطلق والوقف والنكاح والعتق والنسب والولاء ، وقاله الإصطخري ، واقتصر عليه في " الشرح " وزاد : مصرف الوقف والموت والولاية والعزل ، وكذا في " الكافي " إلا أنه لم يذكر الولاء ( وما أشبه ذلك ) كالطلاق ، نص عليه .

وفي " عمد الأدلة " : مقتضى تعليل أصحابنا أن يثبت الدين بالاستفاضة . [ ص: 197 ] ومقتضاه : أنه لا يثبت في حد ولا قود ، وظاهر قول الخرقي وابن حامد بخلافه ؛ لأنهم أطلقوا الشهادة بما تظاهرت به الأخبار .

وفي " الترغيب " : تسمع فيما تستقر معرفته بالتسامع لا في عقد ، والأشهر أنه لا يثبت إلا في نسب وموت وملك مطلق وعتق وولاء ونكاح ووقف .

التالي السابق


الخدمات العلمية