صفحة جزء
ولا تصح الصلاة في المقبرة ، والحمام ، والحش ، وأعطان الإبل ، وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها ، والموضع المغصوب ، وعنه : تصح مع التحريم ، وقال بعض أصحابنا : حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك ، وتصح الصلاة إليها إلا المقبرة والحش في قول ابن حامد ، ولا تصح الفريضة في الكعبة ، ولا على ظهرها ، وتصح النافلة ، إذا كان بين يديه شيء منها .


( ولا تصح الصلاة في المقبرة ) هي بتثليث الباء ، لكن بفتحها هو القياس ، وبضمها المشهور ، وبكسرها قليل ، والشيء إذا كثر في مكان جاز أن يبنى من اسمه كقولهم : أرض مسبعة إذا كثر فيها السباع ( والحمام ) مشدد واحد الحمامات المبنية ( والحش ) بفتح الحاء وضمها البستان ، ويطلق على المخرج ، لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين ، وهي الحشوش ، فسميت الأخلية في الحضر حشوشا بذلك ( وأعطان الإبل ) واحدها عطن بفتح الطاء ، وهي المعاطن الواحد معطن بكسرها ( وهي التي تقيم فيها ، وتأوي إليها ) قاله أحمد ، وقيل : مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل ، زاد بعضهم : وما تقف فيه لترد الماء ، قال في " المغني " و " الشرح " : والأول أجود ، لأنه جعله في مقابلة مراح الغنم لا نزولها في سيرها . قال جماعة : أو لعلفها للنهي ، وما ذكره من عدم صحة الصلاة في هذه المواضع هو المجزوم به في المذهب ، وعليه الأصحاب ، لما روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : جعلت لي الأرض كلها مسجدا ، إلا المقبرة والحمام رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصحح أنه مرسل ، وابن حبان ، والحاكم ، وقال : أسانيده صحيحة ، وقال ابن حزم : خبر صحيح ، وعن سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم ، وعن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في مبارك الإبل رواه أحمد ، وأبو داود ، وصححه أحمد ، وإسحاق ، وقال ابن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح ، والمنع منها تعبد ، فيتناول ما يقع [ ص: 394 ] عليه الاسم ، وفي آخر بأنها مظنة النجاسة ، فأقيمت مقامها ، وظاهره أن صلاة الجنازة لا تصح في المقبرة كغيرها ، وهو إحدى الروايات ، قدمه في " الرعاية " وعنه : يكره ، ذكرها السامري ، وفي ثالثة ، وهي المذهب : صحتها فيها من غير كراهة ، فعلى هذا يستثنى ، ولا فرق فيها بين القديمة والجديدة ، تكرر نبشها أو لا ، ولا يضر قبران ، لأنه لا يتناولها الاسم ، وقيل : بلى ، واختاره الشيخ تقي الدين . قال في " الفروع " : وهو أظهر ، بناء على أنه هل تسمى مقبرة أم لا ، وظاهر كلامهم أن الخشخاشة فيها جماعة قبر واحد ، فلا تمنع كما لو دفن بداره موتى ، ونص أحمد ، وهو المذهب : أنه لا يصلى في مشلح حمام ، ومثله أتونه ، وما تبعه في بيع ، وكره أحمد الصلاة فوق الحمام ، والصحيح : قصر النهي على ما يتناوله النص ، وأن الحكم لا يتعدى إلى غيره ، لأن الحكم إن كان تعبدا لم يقس عليه ، وإن علل فإنما يعلل بمظنة النجاسة ، ولا يتخيل هذا في أسطحتها ، لكن يصلى فيها للعذر ، وفي الإعادة روايتان ، وظاهره أنه لا يصلي فيها من أمكنه الخروج ، ولو فات الوقت ، والحش ثبت الحكم فيه بالتنبيه لكونه معدا للنجاسة ، ومقصودا لها ؛ ولأنه قد منع من ذكر الله تعالى ، ومن الكلام فيه ، فمنع الصلاة فيه أولى ، وقال في " المغني " : لا أعلم فيه نصا ( والموضع المغصوب ) على المذهب ، لأنها عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه ، فلم تصح كصلاة الحائض ، ولا فرق في الغصب بين دعوى الملك أو المنفعة ، ويلحق به ما إذا أخرج ساباطا في موضع لا يحل له ، أو غصب راحلة وصلى عليها ، أو سفينة أو لوحا فجعله سفينة ، وصلى عليه ، أو مسجدا وغيره عن هيئته ، أو بسط طاهرا على أرض [ ص: 395 ] مغصوبة أو مغصوبا على أرض مباحة ، فإن لم يغير المسجد عن هيئته ، بل منع الناس الصلاة فيه ، فصلاته فيه صحيحة مع الكراهة في الأصح ، ولا يضمنه بذلك ، فإن كانت الأبنية مغصوبة ، والبقعة حلالا فروايتان ، وقيل : هذا إن استند إليها ، وإلا كرهت وصحت ، فإن صلى في أرض غيره بلا إذنه ، أو صلى على مصلاه بلا إذنه ، ولم يغصبه ، أو أقام غيره من المسجد وصلى فيه ، فوجهان ، ويستثنى منه الجمعة ، فإنها تصح في موضع غصب ، نص عليه ، لأنها تختص ببقعته ، وفي طريق ضرورة وحافتيها ، نص عليها ، وعلى راحلة فيها ، وذكر جماعة ، وطريق أبيات يسيرة ، وكذا عيد وجنازة ، جزم به في " الشرح " وقيل : وكسوف ، واستسقاء ( وعنه : تصح ) في هذه المواضع لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته متفق عليه ، ولأنه موضع طاهر ، فصحت الصلاة فيه كالصحراء ، ولم ينقل عن أحد من العلماء أنهم أمروا بإعادتها ، ولأن النهي لمعنى في غير الصلاة ، أشبه ما لو صلى ، وفي يده خاتم ذهب ( مع التحريم ) للنهي ، وعنه : مع الكراهة وفاقا ، وعنه : لا تصح إن علم النهي لخفاء دليله ، وقيل : إن خاف فوت الوقت صحت .

( وقال بعض أصحابنا : حكم المجزرة ) وهي ما أعد للذبح ( والمزبلة ) أي : مرمى الزبالة ، وإن كانت طاهرة ( وقارعة الطريق ) أي : التي تقرعها الأقدام مثل الأسواق والشوارع ، دون ما علا عن جادة المارة يمنة ويسرة ، نص عليه ، وألحق صاحب " الروضة " بذلك المدبغة ، والمذهب خلافه ( وأسطحتها كذلك ) أي : لا تصح الصلاة فيها في اختيار الأكثر ، وجزم به في " الوجيز " وصححه ابن [ ص: 396 ] الجوزي ، وفي " الفروع " وقدمه في " المحرر " وغيره ، لما روى ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى في سبع مواطن : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، وفي الحمام ، وفي معاطن الإبل ، وفوق ظهر بيت الله رواه ابن ماجه ، ، والترمذي ، وقال : ليس إسناده بالقوي ، وقد رواه الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، وعلم منه أن الصلاة تصح فيها ، وهو الصحيح عنده ، وهو قول أكثر العلماء ، ويحتمله كلام الخرقي ، لأنه لم يذكرها ، ولعموم الأحاديث الصحيحة ، واستثنى في بعضها المقبرة والحمام ، فيبقى فيما عداها على العموم ، مع أن حديث ابن عمر يرويه زيد بن جبيرة ، ، وعبد الله بن عمر العمري ، وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما ، وفي لفظ ومحجة الطريق بدل قارعة ، وهي الطريق الجادة المسلوكة في السفر ، وليس المراد كل طريق ، لأنه لا يخلو موضع من المشي فيه ، ولهذا ذكر ابن تميم ، وصاحب " الشرح " لا بأس بطرق الأبيات القليلة .

تنبيه : أسطحة مواضع النهي كهي عند أحمد ، وأكثر الأصحاب ، لأن الهواء تابع للقرار بدليل الجنب يمنع من اللبث على سطح المسجد ، ويحنث بدخول سطح الدار إذا حلف لا يدخلها ، فيعود الضمير إلى الكل ، وهو ظاهر " المغني " وظاهر كلامه هنا أن الأسطحة لا يكون لها حكم القرار ، وصححه في " المغني " و " الشرح " لما ذكرنا ، قال أبو الوفاء : لا سطح نهر ، لأن الماء لا يصلى عليه ، [ ص: 397 ] واختار أبو المعالي وغيره الصحة ، كالسفينة ، قال : ولو جمد الماء فكالطريق ، وذكر بعضهم الصحة .

( وتصح الصلاة إليها ) مع الكراهة ، نص عليه ، وجزم به في " الوجيز " وقدمه جماعة لقوله عليه السلام : وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ( إلا المقبرة ) اختاره الشيخان ، قال في " الفروع " : وهو أظهر لما روى أبو مرثد الغنوي أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا إليها رواه مسلم ( والحش في قول ابن حامد ) وهو رواية عن أحمد ، وقيل : وحمام ، وشرطه لا حائل ، ولو كمؤخرة الرحل ، وظاهره ليس كسترة صلاة ، فيكفي الخط ، بل كسترة المتخلي ، ولا يضر بعد كثير عرفا ، وعنه : لا يكفي حائط المسجد ، جزم به جماعة ، لكراهة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش ، وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلي ، واستحسنه صاحب " التلخيص " وعنه : لا يصلي إلى ذلك ، وقارعة الطريق فإن فعل ، فقال أبو بكر : في الإعادة قولان ، والصحيح أن الإعادة على الجميع ، قاله ابن تميم وغيره ، واختار أبو بكر خلافه ، قال القاضي : يقاس على ذلك سائر مواضع النهي إلا الكعبة ، وفيه نظر ، لأن النهي عنده تعبد ، وشرطه فهم المعنى .

تذنيب : مازال اسمه مما نهي عنه زال المنع منه في الأشهر ، والمصلي في مسجد بني في مقبرة ، كالمصلي فيها ، لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون مقبرة ، لكن إن حدث حول المسجد لم يمنع الصلاة فيه ، زاد في " الشرح " : بغير خلاف ؛ لأنه لم يبع ما حدث بعده ، وكذا إن حدث في قبلته فهو كالمصلي إليها .

[ ص: 398 ] مسألة : تصح الصلاة في أرض السباخ على الأصح ، وفي " الرعاية " يكره كأرض الخسف ، نص عليه ، لأنه موضع مسخوط عليه ، ولا تصح في عجلة سائرة ، ولا أرجوحة تحرك ، لأنه ليس بمستقر القدمين على الأرض ، كما لو سجد على بعض أعضاء السجود ، وترك الباقي معلقا ، وفيه وجه ، وقدم في " الشرح " أنها تصح على العجلة إذا أمكنه ذلك ، والمربوط في الهواء يومئ .

( ولا تصح الفريضة في الكعبة ، ولا على ظهرها ) هذا هو المشهور ، وجزم به أكثر الأصحاب لقوله تعالى وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 144 ] وللخبر .

والمصلي فيها أو عليها غير مستقبل لجهتها ، ولأن المصلي فيها يستدبر منها ما يصلح أن يكون قبلة مع القدرة ، وذلك يبطل الفرض ، والمصلي عليها ليس مصليا ، وقد أمر بالصلاة إليها ، وظاهره لا فرق بين أن يسجد على منتهى الكعبة أو يقف عليه أو لا ، ذكره ابن هبيرة ، وصاحب " التلخيص " وجزم في " المحرر " وهو ظاهر كلام أحمد أنه إذا وقف على منتهاها ، بحيث إنه لم يبق وراءه شيء منها أو قام خارجها وسجد فيها فإنه يصح ، لأنه استقبله ، ولم يستدبر منه شيئا ، كما لو صلى إلى أحد أركانه ، وظاهر كلام الأكثر بخلافه ، وعنه : يصح ، وهو ظاهر ما قدمه في " الكافي " واختاره الآجري كمن نذر الصلاة فيها ، وعنه : مع الكراهة ، وعنه : إن جهل النهي لأنه معذور ( وتصح النافلة ) فيها على الأصح ، وعليها لا نعلم فيه خلافا قاله في " المغني " و " الشرح " لما روى ابن عمر قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت هو ، وأسامة بن زيد ، وبلال ، وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم ، فلما فتحوا كنت أول من ولج ، فلقيت بلالا فسألته : هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : نعم بين العمودين اليمانيين متفق عليه .

[ ص: 399 ] لا يقال : فابن عباس قال : لم يصل فيها ، لأنه نفي ، والإثبات مقدم عليه ، خصوصا ممن كان حاضر القصة ، ولأن مبناها على التخفيف والمسامحة ، بدليل صحتها قاعدا ، أو إلى غير القبلة على الراحلة ، وقدم في " الرعاية " أنه لا يصح نفل فوقها في الأصح ، ويصح فيها على الأصح ، واقتصر جماعة على الصحة هنا ، وشرطها ( إذا كان بين يديه شيء منها ) ليكون مستقبلا بعضها ، فعلى هذا لو صلى إلى جهة الباب أو على ظهرها ، ولا شاخص متصل بها ، لم يصح ، وذكره في " الشرح " عن الأصحاب لأنه غير مستقبل بشيء منها ، فإن لم يكن شاخصا ، فوجهان ، قال في " المغني " : والأولى أنه لا يشترط كون شيء منها بين يديه ، لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها ، بدليل ما لو انهدمت والعياذ بالله تعالى ، ولهذا تصح على أبي قبيس فإنه أعلى منها ، وقيل : لا تصح على ظهرها ، وقيل : لا تصح فيها إن نقض البناء ، وصلى إلى الموضع ، والحجر منها ، نص عليه ، وهو ستة أذرع وشيء فيصح التوجه إليه ، وقال ابن حامد ، وابن عقيل : لا ، وقاله أبو المعالي في المكي ، ويسن النفل فيه ، والفرض كداخلها في ظاهر كلامهم .

مسألة : يستحب نفله فيها ، وعنه : لا ، ونقل الأثرم : يصلي فيها إذا دخل وجاهة ، كذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصلي حيث شاء ، ونقل أبو طالب يقوم كما قام عليه السلام بين الأسطوانتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية